مستشفى الحريري الحكومي بين مؤامرة التحجيم ومخاطر الإقفال!

Wednesday, 29 January 2014 - 11:09am
هل هناك استراتيجية لحماية استمرارية المؤسسة وتعزيز دورها؟
لا أحد يستطيع أن يقفل أو يتخذ قرار بإقفال "مستشفى بيروت الحكومي" أو "مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي" نظراً لدوره الصحي والتعليمي، واستيعابه للمرضى من الفقراء على مستوى لبنان.
يحتاج المستشفى إلى نظرة إستراتيجية مباشرة لضمان استمراريته بتقديم الخدمات، وبأسعار خدمات مقبولة تتقيد بتعريفات المؤسسات الضامنة من وزارة الصحة إلى الضمان الاجتماعي، وأحياناً بكلفة أقل نظراً للحسومات، لا تكفي لتغطية الكلفة الحقيقية. لذلك هي بحاجة إلى دعم أو مساعدات سنوية لا تقل عن 10 ملايين دولار سنوياً (بين 15 إلى 17 مليار ليرة)، تؤمن سواء من قبل الدولة مباشرة أو عبر مساعدات أو مساهمات من هيئات وجهات تهتم بالشأن الصحي والاستشفائي.
المطلوب على مستوى الدولة توسيع خدمات المستشفى لتعزيز دورها، وعلى مستوى الإدارة السعي لمزيد من خفض الكلفة، علماً أن موازنة المستشفى السنوية هي 60 مليار ليرة، وان القسم الخاص بالرواتب والأجور يأكل من كلفة التجهيز والخدمات. فالخدمة يجب أن تستمر في المستشفى حفاظاً على الرسالة الاجتماعية والصحية والتربوية، لاسيما أن المستشفى لا يستطيع استقبال المريض الخاص الذي يعالج بكلفة عالية على حسابه كما المستشفيات الخاصة التي يقصدها هذا النوع من المرضى. وإذا ما حصل ذلك، فسيكون على حساب المريض الفقير الذي لا يستطيع الدخول إلى المستشفى الخاص.
لقد كلّف مبنى المستشفى حوالي 100 مليون دولار، وكلّفت تجهيزاته أكثر من 25 مليون دولار، وهو يحتاج سنوياً لصيانة وحماية التجهيزات إلى حوالي 4 ملايين دولار (حوالي 5 في المئة من الكلفة، وهذا أمر متعارف عليه دولياً وفي مستشفيات القطاع الخاص).
18 ألف مريض سنوياً
يخسر المستشفى سنوياً، وبناء للتعرفة المخفضة التي يعتمدها، حوالي 15 إلى 17 مليار ليرة، وهو يستقبل حوالي 18 ألف مريض سنوياً أو يؤمن 100 ألف يوم استشفائي في السنة، وكان يتقاضى 30 دولاراً يومياً على المريض عدلت منذ فترة إلى 50 دولاراً لما يجعل دخله أقل بكثير من تقديماته، وهذا سبب الخسارة.
الكلام عن الهدر في المستشفى لا يتعدى الملاحظات من قبل "التفتيش المركزي" كونه مؤسسة عامة تخضع عملياتها للتدقيق. وهذا الأمر جعل النظرة السياسية إلى المستشفى تنطلق من تسميته أولاً، وثانياً من حيث النظرة السياسية لفئات أخرى تعتبر أن المستشفى يقع في منطقة تستفيد منها فئات معينة، علماً أنه يؤمن الخدمات لكل الفئات من الشعب اللبناني. وتكفي الإشارة إلى أن عدد موظفي المستشفى يبلغ حوالي 968 موظفاً ضمن الجهاز الإداري، إضافة إلى حوالي 240 متعاملاً ينتمون إلى الشركات الخاصة بالتنظيفات والخدمات والأمن وغيرها. من هنا فأن القسم الأكبر من النفقات يذهب إلى الكلفة الإدارية التي تأكل القسم الأكبر من الموازنة السنوية المقدرة بـ60 مليار ليرة.
لقد حاولت إدارة المستشفى الاعتماد لتعويض التمويل على "السياحة الاستشفائية" عن طريق استقبال المرضى من العرب، وكانت المحاولة بموجب اتفاقيات لم تنجح مع اليمن بسبب صعوبات معاملات طالبي الاستشفاء. ولدى استقبال مرضى من ليبيا والعراق ودول أخرى جاء من يعترض من باب الأزمة السورية ومخاطر معالجة غير اللبنانيين. حتى معالجة النازحين السوريين في المستشفى الحكومي تأتي على حساب المرضى اللبنانيين تبعاً لقدرة استيعاب المستشفى.
كان المطلب الأول لرئيس مجلس إدارة المستشفى المدير العام الدكتور وسيم الوزان، الذي طالب بنظرة وخطة إستراتيجية للمستشفى، تقضي بتأليف لجنة من خبراء اقتصاديين، وفي مجال الصحة لوضع نظرة مستقبلية للمستشفى الجامعي على اعتبار أن المستشفيات الجامعية غالباً ما تعتمد على الدعم والمساعدات. بما يضمن خدمة المستشفى بنوعية عالية بما يتناسب وأهمية وكلفة قيام هذا المستشفى الكبير. معروف أن المستشفى يضم 400 سرير تقريباً يعمل منها أقل من 270 سريراً في السنتين الأخيرتين لنقص في توفر الجهاز التمريضي من ناحية العدد والجهوزية.

السؤال الإستراتيجي الآخر الذي يطرحه الدكتور الوزان في مجال مقترحات المعالجة: هل يمكن للمستشفى أن يربح في ظل تعرفته الحالية خصوصاً أن المريض الخاص (البرايفت) لا يدخل إلى المستشفى الحكومي وفي عدم وجود ما يسمى السياحة الاستشفائية عن طريق استقبال المرضى العرب ومن غير اللبنانيين الذين يقصدون لبنان لهذه الغاية؟ هذا مع العلم أن الأوضاع العامة من سياسية وأمنية، قلصت نشاط القطاع السياحي العادي بشكل كبير وغير مسبوق فكيف بالعلاجي؟ وهنا لا بد من الإشارة إلى الحرب التي تساهم بها بعض مستشفيات القطاع الخاص، لضرب تجربة ناجحة ومتقدمة في المستشفيات الحكومية.
لقد ترافقت الحملة على المستشفى مع تضخيم الحديث عن وجود هدر مالي، وهو في الحقيقة، كان موضع تحقيقات من قبل التفتيش الذي خرج بملاحظات وبقرارات لم تدن الإدارة بقدر توجيه ملاحظات حول ضبط بعض الأمور التي تؤثر على الأداء الإداري (مضمون قرار التفتيش لاحقاً).
في المحصلة الأولى إن هذا النقص المستمر في السيولة النقدية، يكاد يجهز على جميع الجهود المبذولة للمحافظة على صورة المستشفى وسمعته ومستواه، وكذلك جودة ونوعية خدماته.
إن عدم توفر السيولة، أفقد المستشفى مصداقيته مع الأطراف التي يتعامل معها، خصوصاً العاملين في المستشفى من موظفين وأطباء وموردين كما يقول رئيسها الوزان لـ"السفير".
لقد وضع الوزان مع مجلس إدارة المستشفى، وحسب متابعات جدية من إغفال تعاون وزارة الصحة بتقديم التسهيلات لتغطية بعض العجز المالي. يلخص الوزان في تقرير حول عمل المستشفى منذ العام 2005 وحتى اليوم ببعض النقاط الأساسية.
المعايير الإستراتيجة
ما هي المعايير الإستراتيجية التي اعتمدتها إدارة المستشفى منذ توليها المهام؟ يجيب الوزارن أنه وضع جملة تقارير إلى المسؤولين، وتم عرض بعضها في اللجان النيابية تركز على الآتي:
1- سد النقص المزمن الذي كان يشكو منه النظام الصحي اللبناني عن طريق توفير خدمات استشفائية متخصصة وذات مستوى راق لفئات الشعب اللبناني كافة، وبخاصة المعوزين منه من دون أي تفرقة اجتماعية أو مناطقية أو مذهبية، ومن دون الأخذ بأي اعتبار سياسي، تأكيداً لحق المواطن في تلقي العناية والعلاج الصحيين.
2- العمل على توفير الإمكانيات كي يتحوّل المستشفى إلى مستشفى تعليمي مركزي جامعي يعتمد قاعدة المعلومات التي يوفرها إلى قاعدة لرسم السياسة الصحية في لبنان.
3- تحسين صورة المرفق العام العالقة في ذهن اللبناني منذ أمد بعيد. استيحاء بعض مبادئ عمل القطاع الخاص بما يتلاءم مع مصلحة المستشفى ومرضاه.
4- تأمين تدريب وتعليم عدد كبير من طلاب الطب والتمريض وسائر المهن المرتبطة بالقطاع الاستشفائي، وخصوصاً المنتسبين منهم إلى الجامعة اللبنانية الوطنية.
5- الإسهام في خلق فرص عمل جديدة في القطاع الاستشفائي اللبناني.
6- إبعاد المستشفى وتحييده عن الوضع السياسي العام الذي عصف ولا يزال بالمؤسسات اللبنانية.
7- الالتزام بالتسعيرات الرسمية بالرغم من إجحافها، وانعكاساتها السلبية على مالية المستشفى، وذلك تجاوباً مع الاعتمادات المخصصة من قبل الجهات الضامنة، وبخاصة الرسمية منها، وحرصاً على المال العام.
8- وضع المستشفى على خارطة الشرق الأوسط والأقطار العربية بحيث تمكن من استقطاب مرضى من هذه المناطق، ومن المنظمات الدولية العاملة في لبنان.
أكبر المراكز الصحية
تسلم مجلس الإدارة مهامه في 11 شباط 2005، قبل أيام قليلة من جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي هزت الكيان اللبناني، وكادت تطيح به، والتي ما زالت تداعياتها تفرض نفسها على مجمل تفاصيل العمل السياسي والإداري والمالي في البلاد.
بالرغم من الصعاب الجمة والعراقيل على كل الصعد، ليس أقلها الإدارية والمالية، فقد تمكن المستشفى، وفي زمن قياسي، من تحقيق العديد من أهدافه التي أنشئ من أجلها، وأصبح من أكبر المراكز الصحية الجامعية العاملة في لبنان والمنطقة، والعمود الفقري للنظام الصحي الرسمي اللبناني.
وهو ينظر اليوم ويخطط، بكل أمل وتصميم، نحو تأمين مقومات الاستمرارية لاستكمال رسالته، وتطوير عمله، وينتقل لمرحلة الارتقاء لمستويات عالمية يستحقها لبنان وشعبه.
وبالنسبة إلى العناية الطبية المعتمدة، يقول الوزان: لقد كان الهدف الأساسي معالجة الثغرة المزمنة في النظام الصحي اللبناني، وهي عدم توفر العناية الطبية المناسبة، خاصة للحالات المستعصية ولذوي المداخيل المتدنية، والتخلص من مقولة: "المرضى يموتون على أبواب المستشفيات".
في ذلك، يتمسك بالقوانين والتسعيرات الموضوعة من قبل الهيئات الضامنة، بكل دقة وأمانة ومصداقية، مع التركيز، بشكل خاص، على جودة الخدمة الطبية والتمريضية، وذلك باعتماد نظام لاختيار الأطباء العاملين، يرتكز بصفة أساسية على الإنجاز العلمي والمهني، وتوفر نظام تدريبي وتأهيلي مستمر للجهاز التمريضي.
توالى افتتاح الأقسام تدريجياً حيث بلغ عدد الأسرة العاملة في العام 2008: 315 سريرا داخليا، و75 سريرا للخدمات النهارية.
تمّ التركيز على وحدات العناية الفائقة والقلب والطوارئ وغسيل الكلى وعلاجات السرطان للكبار والأطفال، التي تعمل بطاقة كاملة. كما تمّ إنشاء العيادات الخارجية في كافة الاختصاصات.
تراوحت نسبة إشغال الأسرّة، في كل الفترة السابقة، ما بين 85 و95 في المئة، مما شكل ضغطاً مستمراً على عدد الأسرّة العاملة.
وتمّ إجراء العديد من امتحانات "مجلس الخدمة المدنية" وتوظيف الناجحين. كما تمّ شراء خدمات العديد من الممرضين لسد النقص وتعويض هجرتهم، إذ ان هناك أزمة عالمية معروفة في عدد الممرضين والممرضات، يضاف إلى ذلك، المنافسة من المستشفيات الأخرى، وتعذر منح حوافز لهم بسبب افتقار القوانين والمراسيم التطبيقية للمواد التي تسمح بذلك. وترافق ذلك مع صعوبات إدارية وتأخر متكرّر في دفع الرواتب.
أما مختبر الأبحاث المتطوّرة، فقد تمّ اعتماده من قبل وزارة الصحة و"منظمة الصحة العالمية" لتشخيص وترصّد الأمراض الوبائية المستجدّة، ومنها أنفلونزا الـ"H1N1" وفحوصات الحمض النووي (DNA) لتحديد هويات جثث وأشلاء ضحايا سقوط الطائرة الأثيوبية، وإثبات الأبوة للأفراد غير المسجلين في الأحوال الشخصية. كما أنه يجري العديد من الفحوصات الجينية المتقدّمة ضمن دراسات إكلينيكية عديدة.
تتحمّل وزارة الصحة العامة تغطية معالجة حوالي 70 في المئة من إجمالي عدد المرضى، إضافة إلى هيئات ضامنة أخرى كـ"الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، وتعاونية موظفي الدولة والجيش وغيرها، و"الأنروا"، والأمم المتحدة وشركات التأمين الخاصة. ويستقبل المستشفى المرضى غير المشمولين بتأمين صحي بكلفة معقولة يستطيعون تحمّلها من دون إرهاق مواردهم أو موارد أسرهم. كما تقوم العديد من المنظمات الأهلية بدعم المرضى ودفع جزء من حصصهم من الفواتير غير المغطاة من الهيئات الضامنة.
إن من أهم ما قام به المستشفى هو استيعابه لمعالجة المرضى ذوي الحالات المستعصية والمعقدة من جميع أنحاء لبنان، والذين إما لا يستقبلون في باقي المستشفيات أو أنهم يتحملون نفقات علاج طائلة تفوق قدراتهم. هذه سمة أساسية للمستشفى تدخل في صلب رسالته ودوره وإنما تكبّده تكاليف باهظة وعجزاً مالياً لم يستطع تعويضه حتى الآن.
أسباب العجز ونقص السيولة
يعدد الوزان رداً على سؤال لـ"السفير" أسباب الهدر بجملة نقاط أبرزها:
1 - حين بدأ المستشفى بالتحضير لتشغيل الأسرّة، كانت، وما زالت، مناقصة معدات وأجهزة الكومبيوتر وتوابعها من طابعات، أجهزة فاكس وتصوير وسكانر إلخ (المفترض تمويلها من الجهات المانحة لدى مجلس الإنماء والإعمار) تتعثر بسبب عدم اكتمال شروط المناقصة، مما أجبر إدارة المستشفى على شراء هذه الاحتياجات تدريجياً أثناء التشغيل من موازنته.
2 - بما أن المستشفى جامعي يستقبل عدد كبير من طلاب الطب والأطباء المتمرّنين وطلاب متمرّنين في الصيدلية ودائرة التغذية، الذين فاقوا الـ200، فإن ذلك تطلب تأمين أجهزة كومبيوتر وتوابعها، إضافة إلى الملابس، فاقت تقديرات من خطط وجهّز المستشفى في الماضي.
3 - لدى البدء بفتح الأقسام الطبية، ظهرت شوائب بالتصميم الهندسي مما حمّل المستشفى نفقات تعديلات هندسية أساسية لأماكن عدة، وما يرافقها من تجهيزات ونفقات وتمديدات بسبب اختلاف الحاجة الفعلية عن التصوّر الذي بني وجهّز على أساسه، ولملائمة متطلبات الاعتماد – Accreditation – والسلامة.
4 - استكمال معظم الجهاز الإداري، والطبي وشبه الطبي على مراحل، وتلزيم خدمات الحراسة والتنظيف والطعام قبل بدء التشغيل والإنتاج خلال الأعوام 2004 و2005 للتحضير لتشغيل المستشفى.
5 - اضطرار المستشفى إلى الاستعانة بخبرات فنية في المجال الاستشفائي لتوجيه وتدريب الجهاز الإداري الذي تمّ توظيفه عن طريق مجلس الخدمة المدنية من دون خبرة استشفائية وبخاصة في بعض الوظائف الإدارية القيادية، إضافة إلى الاضطرار بالاستعانة بخبرات فنية في وظائف ضرورية وأساسية غير ملحوظة أو غير كافية في ملاك المؤسسة المحدّد في المرسوم رقم 7515 تاريخ 2 آذار 2002.
6 - تنفيذ عقود تأمين وصيانة المعدات الطبية وغير الطبية بدءاً من العام 2004 فور انتهاء كفالات المعدات وانتهاء تغطية نفقات الصيانة من قبل مجلس الإنماء والإعمار وقبل تشغيل المستشفى.
7 - لم تستطع وزارة الصحة في سنوات الانطلاق الأولى تحديد سقف مالي لمعالجة مرضاها يتناسب وحجم العمل، مما يؤدي إلى قيامها بفتح السقف، وبالتالي إجبار المستشفى على المطالبة بعقود مصالحة. ولحين استكمال المعاملة، وبناءً لطلب وإلحاح الإدارة، يتمّ إعطاء المستشفى سلف خزينة. وبما أن معظم نفقات علاج المرضى في المستشفى تغطى من جهات ضامنة، فإن المبالغ النقدية التي تدخل المستشفى يومياً قليلة، في حين تفوق المدفوعات النقدية الشهرية المتوجبة، من رواتب وأجور ومصاريف تشغيلية، الأربعة مليارات ليرة.
8 - تقيّد المستشفى بأحكام عقود الجهات الضامنة الحكومية، ومنها التعرفات برغم تدنيها عن الكلفة الحقيقية، من دون أية زيادات، وعدم تحصيل فروقات أسوة بباقي المستشفيات العاملة. ولم يحرم أي شخص من دخول المستشفى برغم ارتفاع الكلفة عن الإيرادات في العديد من الحالات بسبب الحاجة الملحة للنوعية أو صعوبة وتعقيد الحالة الطبية حوالي 13 في المئة من الحالات تدخل وحدات العناية الفائقة.
9 - تحميل المستشفى 5 – 10 في المئة من قيمة الفاتورة الاستشفائية للمرضى على نفقة وزارة الصحة العامة (يفرض على المستشفى الحكومي تحمّل 10 في المئة من قيمة الفاتورة الاستشفائية، ويسدّد المريض 5 في المئة فقط نقداً، ويحصّل المستشفى 85 في المئة من وزارة الصحة. وقد بلغت قيمة هذه الأموال حوالي 16 مليار ليرة، تطال هذه النسبة الجزء النقدي المهم من الفاتورة.
10 - كما أنه يحسم نسبة تدقيق إضافية من فواتير الاستشفاء غير المقطوع، برغم أن متوسط قيمة هذه الفاتورة يبلغ 2200000 ليرة. كما يحسم مبالغ أخرى للمصالحات. وقد خفض وزير الصحة هاتين النسبتين من الحسم ابتداءً من العام 2011. وبلغ مجموع الحسم حوالي 16 مليار ليرة.
11 - بالرغم من الجهود التي يبذلها المعنيون، فإن الحصول على الموافقة لإعطاء المستشفى سلف خزينة استثنائية يستغرق وقتاً طويلاً. وهذا يؤدي إلى ارتفاع قيمة المبالغ المستحقة عن القيمة المطلوبة في تاريخ طلب الإمداد المالي، إذ تستحق مبالغ إضافية، من رواتب وأجور وذمم وغيرها من المتوجبات المادية، مما يؤدي إلى استنفاد فوري للمبالغ المحصلة، وعدم كفايتها كون حجم العمل في المستشفى في تزايد، وقيمة الذمم المستحقة شهرياً في ارتفاع. وهنا أيضاً أمّن وزير الصحة خلال العام 2012 سلف خزينة بقيمة 22 مليار ليرة، ومساهمة بقيمة 20 مليار ليرة.
تحقيق الأهداف الأساسية
في الخلاصة، يرى الوزان أن المستشفى نجح في تحقيق الأهداف الأساسية التي أنشئ من أجلها، وأصبح المركز المرجعي الطبي التعليمي الرئيسي للنظام الصحي الرسمي اللبناني. ويشكل شبكة أمان صحية اجتماعية، ويؤمن العناية الطبية العالية الاختصاص بفعالية عالية وبكلفة متدنية غير متوفرة في معظم المراكز الأخرى.
ويؤكد أن المستشفى يلتزم بكل القواعد القانونية والإنسانية والأخلاقية والعلمية في توفير العلاج المطلوب للمرضى الذين يصلون إليه، خصوصا ذوي الحالات الصعبة والمستعصية. وقد أثبت تكراراً جهوزيته لمواجهة الكوارث الوطنية على اختلاف أنواعها.
