الأشخاص المعوقون في بيئة لا تحترم حاجاتهم: هواجس وعوائق

Saturday, 26 July 2014 - 12:00am
لا يبعد منزل زينة عن مكتبها سوى مئات الأمتار، لكن طريقها مليئة بالمصاعب، فالأرصفة ووسائل النقل غير مجهزة. زينة فتاة كفيفة، تسكن في منطقة طريق الجديدة، استطاعت الحصول على عمل في اختصاصها، ولكن بقي عليها تأمين إمكانية الوصول إليه. حفظت زينة الطريق. «لكن في بلد مثل لبنان لا تنفع الذاكرة»، كما تقول، فكل يوم تصطدم بشيء جديد. من الممكن أن تفاجأ بمتسول يفترش الطريق «يريد أن يسترزق»، أو بحفر وخسفات جديدة، من دون أن تجد زينة ما ينبهها إليها. ومن الممكن أن تصطدم بأشياء تركت موقتاً، كحاوية نفايات في غير مكانها، أو مولد كهرباء أخرجه صاحب محل إلى الرصيف، أو بسيارة أو دراجة نارية مركونة.
وتحتل الدراجات النارية الرصيف بغية اجتياز زحمات السير. تضيف زينة: «الأوضاع الأمنية المستجدة زادت المعيقات»، فكادت أن تقع غير مرة، بسبب الجنازير التي لا تعلم بوجودها، فحتى مع العصا البيضاء لا يمكنها تفاديها، لأنها مرتفعة عن الأرض. والسير على الطرق أخطر، فسائقو السيارات لا يكترثون، والمطبات والحفر لا تنتهي. تقول زينة: «السير باستقلالية صعب، وأن أجد من يرافقني فهو أصعب». أما فكرة أن تستقل سيارة أجرة «أكون أمام مشكلة أخرى، فالسائقون غير مؤهلين». مرات عدة «حاولت أن أوقف سيارة أجرة بمفردي، وكانت إجابة السائق بالإيماء، وإذا كررت له السؤال يغضب». تضيف زينة ضاحكةً: «العتب على النظر». تتعامل زينة اليوم مع سائق تاكسي، تتكلف الكثير. تدفع له شهرياً، يوصلها إلى عملها ويعيدها إلى المنزل.
مخاوف ومصاعب
تروي أليسار كيف استقلت السرفيس وحدها، كانت تريد الذهاب إلى الكولا، حيث تركب الباص للعودة إلى منزلها في الشوف. سألها السائق: «ما الذي يؤكد لك أنني سأوصلك إلى الكولا؟». فأخبرته أنه بإمكانها تمييز الجسر، فقال لها إنه توجد جسور كثيرة، فكيف ستعلمين أن الجسر الذي سأوصلك إليه، هو جسر الكولا؟ لم تخف أليسار استغرابها، وتملكها الخوف. قالت له إنه لا يمكنها أن تعلم ما إذا كان ذاك الجسر هو جسر الكولا، وأنها لا تدري ما الذي يمكنها فعله كي تصل إليه. تحمد الله أن «السائق كان يستفسر ولم تكن لديه أي نيات سيئة».
بدأت مشكلة اليسار مع التنقل حينما قصدت بيروت لتتابع دراستها الجامعية، ففي قريتها تعودت على التنقل باستقلالية. كانت في السنوات الأولى تجد دائماً من يرافقها في رحلتها اليومية من الكولا إلى الجامعة. ومع ذلك كان المشي على الرصيف صعباً. أعمدة، وأشجار، ودراجات نارية. ولا يوجد رصيف خال من الحفر. فكان الحل بأن تمشي على الطريق مع صديقاتها، خلف بعضهن البعض، كي لا تصطدم بهن سيارة مسرعة. وفي مرحلة الدراسات العليا بات عليها الاعتماد على نفسها، فبات تنقلها مليئا بالمجزافات. فالسرفيسات لا توصلها دائماً إلى جانب الباص، لذا كانت تضطر إلى السير على الطريق، الذي تجده «أكثر أماناً من الرصيف، حيث لا يمكنني توقع ما سأصطدم به». كانت تسير وحدها، فقد حفظت معظم الاتجاهات في منطقة الكولا. وإذا شعرت بأنها لا تعلم من أين الوصول، كانت تنتظر حتى يمر أحدهم ليرشدها إلى الطريق.
لا تنكر أليسار أنه لو كانت تملك العصا وتجيد استخدامها، لكانت الأمور أفضل. ولكن هواجسها حالت بينها وبين تعلم استخدام العصا، فهي لا تدري ما هي نظرة الآخرين في المجتمع لمن يحمل تلك العصا.
تلك الهواجس لا يعيرها محمد أهمية. فهو اضطر إلى استخدام العصا، بعدما استجد لديه انفصال في الشبكية، وضعف نظره بشكل كبير. لا ينكر محمد أنه في البداية أحرج من فكرة العصا، ولكنه قرر أن يتخطى مشاعره ويتعلم كيفية استعمالها. يقول إن العصا تفيده كثيراً في تنقله على الأرصفة، فهي تدله على كل ما قد يعترض طريقه، وتمكنه من معرفة علو الرصيف حين ارتقائه أو نزوله عنه. يضيف أن الناس لا يعاملونه بطريقة مختلفة، بل يتعاونون، وأنها تفيده أكثر حينما يريد اجتياز الطريق، حيث لاحظ أن السيارات تتوقف لتتيح له الانتقال إلى الجهة الأخرى بدون تذمر. «لكن مشكلتي تبقى عند الأوتوسترادات، حيث لا جسر للمشاة، وكذلك عند التقاطعات، وعند إشارات السير، فالإشارات في لبنان غير ناطقة».
تنقل المعوقين حركياً
مشكلة التنقل على الطريق، يعاني منها المعوقون حركياً، فهم يواجهون مشاكل في ارتقاء الأرصفة، واجتياز الطرق، واستخدام جسر المشاة. تكمن مشكلة الأرصفة بضيق مساحتها فلا تتسع للكرسي المتحرك، وبالعوائق التي لا تنتهي والتي يصعب تجاوزها، وكذلك بل بعدم تجهيزها بالمنحدرات. وإن وجدت فلا تكون ملائمة، فإما أنها لا تكون متساوية مع الطريق، ما يحد من حركتهم ولو ارتفع المنحدر عن الأرض سنتيمترات قليلة. أما المنحدر الحاد فيتسبب بانزلاقهم وأذيتهم. كذلك يقام المنحدر في معظم الأحيان من جانب واحد من الرصيف، أي أنهم يتمكنون من الصعود على الرصيف ولكن لا يمكنهم النزول. ولربما أكثر من يستفيد من تلك المنحدرات، هي السيارات التي يصبح بإمكانها الركن بسهولة عليه.
أما اجتياز الشارع فهو مغامرة. فالمعوقون يحتاجون إلى وقت أطول من غير المعوقين لذلك. ولا وجود لإشارات سير في كل الشوارع، ولا يمكنهم استخدام جسر المشاة، الذي يندر وجوده أصلاً، لأنه مرتفع كثيراً والصعود عليه يكون عبر الدرج. ويعتبر أمين سر «اتحاد المقعدين اللبنانيين» جهاد إسماعيل أن «الأرصفة في وسط بيروت تعد الأقرب للمعايير المطلوبة. وتجهيز الأرصفة لا يستفيد منه الأشخاص المعوقون حركياً والمكفوفون، فحسب، بل يسهل أيضاً تنقل كبار السن وعربات الأطفال».
وينفذ الاتحاد «حملة عمّر للكل - الحملة الوطنية نحو بيئة دامجة خالية من العوائق»، فيرصد متطوعوه الأماكن العامة، للفت الانتباه إلى حاجات الأشخاص المعوقين في التنقل. ويزود المعنيين بالإرشادات التي يحتاجونها خلال التجهيز، كمشاركتهم في تجهيز رصيف حرش بيروت، ومشاركتهم في حملة النقل المستدام. كذلك يرصدون الأرصفة التي تقوم البلديات بصيانتها، من أجل لفت الانتباه إلى إقامة المنحدرات عليها. ويحاول الاتحاد فرض التجهيز كشرط أساسي خلال تلزيم المتعهد. لذا فالاتحاد على تواصل مع البلديات، خصوصاً بلدية بيروت، ومع مجلس الإنماء والإعمار من أجل تزويدهم بالمعايير المطلوبة. ويرى إسماعيل أنه «بالرغم من قلة التجهيزات حالياً، مع وجود كل تلك الحملات، ولكن الوضع ليس سوداويا، لأن أصحاب المشاريع يبدأون بالتعاون، وأنه مع الوقت لا بد من أن تصبح تلك المعايير موجودة تلقائياً في ذهنيتهم».

لبنان ACGEN السغير حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة