المدرسة الرسمية.. للتوظيف السياسي

Friday, 17 April 2015 - 12:00am
مع أنه مضى نحو أربعين عاماً على حرب السنتين، غير أن المدرسة الرسمية بقيت تراوح مكانها، نظراً إلى الإجحاف الدائم بحقها، واعتبارها مكاناً للتوظيف، ولم ينفع توزّع المدارس على مختلف المناطق، في استقطاب التلامذة، تطبيقاً للقانون «التعليم للجميع».
على الرغم من أن عدد المدارس الرسمية كان ضعفَي عدد المدارس الخاصة، غير أن عدد التلامذة في المدارس الخاصة بلغ في العام 1976 نحو 436 ألف تلميذ وتلميذة، مقابل 320 ألفاً فقط في المدارس الرسمية. ففي حين ارتفع عدد المدارس الرسمية بين العامين 1943-- 1952، أي خلال تسع سنوات، إلى 812 مدرسة رسمية، مقابل تقلص عدد المدارس الخاصة إلى 173 مدرسة، فإن إحصاء العام 1976 يشير إلى عودة المدارس الخاصة إلى الازدياد ليرتفع إلى 776 مدرسة خاصة، مقابل زيادة 284 مدرسة رسمية ويصل إلى 1468 مدرسة وثانوية، لم تقابلها زيادة في عدد التلامذة، في حين بلغت ميزانية «وزارة التربية الوطنية» وقتها 152 مليون ليرة من ضمنها موازنة «الجامعة اللبنانية»، أي بنسبة 19.64 في المئة من مجموع النفقات العامة، مع الإشارة إلى أن زيادة الميزانية في وزارة التربية، لم تكن توظف لتطوير التعليم الرسمي و «الجامعة اللبنانية»، بل كانت أقسام كبيرة منها تذهب كمساعدات للتعليم الخاص، والمدارس المجانية، ونفقات مختلفة. أي أن الزيادة لم تكن ضمن خطة مدروسة لزيادة دور التعليم الرسمي، بل لإبقائه ضمن حدود متخلّفة لا تسمح له بالتطور السريع، ومنافسة المدارس الخاصة، الأجنبية منها والمحلية.
وبعد عملية دمج المدارس المتعثرة، وإقفال المدارس التي يقلّ عدد التلامذة فيها عن مئة تلميذ، بلغ عدد المدارس والثانويات الرسمية 1281 مدرسة من بينها 255 ثانوية (العام الدراسي 2010/ 2011)، لكنّ هذه الخطوة لم تأت بالنتائج المرجوّة، ولم ترفع عدد التلامذة، بل على العكس، فقد انخفض العدد إلى نحو 276 ألف تلميذ، علماً أن من بينهم زيادة نحو عشرين ألف تلميذ في مرحلة التعليم الثانوي، ويعود هذا الرقم وينخفض في الإجمال إلى أقل من 260 ألف تلميذ في العام الدراسي الحالي، من دون احتساب التلامذة السوريين النازحين، والذين وصل عددهم في المدارس الرسمية إلى نحو 105 آلاف تلميذ. في حين أن عدد المدارس الخاصة ارتفع من 776 مدرسة (العام 1976) إلى 1433 مدرسة للعام الحالي، من بينها 363 مدرسة خاصة مجانية (انخفض العدد منذ العام 1974 من 697 إلى 363 مدرسة مجانية حالياً)، تُضاف إليها 74 مدرسة تابعة لـ «وكالة غوث وتشغل اللاجئين الفلسطينين» تضمّ نحو 32 ألف تلميذ.
كما استمرّ انخفاض عدد المعلمين في الملاك من 21244 العام 1975 إلى 17813 العام 2015 (20%) يقابله أكثر من عشرة آلاف متعاقد في مرحلة التعليم الأساسي وحدها.
عماد الزغبي
يتفق التربويون على دور السلطة السياسية في ضرب التعليم الرسمي، ويشير النقابي محمد قاسم إلى أن السلطات السياسية أدركت في العام 1968 أهمية التعليم الرسمي وضرورة الحدّ من استمرار تفرّد التعليم الخاص بالعملية التربوية ومخاطر حرمان الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب اللبناني من حق التعلم المجاني على حساب الدولة ومسؤوليتها ومن مخاطر تهميش الأرياف والقرى. فاعتمدت الدولة في تلك المرحلة سلسلة من القرارات والإجراءات والمشاريع من أجل النهوض بالتعليم الرسمي ورفع مستواه وتوفيرة للأغلبية الساحقة من اللبنانيين المحتاجين إلى هذا التعليم وفي مقدّمها تعميم التعليم الاساسي ـ الابتدائي والمتوسط ـ والثانوي وضمان جودته ورفع قيمة الاعتمادات المرصودة له في الموازنة العامة، إضافة لإقرار مشروع تجميع المدارس العام 1971 وتطوير عمل كلية التربية ودور المعلمين وتوفير الموارد التعليمية اللازمة من تجهيزات ومعلمين وأبنية واعتمادات مالية وغيرها.
ويصف قاسم تلك المرحلة بأنها كانت المرحلة الذهبية للتعليم الأساسي الرسمي وبداية مرحلة تربّع التعليم الثانوي الرسمي المرتبة الأولى لمختلف مراحل التعليم العام في لبنان.
خطة النهوض
يعتبر مسؤول الدراسات في «رابطة التعليم الاساسي الرسمي» عدنان برجي أنه ليس سراً أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة، لم ترسم سياسة تربوية واضحة ومحددة، منذ ما بعد الاستقلال وحتى اليوم، ومن يراجع البيانات الوزارية منذ حكومة الاستقلال الأولى يجد وعوداً تتكرر بتطوير وتعزيز المدرسة الرسمية. لكن التطوير والتعزيز لم يتحققا، رغم محدوديتهما، بفعل تخطيط حكومي إنما بفعل الضغط الشعبي والطلابي. هذا الضغط بلغ ذروته في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، لذلك اضطرت الحكومات آنذاك إلى تعميم المدرسة الرسمية في أغلب المدن والقرى اللبنانية، وسعت إلى تأمين كادر تعليمي متخصص فأنشأت دوراً لإعداد المعلمين، إضافة إلى كلية التربية في «الجامعة اللبنانية»، التي كانت تعد الأساتذة الثانويين.
ويعتبر قاسم أنه بالرغم من الآمال التي علقها اللبنانيون على خطة النهوض التربوي ومجالاتها التسعة، إلا أن تنفيذها جاء مبتوراً ومشوّهاً ومنقوصاً وفارغاً من الأبعاد الوطنية الشاملة، بقرار سياسي مركزي. ويرى أن الخطة التي أقرّت في العام 1994 اقتصر تنفيذها على مجال واحد «تمثل بإقرار مناهج تعليمية جديدة لا تراعي واقع التعليم الرسمي وحاجاته ومن دون أن توفر لهذه المناهج المستلزمات الضرورية والأساسية التي اشترطتها، وفي مقدّمها نوعية البناء المدرسي وغرف التدريس والتعليم التفاعلي والمكتبات والملاعب والمختبرات ووسائل الإيضاح والقاعات والمسارح والتدريب المستمر للمعلمين».
يضيف: «غابت عن هذه المناهج موادها الجديدة التي أعطتها مبرر جديتها كالمعلوماتية والتكنولوجيا والفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والتربية البدنية، باعتبار أن هذه المواد الجديدة تعتبر المدخل الأساس لاجتذاب التلامذة الى القطاع الخاص منذ بداية مرحلة الروضة لتوفّر هذه المواد ومستلزماتها في مدارسه. وغاب مشروع الخريطة المدرسية كلياً عن مشاريع الحكومات المتتالية رغم توفر مئات العقارات الكبيرة والمناسبة التي قدّمتها البلديات والأهالي والمسجلة باسم وزارة التربية منذ عشرات السنوات لهذا الغرض».
يقول برجي: «كان المعلمون يتوزعون على المدارس حسب الحاجة إليهم دونما نظر إلى طائفة أو منطقة، مما وفر للمدرسة معلمين أكفاء من جهة وساهم في تعزيز اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، وأخفتَ أصوات التعصب الطائفي أو الانعزال المناطقي من جهة أخرى. كل ذلك دفع المدرسة الرسمية إلى أن يرتفع مستواها وأن تكتسب ثقة الأهالي فتقدمت نوعاً وكمّاً، وكثير من الشخصيات العلمية والسياسية والاقتصادية تفاخر اليوم أنها تلقت تعليمها الأساسي والثانوي في المدرسة الرسمية».
خدمات وتعاقد
يرى قاسم أنه بدلاً من التوظيف في التعليم الرسمي وخطة النهوض التربوي لجأت أكثرية المسؤولين إلى توظيف هذا القطاع لتقديم الخدمات لأتباعهم وعقد الصفقات لتشييد الأبنية المدرسية في الأماكن التي لا تحتاج إليها ووقف التوظيف وتجميد إجراء مباريات الدخول إلى ملاك هذا التعليم واستبداله بالتعاقد حتى بات عدد المتعاقدين يناهز عدد من هم في الملاك مع ما يستتبع ذلك من أزمات للمتعاقدين من جهة وتراكم الفائض من جهة ثانية.
