بعدما عمدت الدولة الى اهمال مؤسسة كهرباء لبنان عدة سنوات، تسير اليوم بخصخصة قطاع الانتاج، متحججة بعدم قدرتها على وقف النزيف المالي الحالي في القطاع، ومنصاعة لتعليمات البنك الدولي الذي اوصى مراراً بذلك. الخطوة الاولى بدأت بتجربة مؤسسة كهرباء زحلة، على ان تتبعها خطوات اخرى لانشاء مؤسسات خاصة تتكفل بانتاج الكهرباء في مناطق لبنانية اخرى، ثانيها قد تكون جبيل.
في عودة سريعة الى الوراء، نشير الى دراسة صدرت عن البنك الدولي مؤخراً حول قطاع الكهرباء في لبنان، وشددت على ان الاداء الضعيف لقطاع الكهرباء في لبنان، قد حد من إمكانات النمو في البلاد، مقدرة اجمالي التحويلات المالية من الخزينة الى مؤسسة كهرباء لبنان، نتيجة العجز في المؤسسة، وللفترة بين عامي 1992 و 2013، بما يوازي 55.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومضيفة ان 40% من الدين العام كان بسبب تلك التحويلات. كذلك نذكر تطرق رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، في زيارة لبيروت في حزيران الماضي، جرت تحت عنوان دعم لبنان في مواجهة ضغط النزوح، الى مسألة اطلاق اوسع عمليات لخصخصة الكهرباء والمياه وقطاعات اخرى وذلك بحجة الدفع بالاصلاحات قدماً.
نصائح البنك الدولي بخصخصة المرافق العامة، ليست جديدة، اذ تم اقرارها خلال مؤتمر باريس 3 للجهات المانحة، حيث تم التأكيد على ان الخصخصة ضرورة حتمية لتفعيل الاصلاح الاقتصادي.
وتلبية لنصائح البنك، صدق مجلس النواب في 10 نيسان 2014 الماضي على قرار اجاز ولو بصورة موقتة، منح اذونات تراخيص لانتاج الكهرباء بقرار من مجلس الوزراء. وقد باشرت في مطلع شهر شباط 2015 الماضي، مؤسسة كهرباء زحلة في انتاج الكهرباء وتأمين التيار 24/ 24 ضمن مرحلة تجريبية. اصداء التجربة، وفقاً لمعظم الصحف المحلية بدت ناجحة، وذلك اسنتناداً الى استطلاعات لرأي المواطنين/ات في البقاع، الذين/اللواتي اجمعوا/ن على الانخفاض الملحوظ في فاتورة الكهرباء، التي تراجعت بمقدار النصف تقريباً. وقد علم ان انخفاض فاتورة الكهرباء يستفيد منه اكثر من 200 ألف بقاعي/ة والعشرات من المؤسسات الصناعية والزراعية والسياحية والتجارية التي تتوزع على 16 مدينة وبلدة في قضاء زحلة. وحول اتهام مشروع امتياز زحلة بأنه مشروع خصخصة، رد رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء زحلة، أسعد نكد، الذي يدير المشروع، واصفاً مشروعه "بالتكميلي" وان لا علاقة له بالخصخصة. ولدعم حجته، افاد نكد بان عقد الامتياز الموقع بينه وبين مؤسسة كهرباء لبنان، يخضع لشروط معينة، بحيث تنتهي مفاعيله أواخر عام 2018، عندها يصبح لزاماً على شركته تسليم الدولة المحطات وكامل الشبكة ومعداتها من دون أي مقابل، على أن تكون جميعها بحالة جيدة جداً. لكن ما لم يفصح عنه نكد هو ما اذا شركته ستسلم بذلك فعلا بعد كل الاستثمارات التي تكبدتها.
من جهتها، حذت شركة امتياز جبيل حذو شركة امتياز زحلة في طلب ترخيص لانتاج الطاقة الكهربائية لتأمين التيار الكهربائي 24/ 24 ساعة لمنطقة جبيل، وتقدمت من رئاسة مجلس الوزراء ممثلة بوزير الطاقة والمياه بطلب الترخيص وذلك بتاريخ 11- 3- 2015، وهي تنتظر الان رد وزير الطاقة على الطلب، ليبدأ تنفيذ المشروع.
وفي السياق نفسه، لا يُستبعد ان يتقدم مجدداً مالك شركة كهرباء عاليه، التي حصلت على حقوق الامتياز لمدة 82 سنة، انتهت في 2013، بطلب امتياز جديد تتيح لها انتاج الكهرباء. وتجدر الاشارة الى ان شركة امتياز عاليه، كانت تقوم بشراء الكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان بسعر وسطي يبلغ 75 ليرة لكل كيلوات ساعة (كما هو الحال بحسب اخر تعرفة رسمية)، ثم تبيعه بسعر وسطي يبلغ 127 ليرة لكل كيلوات ساعة.
كلمة اخيرة حول الموضوع ان الكثير من الناس قد لا يرى اي ضرر في المسار الحالي خصوصاً اذا ما تأتى عنه منافع ملموسة على المدى القصير. لكن خطورة الامر تكمن في استمرار السلطة الحالية المتحكمة بمقدرات الدولة اللبنانية، بالتخلي عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، شيئاً فشيئا،ً بحجة العجز عن معالجة المشكلات المعيشية، ناهيك عن السياسية والامنية.