«الإنجيلية» ـ اللويزة تحتضنهم ببرنامجين وايت: ذوو الاحتياجات أهمّ من نجاح الـ «100%»

Sunday, 8 March 2015 - 12:00am
«شو نسبة نجاح تلاميذك بالامتحانات الرسمية؟»، سؤال يتقدم الطروحات والهواجس التربوية كلّما تلاقى مدراء المدارس في ورش العمل أو في اللقاءات التقييمية، وإن بات يشوب الأخيرة الكثير من الجوانب الاستعراضية المتمثلة بهوس «المئة في المئة نجاح»، وكأن جميع تلامذة تلك المدارس فوق خط «الرسوب»، وهو الأمر الذي يقابله مدير المدرسة الانجيلية للبنين والبنات في اللويزة البريطاني الدكتور «ستيف وايت» بالإجابة الثابتة: «ما بتهمني النسبة، بيهمني علّم تلاميذي أخلاقيات ومهارات الحياة، ومن ثم توظيف تلك المهارات في المرحلة الجامعية». ومع أن هذا السلوك التربوي المتّبع مؤلم، يرى «وايت» بأن ثمّة وجعاً آخر يرقد في الدرج التربوي، من دون أن يجرؤ وزير أو تربوي على تبنيه، ويكمن في تلك الفئة المهمشة من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين ليس لهم سوى معاناة الأهل وظل غرفهم وبطاقة تقدمها الدولة تحت تسمية «معوق»، يحصلون من خلالها على حسومات جزئية، هذا إن صادق الأهل على «إعاقة» ولدهم، وكثيرهم يرفض.

«في هذا الموضوع، وليست «المئة في المئة»، أكثروا من السؤال»، يقول وايت، الذي بدأ قبل خمسة أعوام تطبيق البرنامج التربوي الاسترالي «Functional academic programs»، لاحتضان الأولاد ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون صعوبات تعليمية في المدرسة، وبينهم أطفال التوحد، من خلال تأهيلهم للاندماج في المجتمع، وبالتالي محاولة إشراكهم مع تلامذة المدرسة ضمن مجموعات صغيرة لمساعدتهم وصقل شخصيتهم، وكانت التجربة بدأت بخمسة تلامذة، الى أن توسّعت هذا العام لينضم اليها برنامج ثانٍ هو «برنامج المهارات الحياتية التطبيقية (ALSP)، وذلك من خلال التعاون مع مجموعة أمهات أسسن جمعية «open minds».

ويضيف وايت: «لكثرة حماستي لطرح أمهات الجمعية اللواتي لمست لديهن جدية ووعياً كاملين، عملنا في المدرسة ضمن فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الـ40 يوماً لتأمين جناح كامل لذوي الحاجات الخاصة. وهذا الجناح يضم حالياً حوالى 16 تلميذاً (10 في المرحلة التعليمية الأولى و6 في المرحلة التعليمية الثانية)، لتسجل المدرسة بخطوتها تلك سابقة تربوية منصفة لتلك الفئة من التلامذة، وإن جاءت التكلفة المادية مرهقة».

وعن التكلفة تحديداً، يقابل بين أحوال تلك الفئة المهمشة على كل الصعد لبنانياً، وكيفية التعاطي معها في الدول الغربية. يبدأ من بطاقة «المعوق»، يقول: «إذا أراد الأهل طلب مساعدة تعليمية من الدولة، فإن عليهم بداية تأمين بطاقة «معوق» لابنهم للاستفادة من الخدمات التي توفرها الدولة في الجوانب الصحية والتربوية وغيرها، إلا أن عدداً كبيراً من الأهالي يرفضون مثل تلك البطاقة باعتبار ولدهم يعاني صعوبات تعليمية وحاجات خاصة وبالتالي هو ليس»معاقاً»، كما يصنفه المجتمع اللبناني».

ويصف «وايت» كلفة تعليم تلميذ يعاني من صعوبات، بالمرهقة على الأهل والمدرسة، الأمر الذي يحتم ايجاد طرف داعم، وليس أفضل من الجهات الحكومية في هذا السياق، يقول: «يتقاضى المعالج بحدود 22 دولاراً على الساعة الواحدة، ما يعني أن التكلفة السنوية فقط في هذا الجانب تصل الى 5 آلاف دولار، هذا عدا عن القسط المدرسي». ويضيف: «من خلال هذه التجربة تعرفت الى آباء وأمهات عملوا على بيع سياراتهم الخاصة أو قطعة الأرض التي يملكونها، وهم يبررون قناعتهم بضرورة تعليم أولادهم من منطلق: بعد مماتنا هل نتركهم يموتون أم نكون حصّناهم بالاستمرارية من بعدنا».

وينتقد استسلام بعض الأهالي للحالات الخاصة التي يعانيها أولادهم من خلال تركهم في المنزل باعتبارهم «لا يصلحون للحياة خارجه»، إذ يقدم نموذجاً: «عندنا مدرسة للمكفوفين منذ العام 1860، إلا أن لا تلامذة فيها اليوم، الأمر الذي دفعنا لنتطوع ونذهب حتى الى القرى والأرياف للبحث عنهم، فهؤلاء يستحقون أن نأخذ بيدهم الى الضوء».

ويعترف «وايت» بأن التجربة ليست بالهينة، وطريقها طويل وشائك، خصوصاً السؤال: «بعد أن يتخرّج أولئك الطلاب، من يأخذ بيدهم الى الحياة العملية؟، موضحاً: «في بداية هذا المشروع وعدت بأن أول أربع خريجين عندنا سنقوم بتوظيفهم في المدرسة، ولكن بخصوص الباقين، لا بد الى وقتها من إيجاد حصص أشبه بالكوتا لهم في المؤسسات، وهذا الأمر تعتمده المؤسسات في الغرب الملزمة بتوظيف نحو 7 في المئة من كادرها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا الأمر يمكن تطبيقه في لبنان: «مقابل كل مئة موظف يمكن توظيف واحد من ذوي الاحتياجات الخاصة». ويتابع: «أحيانا نتلهى بالمظاهر، ونحاكم الناس على المظهر، علماً أن بيننا المصاب بالاكتئاب والانفصام وحالات عديدة لا ترصدها العين، لكنها كلها يمكن إدراجها ضمن الحالات الخاصة، ومع ذلك لأنها غير مرئية لا نتحسب لها أو نتغاضى عنها».

ويبدي أسفه لكون حالات التوحد في لبنان، والتي يقدر عدد الأطفال المصابين بها بنحو 1600، ليس بينها سوى 150 حالة تجري متابعتها من الناحية التربوية في حين البقية مهملة، وهذا الرقم مضافاً اليه أعداد ذوي الحاجات الخاصة، يستدعي إطلاق صرخة جدية من أجل مساعدة تلك الفئة والأخذ بيدها نحو عالم يحتضنها ولا يعبر فوق ضعفها. يختم وايت: «على الأقل لتدعم الوزارة التكلفة التربوية لأولئك بنسبة النصف، عندها لا يعود أمام الأهل عقدة الأقساط المرتفعة».

مارغوسيان

وتوضح ريتا مارغوسيان، المسؤولة عن التلامذة من ذوي الاحتياجات الخاصة ما بين 13 و16 سنة، أن المشروع يهدف بالدرجة الأولى الى مساعدة تلك الفئة في فهم محيطها والتأقلم معه، كأن يصير بإمكان الفرد منهم تأمين مستلزماته بمفرده، فيتعلم مثلاً أن يحضر من البقالة المجاورة له السكر والأرز والخبز وبقية الحاجات المطلوبة منه بحسب حاجته أو حاجة من معه، أما الحساب مثلاً فيدرسه كالآتي: «إذا لدينا غرفة بحاجة الى طاولة نضعها في الوسط، يتوجب علينا أخذ قياس الغرفة ومن ثم الطاولة كي لا تكون الأخيرة أكبر من المطلوب، وهكذا تطبق النظريات على أرض الواقع من أجل سهولة الفهم، هذا الى جانب دراستهم للموسيقى والفنون والدراما والكمبيوتر والرياضة وغيرها»، وكل هذه المكتسبات من أجل تأهيلهم لاحقاً في المجتمع بحيث يمكنهم العمل وتدبير احتياجاتهم ومصروفهم. وتعلق مارغوسيان: «في احتفال الميلاد الفائت في المدرسة، شارك أولئك التلامذة في النشاطات المدرسية بفرح، حتى أنهم أبدعوا أكثر من التلامذة العاديين، كل في جانب وهذا جعلنا نؤمن أكثر بالمشروع ونتائجه». وبحسب مارغوسيان، فإن البرنامج مقسّم الى: «fap1: ويتوجه الى التلامذة من عمر 9 الى 12 سنة، وfap2 للتلامذة من عمر 13 الى 16 سنة، وALS من 16 الى 18 سنة».

وبانتظار تبني شريحة ما زالت تلعب في الظل، وتفرح في الظل، وتبكي في الظل، لا بد من الاعتراف بأن الطريق شائك وطويل وفيه ألغام كثيرة بينها القوانين والأعراف والممارسات اليومية.. إلا أنه لا بد أن يفضي الى الضوء وفك لعثمة طفلة نجحت في الانتقال من تهجئة الحروف الى الكلمات ومن ثم تراكيب الجمل بوتيرة: «ت.. ت.. تف.. احة.. تفاحة... أنا أحب التفاح».

ACGEN FBO اجتماعيات المستقبل تربية وتعليم حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة