«الأخبار» تستأنف في قضية «AUB ليكس»: متمسكون بفضح الفساد

Monday, 1 December 2014 - 12:00am
تواصل إدارة الجامعة الأميركية في بيروت حربها على الحريات الصحافية وحق الوصول إلى المعلومات ونشرها والتشهير بالفساد. فبعد نجاحها في الحصول على قرار قضائي متعجّل يقضي بإزالة وثائق «صحيحة» عن موقع «الأخبار» على الإنترنت وصفحة الزميل حسين مهدي على الفايسبوك، بحجّة أنها مراسلات خاصة تخضع للحماية حتى ولو كانت تنطوي على معلومات مهمّة عن فساد واختلاس أموال عامّة وهدر وسوء إدارة وانتهاكات لحقوق الطلاب والمرضى، ها هي الآن تسعى إلى ما هو أفظع من ذلك، إذ تقدّمت مجدداً من قاضي الأمور المستعجلة في بيروت بطلب اتخاذ تدبير متعجّل وفوري يمنع «الأخبار» من نشر أي مستند داخلي خاص بالجامعة من أي نوع كان وبأي وسيلة كانت!

تقدّمت «الأخبار»، بواسطة وكيلها المحامي نزار صاغية، باعتراض أمام القاضي المنفرد المدني في بيروت (الناظر في قضايا الأمور المستعجلة) ضد القرار الصادر بتاريخ 19-11-2014 عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت نديم زوين، وطلبت الرجوع عنه شكلاً، وإلا أساساً.

القرار الرجائي المعترض عليه استجاب لطلب إدارة الجامعة الأميركية في بيروت، وفرض إجراءات تعسفية، تحت طائلة فرض غرامة إكراهية باهظة، تقضي بحجب وثائق ومستندات مهمّة تكشف للرأي العام عن بعض أوجه الفساد والهدر والانتهاكات وسوء الإدارة في واحدة من أهم الجامعات في لبنان وأعرقها.
في هذا الوقت، وتحديداً بتاريخ 21/11/2014، كانت إدارة الجامعة الأميركية، بواسطة وكيلتها المحامية رندى شاكر أبو سليمان من مكتب أبو سليمان للمحاماة، تمعن في محاولاتها لكمّ الأفواه الداعية إلى صون هذه المؤسسة التعليمية وإصلاح إدارتها ومحاسبة المرتكبين فيها وإحالتهم على القضاء المختص، فتقدمت باستدعاء آخر من القاضي نفسه يرمي إلى اتخاذ تدبير مستعجل وفوري بإلزام «الأخبار» والزميل حسين مهدي، ليس بإزالة وثائق ومستندات سبق نشرها، بل بمنع نشر أي مستند داخلي خاص بالجامعة الأميركية، من أي نوع كان، وبأي وسيلة كانت! القاضي زوين سيصدر قراره في الاستدعاء الجديد اليوم أو غداً، إلا أنه استبق ذلك بقرار أصدره في 22/11/2014، يلزم «الأخبار» والزميل حسين مهدي بعدم نشر أي مستندات (لمدة 5 أيام) حتى بتّ هذا الاستدعاء، وذلك تحت طائلة غرامة إكراهية قدرها 60 مليون ليرة في حال المخالفة.
يرى حقوقيون أن القاضي زوين أمام مسؤولية كبيرة، فإذا اتخذ قراراً مشابهاً لقراره السابق يقضي بحماية إدارة الجامعة الأميركية من دون التمعن في مضمون المستندات والوثائق التي تجهد لمنع نشرها، فإن ذلك سيعدّ تطوراً سلبياً خطيراً على صعيد دور القضاء ووظيفته في تكريس سمو حرية الصحافة وموجب التشهير بالفساد والهدر في القضايا العامة.
أوضحت «الأخبار» موقفها في هذه المسألة المهمة في الاستئناف الذي تقدّمت به ضد قرار القاضي زوين السابق. وبينت في مذكرتها العديد من الوقائع والأحكام القانونية والاجتهادات، إذ «لا شكّ أنّ المراسلات السرية تتمتع بالحماية القانونية على الصعيدين المحلي والدولي. ولكن في ظل وجود الفساد والهدر المالي الثابت في مستشفى وصرح أكاديمي يستقبل آلاف الطلاب والمرضى سنوياً،

الصحافي مسؤول أمام الرأي العام بنقل المعلومات التي يملكها
يصبح دور الصحافي أكثر تعقيداً ويكون ملزماً في أحيان كثيرة بتجاوز موجب حماية المراسلات السرية وإعلام الرأي العام بالأفعال الجزائية المرتكبة من قبل القيّمين على المستشفى والصرح الأكاديمي المذكورين. هذا علماً بأن الهدف من التشهير يكون في معظم الأحيان إطلاع الرأي العام وأيضاً الضغط على الإدارة لتحريك ملف الفساد ومعاقبة المسؤولين ووضع حدّ للتجاوزات».

