Monday, 18 January 2016 - 12:00am
أشهر مرّت على بدء تطبيق الوصفة الطبية الموحدة من دون أن تواجه مشكلات كبيرة من قبل الجهات المعنية بها، إلا أن ذلك ليس مؤشراً على أن الأهداف المنشودة من اعتمادها تحققت، أو أن شبكة المصالح المرتبطة بصفقات شركات الأدوية تعطلت، علماً بأن عدداً من الأطباء رفعوا تعرفة المعاينة تحت ذريعة اعتماد الوصفة الموحدة
نجحت الوصفة الطبية الى حد كبير في تنظيم عملية وصف الدواء. هذه العملية كانت تتم بشكل عشوائي في السابق، في ظل غياب مرجعية موحدة للوصفات. كل جهة من الجهات الضامنة، في قطاعات عدة، كانت تطلب نموذجاً معيناً يختلف عن الآخر، «وهذا كان يربك الأطباء قليلاً»، وفق ما يقول طبيب القلب حسين حسيكي في حديث مع «الأخبار»، الذي يضيف «إننا لا نزال نعاني من مسألة تبديل الدواء، فلا يمكننا في عدد من الأدوية إلا وصف الدواء الأساسي وليس البديل، إلا أن الصيدلاني لا يلتزم بكثير من الأحيان بطلبنا عدم تبديل الدواء».
سرد حسيكي حالات عدة تم في خلالها تبديل الدواء من دون موافقة الطبيب، وأكثر ما يقلقه هو عمليات التبديل التي تتم في حالة الأدوية التي يمكنها أن تسبب ضرراً مباشراً على حياة المريض. يقول حسيكي إن هناك أدوية لم تُجرَ أبحاث علمية عليها بعد، «لذا لا يمكننا الوثوق بجودتها». الجدير ذكره أن عدداً كبيراً من الأدوية البديلة والأدوية الأساسية انخفض سعرها مع بدء تطبيق الوصفة الطبية الموحدة. يرد حسيكي المشكلة المتعلقة بالأدوية البديلة الى رقابة الأجهزة المعنية والفحوصات الدورية المفترض إجراؤها على الأدوية المتوفرة في الصيدليات.
عضو مجلس نقابة الأطباء حسن فاعور، ينظر الى الوصفة الوحدة على أنها جاءت «لمصلحة الطبيب، خلافاً لما تداولته وسائل الإعلام عن عرقلة النقابة لتطبيق الوصفة»، التي تؤدي أهدافها في «تنظيم القطاع الصحي» في بلد «حارة كل مين إيدو إلو». حسنات الوصفة وفق فاعور، هي مساهمتها في رفع المعاش التقاعدي للطبيب من مليون الى مليون و300 ألف ليرة لبنانية نظراً إلى وجود حصّة للصندوق التقاعدي من كل وصفة، فضلاً عن «انخفاض أسعار الدواء، وتلازم ذلك مع فتح الباب لاستهلاك أوسع للأدوية البديلة، ما أدى الى مضاربة تخدم الطبيب والمواطن في آن». يستغرب فاعور أن يرفع عدد من الأطباء كلفة المعاينة، وخاصة أن هذه الكلفة تتفاوت في الأساس بين منطقة ومنطقة، معترفاً بأنه ليس هناك التزام كامل بالتعرفة المنصوص عليها في الضمان الاجتماعي، «هناك من لا يلتزم بها ويرفع التعرفة، وآخر لا يلتزم بها ويطلب تعرفة أقل منها». ما يشكو منه فاعور هو «فوضى بيع الأدوية في الصيدليات»، مطالباً الجهات النقابية والجهات الرسمية بفرض رقابة على هذه الصيدليات، في حين يشير الى عدم معرفته بوجود حالات تبديل للدواء من قبل الصيادلة من دون موافقة الطبيب، على قاعدة أن المريض «يهمه صحته» ولا يجب عليه «القبول بعملية التبديل».
الصيادلة: شركات الأدوية
باتت تتحكم أكثر بالطبيب
رئيس الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية ــ «الصحة حق وكرامة»، النائب السابق اسماعيل سكرية، لديه رأي مغاير، يقول إن الهدف من الوصفة الموحدة هو تشجيع استخدام دواء الجينريك، «إلا أنهم مع الأسف اشترطوا موافقة الطبيب»، وهذا ما ساهم في إعاقة الهدف المرجو من الوصفة «في ظل ارتفاع نسبة الصفقات والأطباء المتواطئين مع شركات الدواء». كما حسيكي، يرد سكرية المشكلة الى غياب مختبر مركزي يقوم بفحص الأدوية دورياً، لضمان جودة الأدوية كافة، ومنع التداول بأدوية سيئة. الهيئة تحضّر دعوى قضائية سترفعها فور جهوزها ضد وزارة الصحة بسبب عدم إنشاء مختبر طبي مركزي حتى اليوم.
أمر آخر يقف عائقاً أمام الإصلاح في قطاع الدواء هو لجان تسعير الدواء، «التي لا تقوم بأعمالها وفق معايير واضحة، ما يُنتج تفاوتاً في أسعار الأدوية البديلة، وذلك يتيح للصيدلاني اختيار الدواء البديل الأعلى سعراً». في مقابل ذلك، أسعار الأدوية «الأكثر تداولاً» لم ينخفض سعرها وتصرّ نسبة كبيرة من الأطباء على منع استبدالها، بحسب سكرية، فالطبيب مُنح صلاحية وضع إشارة NS على الوصفة الطبية، أي أن الدواء لا يستبدل. في مقابل ذلك، لا يمكن لأي جهة رقابية أن تحصي نسبة الأطباء الذين يمنعون تبديل الأدوية ونوعها، بسبب عدم حصول الوزارة على نسخة من الوصفة، كما أن الوزارة تحصر حالياً عمليات التفتيش بالصيدليات لا بالأطباء.
الصيدلي سامي الحاج يوافق سكرية الرأي بموضوع ازدياد الصفقات مع شركات الدواء، «فبات بإمكان الشركات التحكم أكثر بالطبيب، من خلال معرفة عدد الوصفات التي يكتب عليها لا يستبدل». يشير الحاج الى أن نسبة الأطباء التي تمنع استبدال أنواع معينة من الأدوية كبيرة، «وفي كثير من الأحيان لا نجد مبرراً لعدم تبديل دواء معيّن»، لافتاً الى معاناة الصيادلة في حالة منع الطبيب استبدال أدوية غير متوفرة في الأسواق. من جهة أخرى، لا يعتقد الحاج بوجود أي إفادة للمواطنين من خلال احتفاظ الصيدلي بالوصفات الطبية لعشر سنوات، وفق ما ينص عليه القانون، فهي «طوشة راس، الصيدلي بغنى عنها»، مضيفاً أن العلاقة بين الصيدلاني والمريض بقيت على حالها، ورداً على اتهام الصيادلة بأنهم يختارون الدواء البديل الأعلى سعراً، يقول إن «سلطة الصيدلي في اختيار الدواء بقيت نفسها قبل اعتماد الوصفة الموحدة» وبعدها، مشيراً الى انخفاض مبيع نسبة عدد من الأدوية لصالح أدوية أخرى يضع عدد من الأطباء عليها عبارة «لا يستبدل».
حاولت «الأخبار» الحصول على ملاحظات نقابة الصيادلة، إلا أن نقيب الصيادلة لم يرد على اتصالات «الأخبار» على هاتفه الشخصي وهاتف النقابة، وعندما طلبنا من موظفة النقابة أن تصلنا بأعضاء غيره في مجلس النقابة، كان الرد بأن أياً منهم لن يفيدنا بشيء ما لم يحصل على إذن من النقيب.
يتفق دعاة الإصلاح في القطاع الطبي على أن تطبيق قانون الوصفة الطبية الموحدة وتحقيق الأهداف المرجوة منه، لا يمكن أن يتمّا في ظل غياب «أساسات الدعم»، المتمثلة بمختبر مركزي يضمن جودة الدواء، وتصحيح واقع لجان تسعير الدواء.
الجهات الضامنة الخاصة: خرق سرية المريض؟
استجابة لطلب عدد من مؤسسات الضمان الخاص، أصدرت نقابة أطباء لبنان في بيروت تعميماً بتاريخ 18/12/2015 وسّعت من خلاله نطاق استخدام الوصفة الطبية الموحدة لتشمل إضافة الى وصف الدواء، وصف الفحوصات الشعاعية، ووصف الفحوصات المخبرية أو شبه الطبية. توسيع هذا الاستخدام لقي اعتراضات من جهات عدة رأت في ذلك انتهاكاً لـ»سرية مهنة الطب» و»خصوصية المرضى» بشكل عام، من خلال إطلاع الصيدلي ومساعديه على أسرار المرضى.
الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية ــ «الصحة حق وكرامة»، أرسلت مذكرة الى نقيب الأطباء في بيروت تطلب منه إبطال التعميم الصادر عن النقابة، لمخالفته قانون مزاولة مهنة الصيدلة وقانون الوصفة الطبية الموحدة وقرارات الوزير، إذ لم يلحظ أي منهم موجباً على الأطباء باعتماد الوصفة الطبية خارج الإطار المحدد في القانون حصراً. وقد جاء قانون الوصفة الطبية الموحدة لتنظيم سوق الدواء بالدرجة الأولى، لذا ترى الهيئة أنه «لا يجوز التوسع بتفسيره لكي ينسحب على ما يخرج عن نطاق الوصفة الطبية، كما جاء خطأً في التعميم المطلوب إلغاؤه والرجوع عنه فوراً لعدم انطباقه مع القانون والقرار المشار إليهما».
يرى رئيس الهيئة الطبيب اسماعيل سكرية أن التوسع بالتفسير لكي يشمل الحالات الأربع المذكورة كما ورد في التعميم «مخالفة للقانون وللقرار ولروحية ولنية المشترع الذي رأى ضرورة تنظيم سوق الدواء باعتماد الوصفة الطبية الموحدة حصرياً في سياق تنظيم وصفة الدواء»، متسائلاً عما إذا كان هناك أهداف مادية من وراء توسيع استخدامات الوصفة الطبية، معتبراً أن هذا تعميم يؤدي الى انتهاك السرية التي أكد عليها قانون 288 للآداب الطبية، كذلك قسم الطبيب.
يرد رئيس لجنة الوصفة الطبية في نقابة الأطباء عماد الغصين على سكرية بالقول إن النقابة «تسعى إلى تيسير شؤون المريض، لكي يستطيع استرداد أمواله من الجهات الضامنة التي تشترط أن تُكتب هذه الفحوصات على النسخة الموحدة»، معتبراً أنه لا مشكلة قانونية طالما النص القانوني لا يحظر ذلك، «وهي لا تخرق سرية المريض، طالما كُتب كل فحص على وصفة منفصلة، لذا لا مبرر بالأساس من احتفاظ الصيدلي بها».
ACGEN اجتماعيات الأخبار دواء