يلفت برجي إلى أنه عشية الحرب اللبنانية (1975 - 1989) كانت المدرسة الرسمية في أوج عطائها وكانت مدرسة واعدة بكل معنى الكلمة، بالرغم من هشاشة الأبنية وضعف التجهيزات. ويقول: «ما إن وقعت الحرب حتى بدأ الفرز الطائفي والتهجير المناطقي، فاضطر كل معلم للالتحاق في أقرب مدرسة لسكنه بغض النظر عن الحاجة إليه. فكان أن أتخمت مدارس بأعداد كبيرة من المعلمين وأفرغت مدارس أخرى، لا سيما في الجنوب نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وشبه اليومية، كذلك في الأرياف البعيدة إن في الشمال أو البقاع. هذا عدا عن الدمار الذي لحق بالأبنية المدرسية جراء القصف واضطرار النازحين إلى استخدام بعض هذه الأبنية نتيجة التهجير القسري. ترافق ذلك مع إقفال دور المعلمين وكلية التربية في «الجامعة اللبنانية». لذلك لجأ المعنيون إلى سياسة التعاقد لسد النقص الحاصل في عدد المعلمين، من دون النظر إلى الكفاءة التعليمية التي يجب توفرها في المعلم. ولأن التعاقد لا يؤمن الاستقرار للمعلم وللمدرسة في آن، وتحت الضغط الشعبي فقد صدرت قوانين سمحت لمعلمين متعاقدين بالتثبيت في المدرسة الرسمية من دون إعداد كافٍ لهم.
وما يزيد الأمور خطورة، وفق قاسم، هو بدء انسحاب واقع التعاقد، على التعليم الثانوي الرسمي بسبب تجميد مباريات الدخول إلى ملاكه لسد النقص الكبير في عدد أساتذته وإغراقه سنة بعد سنة بالمئات من المتعاقدين حتى بات عددهم يتجاوز عدد الملاك تُضاف إليها الأزمات الناتجة عن تطبيق المناهج الجديدة وعدم توفر مستلزماتها.
تراجع
يعتبر برجي أن الدورات التدريبية التي يخضع لها المتعاقد قبل أو بعد التثبيت لا ترتقي إلى مستوى الإعداد الذي كان يتلقاه المعلم طيلة ثلاث سنوات في دور المعلمين وخمس سنوات في كلية التربية.
يضيف قاسم إلى هذه الأزمات، استمرار تجميد رواتب المعلمين منذ العام 1996 وحتى تاريخه وتعطيل إقرار سلسلة الرواتب التي تحفظ الحقوق المكتسبة منذ أكثر من ثلاث سنوات، «مما اضطر المعلّمين مرغمين إلى اعتماد مختلف أشكال الضغط المشروع وصولاً إلى الإضراب المفتوح والتظاهر والاعتصام ومقاطعة الامتحانات الرسمية دفاعاً عن حقهم المشروع برواتب تؤمن لهم الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم وما واجهوه من تعنت بعض القوى والهيئات الاقتصادية والمصرفية والتجارية والكتل النيابية، وصولاً إلى ممارسة المؤسسات التربوية الخاصة مختلف أنواع الضغوط على معلميها لمنعهم من ممارسة حقهم الديموقراطي بالإضراب، مما أدى إلى تحمل القطاع الرسمي العبء الأكبر من هذا التحرك وما كان لذلك من انعكاسات معنوية ومادية على واقع هذا القطاع المأزوم أساساً».
يضيف برجي: «أدت الحرب اللبنانية بعد سنوات من بدايتها إلى تراجع القيمة الشرائية لليرة، وبالتالي تراجعت قيمة رواتب المعلمين والأساتذة، ثم أعقبت ذلك سياسة اقتصادية تم خلالها تجميد الرواتب منذ العام 1996 بالرغم من التضخم الذي حصل مذاك الحين وإلى اليوم، وقد أدّى ذلك إلى استنكاف أصحاب الكفاءات عن دخول ميدان التعليم. كما تراجع مستوى الاهتمام الإداري بالمدرسة الرسمية نتيجة المداخلات والمحاصصات التي تحكم التركيبة السياسية منذ عقدين من الزمن، فكانت النتيجة الحتمية تراجع المدرسة الرسمية لمصلحة المدرسة الخاصة».

التأسيس
تأسس التعليم الثانوي في العام 1952 بفضل كلية التربية التي زوّدت أساتذته بالخبرات والكفاءات التعليمية والتربوية حيث زاد عدد تلامذته 180% وعدد ثانوياته 334% بين العامين 1975 و2015.
وتبلغ مساهمة الدولة في تأمين العلم للطلاب اللبنانيين نصف ما يدفعه الأهالي لتأمين تعليم أولادهم الذين يحملون الشهادات الجامعية لتكون جواز سفرهم إلى الخارج (46% من المهاجرين اللبنانيين هم من حملة الشهادات الجامعية).

لبنان ACGEN السغير تربية وتعليم سياسة