في الوقائع

بتاريخ 14-11-2014، نشرت «الأخبار» تقريراً بعنوان «AUB ليكس: ملفات الـAUB إلى القضاء الأميركي؟»، يتضمن تحليلاً لبعض المراسلات السرية المتصلة بالرقابة على مالية الجامعة الأميركية في بيروت. كان يمكن القارئ أن يتوقع أن تنتفض إدارة الجامعة الأميركية لدى قراءة هذا التقرير أو ما سبق نشره في «الأخبار» أو صحف ووسائل تلفزيونية أخرى، وتسعى جاهدة للتحقق من التجاوزات المذكورة في التقرير والمستندات المرفقة به، وبالتالي محاسبة المسؤولين عن الفساد والهدر حفاظاً على عراقة الجامعة وإنجازاتها ومستقبل طلابها، ولا سيما أن الجامعة الأميركية لا تزال مركزاً بالغ الأهمية في لبنان والمنطقة المحيطة. ولكن، للأسف، تجاوز رد فعل الإدارة كل التوقعات. حتى أنها لم تسع إلى الحفاظ على ماء الوجه، بل مضت قدماً في محاولة إخفاء معالم الفساد والهدر بشتى الوسائل (علماً بأنه لم يعد خافياً على أحد)، ضاربة عُرض الحائط بكل الدعوات الجدية إلى الإصلاح، مكتفية بإلقاء اللوم على «الأخبار»، وكأن الأخيرة هي من قام بالتستر على مرضى وهميين وتقديم فواتير خيالية ومضخمة للاستحواذ على أموال عامة غير مستحقة ودفع رشى ومخالفة أنظمة الضمان الاجتماعي والتهرب من الضرائب ومن اشتراكات الضمان الاجتماعي وتقديم حليب فاسد لأطفال وتزوير التقارير وتحويرها وإخفاء الأدلة وصرف الأموال في غير المواضع المخصصة لها والضغط على شركات تدقيق الحسابات Bluemark Holding (وهذه المعطيات وردت في المراسلات المنشورة)، هذا مع العلم أنها لم تكن المرة الأولى التي تسعى الجامعة الأميركية إلى كمّ الأفواه بشتى الوسائل. إذ جرى منع بثّ حلقة من برنامج تحقيق على محطة الـMTV مع الضيف (عضو مجلس أمناء الجامعة السابق) نبيل الشرتوني خلال عام 2012 وتوقف جريدة Daily Star عن متابعة ملف الفساد في الجامعة الأميركية (بحسب ما ورد في المراسلات المذكورة).
بتاريخ 19-11-2014، استحصلت الجامعة الأميركية على قرار بإزالة مقال «AUB-ليكس» عن الموقع الإلكتروني لـ»الأخبار» وعن صفحة الفايسبوك للزميل حسين مهدي. نسجل على القرار المعترض عليه أنه تجاهل تماماً الأهداف التي حدت «الأخبار» إلى نشر التقرير ومرفقاته. وهو بذلك يكون قد تبنّى ضمناً، ودون أي تدقيق، أقوال الجهة المعترض بوجهها لجهة قيام الجريدة بحملة شعواء للإساءة إلى سمعة الجامعة الأميركية والإضرار بها. وقد تجلى هذا التجاهل في مواضع عدة:
- أوّلّها، رفض المحكمة منح الجهة المعترضة مهلة معقولة لإبداء ملاحظاتها، بالرغم من وجود أكثر من عشرين مستنداً وأكثر من ألف صفحة. وهي بذلك تعلن سلفاً أن مضمون المستندات لن يؤثر في نتيجة القرار. وكأن المعيار الوحيد للحكم هو مدى تعلّق الجهة المعترض بوجهها بسرية المراسلات المنشورة.
- ثانيها، إصدار القرار خلال مهلة زمنية قصيرة، وهذا ما يدل بنحو قاطع على أن القرار أغفل التحقيق في المستندات المرفقة بالتقرير، علماً بأنها ثابتة وصحيحة بإقرار الجهة المعترض بوجهها وتشكل أساس الاستدعاء وموجباً له. فلا يجوز حظر نشرها دون الاطلاع عليها وتحديد خطورتها والموازنة بين موجب الحفاظ على سرية المراسلات من جهة وموجب الصحافي في التشهير وإطلاع الرأي العام على قضايا الفساد والهدر الماليّ من جهة أخرى. ولا يردّ على ذلك أن القرار لم يكن يحتمل التأجيل، ما دام نشر التقرير في الجريدة وعلى الموقع الإلكتروني التابع لها قد جرى بشكل كامل ومنذ أيام عدّة. كذلك إن احتمال إعادة النشر بواسطة وسائل الإعلام الاجتماعي جائز وغير قابل للحظر. وتالياً، كان من الأجدى التحقق ملياً من المستندات المرفقة للتأكد مما إذا كانت تستحق الحماية صوناً لمصلحة الجهة المعترض بوجهها أو تستحقّ النشر صوناً للمصلحة العامة.
- ثالثها، اعتبار أن المصلحة العامة الاستثنائية غير متوافرة في الدعوى الحاضرة دون أي تعريف للمصلحة العامة ولشروط توافرها أو تعليل الأسباب التي أدت إلى ترسيخ قناعة المحكمة في هذا الإطار. علماً بأن المستندات المبرزة تتصل مباشرة بالفساد والهدر المالي على أعلى المستويات داخل إحدى أهم وأعرق الجامعات في لبنان والمنطقة. كذلك، هي مستندات ثابتة وصحيحة تتصل برشى ومخالفات وتهديد لصحة المرضى وتزوير تقارير واستعمال مواد فاسدة أو منتهية الصلاحية وهدر مالي ضخم، لم يجرِ اختزالها أو تحوير ما جاء فيها. بل على العكس، نشرت كما هي، تأكيداً لحق الرأي العام في الاطلاع على الحقيقة كاملة واتخاذ الموقف المناسب. أضف إلى ذلك كله أن الاستدعاء يطرح إشكالية مفصلية للموازنة بين حق المعترضة أو أي طرف آخر بفضح الفساد والتشهير تحقيقاً للمصلحة العامة، من جهة، وبين معاقبة الصحافة الملتزمة قضايا الفساد وإلزامها بإهمال الأدلة والبراهين والوثائق الموجودة بحوزتها إرضاءً للطرف الأقوى (إدارة الجامعة في الحالة الحاضرة) وطعناً بمستقبل طلابها وحظوظ الشباب بالانتساب إليها. فإذا لم نعتبر أن في هذا كله مصلحة عامة استثنائية، فكيف لنا أن نعرّف المصلحة العامة؟ في المقابل، لا بد من أن نسجل للقرار المعترض عليه إقراره بأن إثبات وجود مصلحة عامة استثنائية يبرر التضحية بموجب حماية سرية المراسلات. وهذا الأمر هو بالغ الأهمية، إذ يؤكد حق الصحافي، بل واجبه في التشهير وفي انتهاك سرية المراسلات إذا كان من شأن نشر تلك المراسلات أن يحقق المصلحة العامة.
في القانون:
أ‌- ثبوت حسن نية الجهة المعترضة بعدما التزمت قولَ الحقائق من دون أي دافع شخصي:
من الثابت أن «الأخبار» متمسكة بدورها في فضح التجاوزات والفساد، أي لا يوجد أي دافع شخصي من شأنه أن يقلل من صدقية التقرير المنشور. كذلك، من الثابت أن الجهة المعترضة لديها اعتقاد مشروع وشبه ثابت بأن الأفعال المنسوبة إلى عدد من الأشخاص القيّمين على إدارة الجامعة صحيحة، ولا سيما أن صحة الأخبار المنشورة لم تكن في أي وقت من الأوقات موضع تساؤل أو تشكيك من قبل إدارة الجامعة.
ب‌- وجود مصلحة اجتماعية من شأنها تبرير التضحية باعتبار الغير:
لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى الدور الأساسيّ الذي تؤديه الصحافة في المساحة العامة عموماً لجهة نقل الأفكار والمعلومات للمواطن وخلق تبادل ونقاش حول القضايا العامة وتزويد المواطن بما يكفيه من معطيات لممارسة رقابته على المؤسسات العامة والخاصة، ولا سيما في ظل غياب شبه تامّ للرقابة والمساءلة. ويصبح الأمر أكثر إلحاحاً عندما يتصل الموضوع بقضية عامة بعدما أصبحت هذه القضية قضية رأي عام ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وتربوية مهمة على صعيد الصحة العامة ومصير آلاف الطلاب ومستقبل الجامعة واستمراريتها. هنا يكون الصحافي مسؤولاً أمام الرأي العام بنقل المعلومات التي يملكها دفاعاً عن مصلحة الناس المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بواقع الفساد والهدر داخل الصرحين التعليمي والطبي في الجامعة الأميركية. علماً بأن التشهير بقي متناسباً مع الفعل المرتكب من قبل المستدعية، ما دام نشر بعض المراسلات التي تفضح الفساد الموجود في أروقة الجامعة وعلى أعلى المستويات يبقى متناسباً مع الأفعال المرتكبة من قبل المعترض بوجهها، التي تشكل جرائم جزائية على النحو المبرز في المستندات المرفقة بالاعتراض الحاضر وتهدد تاريخ الجامعة نفسه ومستقبل آلاف الطلاب والمرضى والمستويين التعليمي والطبي في لبنان ككلّ.

لبنان ACGEN الأخبار تربية وتعليم