لكن، وعلى الرغم من ذلك، يلحظ الوزان أن المستشفى يواجه تحديات عديدة على الصعيد الإداري والمالي بسبب افتقاره للدعم الحكومي الكافي حتى الآن، إذ لم يحصل على مساهمات تشغيلية ولا سقوف مالية مناسبة لحجمه، كما وتعرّض لحسومات كبيرة على فواتيره برغم تدنيها، مذكّرا أن وزير الصحة العامة علي حسن خليل أعلن تكراراً التزام الحكومة المتجدّد بدعم استمرارية وإعادة تأهيل المستشفى إدارياً وتنظيمياً وتجهيزياً وتطوير دوره الريادي.

"التفتيش" حول المخالفات: ملاحظات محدودة
ماذا تضمنت قرارات "هيئة التفتيش المركزي" حول المخالفات، واستناداً لتأكيدات الوزان لدى السؤال عنها. وهنا ملخصها:
- قرار هيئة التفتيش المركزي رقم 49/2010 تاريخ 16/02/2010.
- قرار هيئة التفتيش المركزي رقم 119/2013 تاريخ 12/11/2013.
- قرار هيئة التفتيش المركزي رقم 128/2013 تاريخ 26/11/2013.
في خضم الحملة الإعلامية التي شنتها بعض الأوساط على إدارة المستشفى وما رافقها من اتهامات بالفساد وهدر المال العام. أوضح الوزان الوقائع الاتية: رفع إلى المعنيين نتائج ثلاثة تقارير وضعها المفتشون المختصون في المفتشيات العامة المالية، والإدارية، والهندسية، والصحية الاجتماعية الزراعية التابعة لإدارة التفتيش المركزي على مدى أربع سنوات ونيف، والتي تؤكد، بحسب الوزان، بطلان الإشاعات والاتهامات التي روّجت ضد إدارة المستشفى.
أولاً: لقد جاء في المقطع الأخير من الصفحة الثانية من قرار الهيئة الأول ما حرفيته: "وحيث تبيّن أن تصرّف المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي ومستخدميه، بالشكل الموصوف أعلاه، يرتبط بضرورة تحقيق خدمات صحية وطبية دقيقة ويتوافق مع القواعد العامة للمسؤولية التي تفرض على الموظف توخي المصلحة العامة والتصرّف بعناية الأب الصالح، كما يتوافق مع اجتهاد القضاء الإداري بأن المرفق الطبي يعمل في ظروف تتسم بصعوبة الأداء...".
كما جاءت قرارات الهيئة الواردة في الصفحتين الرابعة والخامسة خلواً حتى من أي لوم لإدارة المستشفى بل مجرّد توصيات أهمها "العمل على تعديل التعرفة المعتمدة في العقد المبرم بين المستشفى وبين وزارة الصحة العامة وفقاً للأصول ليتمكن المستشفى من الاستمرارية في عمله".
ثانياً : خلال شهر آذار 2011، اشتبهت الدائرة المعنية في المصلحة المالية بوجود تلاعب مالي في قسم محاسبة المرضى والصناديق. فبادرت المديرية العامة، فوراً، إلى تأليف لجنة للتحقيق. وقد رفعت اللجنة تقريرها إلى المدير العام، بتاريخ 14/03/2011، مؤكدة وجود اختلاسات، مقترحة إحالة الملف إلى جانب النيابة العامة المالية.
عُرض الأمر على مجلس الإدارة الذي اتخذ قراراً، بناءً على اقتراح المدير العام، بتوقيفهم فوراً عن العمل، بعدها، أحالت المديرية العامة الملف إلى التفتيش المركزي الذي حقق وأصدر قراره رقم 119/2013 تاريخ 12/11/2013 فارضاً عقوبات على المخالفين، ومحيلاً إياهم إلى النيابة العامة التمييزية – النيابة العامة المالية – التي بادرت إلى توقيفهم.
إن تنبّه إدارة المستشفى وحرصها على مراقبة العمل وضبطه دليلٌ على أنها لا تتهاون في القيام بواجباتها وفي اتخاذ الإجراءات الإدارية والمسلكية اللازمة.
ثالثاً : في سياق حملة التشهير، أوردت جريدة "السفير"، في تاريخ 27/07/2011، "تناولت فيه المخالفات الحاصلة في المستشفيات وأخصّها مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي". وقد قمنا، في حينه، بالرد على ما نشر، وطلبنا خطياً من إدارة التفتيش المركزي المبادرة إلى التحقيق في الاتهامات المساقة. وحققت لجنة من التفتيش المركزي في هذه الاتهامات وصدر عن الهيئة القرار رقم 128/2013 تاريخ 26/11/2013 الذي نفي فيه هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً واكتفى بتوصية إدارة المستشفى بتركيب حساسات لمعرفة كميات المازوت الفعلية الموجودة في الخزانات، ووضع آلية محدّدة لاحتساب ساعات تشغيل الحراقات، وحفظ القضية لجهة باقي النقاط التي كانت تدور حول اتهامات بحصول عمليات هدر وفساد واعتماد استنسابية في شراء المعدات والأجهزة وتزوير في نقل الاعتمادات.

مقترحات لمعالجة الوضع المالي والاداري
دور الإدارة:
1 - الاستمرار بالعمل على ترشيد الإنفاق ومنع الهدر، مع المحافظة على جودة الخدمات الطبية والتمريضية والمساندة وحسن استعمال الموارد من قبل العاملين والأطباء والممرّضين.
2 - إعادة زيادة عدد الأسرّة العاملة إلى 400 عبر جذب عدد من الممرضين تعويضاً عن الاستقالات.
3 - العمل على زيادة الإيرادات والتدفقات النقدية، خصوصا من المرضى الخارجين والمختبر والأشعة ومختبر الأبحاث المتقدّمة، وذلك بتقديم أسعار تنافسية وتشجيعية للمرضى وشركات التأمين.
4 - العمل على كل الصعد لاجتذاب مرضى شركات التأمين والمرضى الخاصين، مع المحافظة على رسالة المستشفى الأساسية، وهي توفير الاستشفاء والعناية للفئات الشعبية المحتاجة لخدماته.
5 - اقتراح تعديلات في المراسيم من ناحية الهيكلية الإدارية، وإنشاء وحدات وإلغاء أخرى لزيادة الفعالية والإنتاجية وخفض الكلفة. وقد تمّ التنسيق مع إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية.
دور الدولة و"الصحة":
1 - إعفاء المستشفى من سداد جزء من سلف الخزينة مقابل الفواتير والحسومات اللاحقة بها، وتسديد عقود المصالحة وبها يسدّ العجز المالي الحالي ويدفع للمورّدين والأطباء إيماناً بدور المستشفى الريادي كشبكة أمان على الصعيد الوطني (50 مليار ليرة).
2 - إقرار مساهمة سنوية بقيمة 15 مليار ليرة لتغطية الكلفة العالية للحالات المستعصية، علماً أنه أقرت مساهمة تشغيلية بقيمة 20 مليار ليرة قبضت على دفعات خلال سنة 2012 و2013.
3 - اقتراح وضع دراسة جدوى إستراتيجية اقتصادية واجتماعية جديدة للمستشفى تظهر مدى تأثيره على النظام الصحي اللبناني.
4 - تعيين مجلس إدارة ومدير عام جديد.
5 - إعادة النظر بالتعرفات القائمة من قبل الهيئات الحكومية الضامنة لجعلها أكثر إنصافاً. (رُفعت اعتباراً من 1/8/2012).
6 - خفض نسب الحسم المطبّقة بخاصة من قبل وزارة الصحة (أوعز الوزير بتخفيضها).
7 - رفع نسبة مساهمة المرضى من الفاتورة ضمن شرائح تتناقص مع ارتفاع الفاتورة.
8 - مساعدة المؤسسة في عقد اتفاقات تعاون مع هيئات ومؤسسات دولية والحصول على دعمها.
9 - حث الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى المتعاقدة على زيادة مساهمتها في كلفة النظام التعليمي كما ينص العقد الجديد الموقع مع الجامعة.
10 - تلزيم أعمال الصيانة وتحديث المعدات والآلات. اقترح وزير الصحة على مجلس الوزراء تلزيم مجلس الإنماء والإعمار هذه الإعمار.

لبنان
ACGEN
استشفاء
السغير