نفط لبنان بين واقعية الآمال وتنازع السياسيين

في خضم الازمتين السياسية والاقتصادية اللتين تعصفان بلبنان، وما يرافق الاخيرة من ارتفاع في عجز ميزان المدفوعات والموازنة وفي مستوى البطالة، ومشكلات اجتماعية مزمنة، يعوّل الكثير من السياسيين على الثروات النفطية، لتمكين لبنان من الخروج من وضعه المأزوم، فيما في المقابل، يبرز الكثير من الاصوات المشككة والمتخوفة من تفويت السلطة اللبنانية، مرة اخرى، فرصة الافادة من ثروات لبنان الطبيعية.

هذا وقد قدرت الجهات الرسمية اللبنانية حجم الاحتياطات النفطية والغازية، بنحو 96 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و850 مليون برميل من النفط،، يمكن ان تدرّا على لبنان مليارات الدولارات سنوياً بحسب التقديرات الاولية. وفي مساري التنقيب والانتاج، يذكر ان مجلس النواب اقر في جلسة عقدت بتاريخ 17-8-2010 قانون التنقيب عن النفط، وفي 15 شباط 2013، اطلقت وزارة الطاقة، بدء استدراج عروض التأهيل المسبق للشركات المشاركة في عملية منح تراخيص الاستخراج، بموجبه تقدمت 52 شركة بعروض، وتأهّل منها 46 شركة، من بينها بعض كبريات الشركات العالمية. الا ان دورة منح التراخيص والتنقيب، تعثرت منذ ذلك الحين وتم تجديد مهلة تقديم العروض ثلاث مرات، بسبب الاوضاع السياسية في البلاد، على امل ان تعقد المنقاصة النهائية في 10 نيسان المقبل.

من جانب اخر، تعترض عملية التعاقد مع الشركات والبدء بالتنقيب، عدة مشكلات، ابرزها النزاع حول الحدود البحرية مع اسرائيل، وحالة غياب الاستقرار العامة السائدة في المنطقة، واحتدام التنافس الاقليمي والدولي على المنطقة العربية. هذان العاملان يمكن ان يرخيا بظلالهما السلبية، على فرص نجاح المناقصة، بحيث يؤديان الى انكفاء الشركات العالمية من الاستثمار في بلد مضطرب الاحوال.

وبالاضافة الى المشاكل التي ذكرت، يعاني لبنان ايضاً من استمرار حالة غياب الاستقرار السياسي والخلافات الحادة حول عدد من الملفات الحيوية، ومنها النزاع على ملف النفط، الذي برزت احدى دلائله خلال تشكيل الحكومة وخصوصاً حول تولي حقيبة النفط. وعليه، فان غياب الاستقرارين السياسي والامني وموجة التفجيرات المستمرة، قد تؤثران بدورهما سلباً في استعدادات الشركات للمغامرة في لبنان.

ان مقاربة مسألة الآمال المعقودة حول افاق استغلال الثروات النفطية في لبنان، تستلزم التمعن بشكل اعمق حول عدد من الامور الرئيسية، اولا الحجم الفعلي لتلك الثروة ومن ثم الايرادات المتوقعة منها، ثانياً مسألة شروط التلزيم، واذا كانت ستأتي لمصلحة لبنان، ثالثاً قدرة الدولة اللبنانية على المواكبة والاشراف على عملية التنقيب والانتاج، واخيراً مدى حدة النزاعات السياسية الداخلية والخارجية على تقاسم الثروة النفطية.

وهنا تبرز اهمية مسألة انشاء الصندوق السيادي المستقل، المنصوص عليه في القانون 132( قانون الموارد البترولية في المياه البحرية)، والذي يفترض ان تدخر فيه العائدات المالية النفطية لمصلحة الاجيال القادمة. وتكمن العقدة الاساسية بخصوص الصندوق، في كيفية ادارته ولمصلحة من ستوظف العوائد النفطية؟ ومن هنا نخلص الى السؤال الرئيسي التالي: هل ستشكل الثروة النفطية في لبنان فرصة للانطلاق نحو دولة المواطنة والحقوق، ام انها ستساهم في تعويم النظام الطائفي الحالي المأزوم؟