Thursday, 14 January 2016 - 12:00am
عندما توقف مجلس الوزراء عن الانعقاد لم يكن في البال أن ذلك سيهدد مستشفى البترون بالتوقف عن العمل. هذا المستشفى كان يشغّله الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي طيلة أربعة عقود، أُعيد إلى وزارة الصحة بقرار من مجلس الوزراء، لكن حتى الآن لم يصدر مرسوم يحوّله إلى مستشفى حكومي، وبالتالي لا تستطيع وزارة الصحّة تشغيله، في حين لم تعد هناك تغطية قانونية لإبقائه في عهدة الضمان... فوقعت الواقعة!
لا يزال مستشفى البترون عالقاً في منتصف الطريق بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبين وزارة الصحة العامة. فالضمان لم يعد مسؤولاً عنه بقرار من مجلس الوزراء يلزمه بإعادته إلى وزارة الصحة في 31/12/2015، إلا أن وزارة الصحة لا تستطيع تشغيله إلا إذا أصبح مستشفى حكومياً لديه نظام مؤسسة عامة، وهو أمر يتطلب إصدار مرسوم في مجلس الوزراء.
وبما أن مجلس الوزراء لا ينعقد، بات المستشفى محكوماً بوضع استثنائي يهدد بتوقفه عن العمل!
بعد 41 سنة على استثماره وتشغيله من صندوق الضمان، أعيد مستشفى إميل بيطار «المعروف باسم مستشفى البترون» إلى وزارة الصحة العامة. قرار إعادته، اتخذ بعد سنوات من الكرّ والفرّ بين إدارة الضمان والقوى السياسية التي يقع المستشفى ضمن منطقة نفوذها. الضمان كان يردّد أن المستشفى يكبدّه خسائر لا قدرة له على تحملها، فيما لا جدوى من استثماره كمستشفى نموذجي يحدّد كلفة الاستشفاء الفعلية، وهو الهدف من استثماره قبل اكثر من 4 عقود. غير أن القوى السياسية، كانت ترغب في إبقاء المستشفى من ضمن أدوات عملها السياسي في المنطقة حيث يمكنه تقديم خدمات واسعة للناخبين واستثمار نفوذها السياسي لبيع الخدمات العامة في مقابل الولاءات. هذه القصّة وصلت إلى نهايتها عندما قرّر مجلس إدارة الضمان عدم تجديد عقد استثمار المستشفى في نهاية فترة العقد الأخير، اي في 31/12/2015.
جاء هذا الاستحقاق ليضع القوى السياسية والوزارات المعنية أمام حتمية إعادة المستشفى الى وزارة الصحة، فأصدر مجلس الوزراء، قبل أن يتوقف عن الانعقاد، قراراً يقضي باستعادته من الضمان. إلا أن مجلس الوزراء تعطّل فيما كانت عملية انتقال المستشفى في منتصف الطريق، فلا يمكن الرجوع الى الوراء، ولا يمكن التقدّم إلى الامام، ففي الحالتين هناك حاجة لصدور مرسوم من مجلس الوزراء. السبب هو أن الضمان لم يعد بإمكانه استعادة المستشفى لأن قراراً كهذا يخالف قرار مجلس الوزراء بإعادته إلى وزارة الصحة، فيما هذه الأخيرة لا يمكنها تسلّم المستشفى إلا بعد صدور مرسوم من مجلس الوزراء يحوّل المستشفى إلى مؤسسة عامة فينضم إلى المستشفيات الحكومية التي تدار وتشغّل وتسهم في موازناتها الوزارة وتغطّي اختلال التوازن المالي فيها بمساهمات مالية من الاعتمادات المرصودة في هذا المجال.
في هذا الوقت، قرّر وزير العمل سجعان قزّي، بالتكافل والتضامن مع وزيري المال علي حسن خليل والصحة وائل أبو فاعور، أن يأخذ الأمر على عاتقه، أي تشغيل المستشفى بواسطة الضمان وتغطية عجزه المالي بقيمة 1.2 مليار ليرة سنوياً بمساهمات من وزارة المال. إلا ان أعضاء مجلس إدارة الضمان، رفضوا هذا الخيار لأن لا سند قانونياً له، بل هو عبارة عن كلام بين وزراء، فيما المطلوب هو قرار من مجلس الوزراء وإلا فإن صندوق الضمان سيعتبر، بعد نهاية عقد الاستثمار لمبنى المستشفى بمثابة «محتل». أما بالنسبة لوزارة الصحة، فإنه لا يمكن تحويل أي أموال إلى موازنة المستشفى أو تعيين لجنة لإدارة المستشفى أو الاتفاق مع موردين ومع موظفين وأطباء وغيرهم... إلا بعد أن يصبح مستشفى حكومياً.
لا يتسم اي من الضمانات والالتزامات المطروحة بطابع قانوني ونظامي
وكان مجلس إدارة الضمان قد عقد جلسة استثنائية في نهاية الشهر الماضي بحضور وزير العمل، بصفته وزير الوصاية على الصندوق، الذي أبلغه ان هناك تغطية سياسية ومالية وادارية لاستمرار الضمان في تشغيل المستشفى حتى تتسلمه وزارة الصحّة، وقال قزي إن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أعطى كل الضمانات وكل التغطيات المرحلية بانتظار انعقاد مجلس الوزراء، وأبدى وزير الصحة وائل ابو فاعور استعداده لتسلم إدارة المستشفى حين صدور المراسيم اللازمة من قبل مجلس الوزراء، والتزم وزير المال علي حسن خليل بتغطية العجز بقيمة مليار ومئتي مليون ليرة سنوياً كحد أقصى لأي خسارة تحصل في إدارة المستشفى، وبالتالي هذه القيمة ستضاف إلى المساعدات التي تقدمها وزارة الصحة إلى المستشفيات في لبنان.
في الواقع، لا يتسم اي من هذه الضمانات والالتزامات بطابع قانوني ونظامي، كما لا يؤمن حسن سير العمل في المستشفى، بل ان هيئة دعم مستشفى البترون اعتبرت «أن تسيير الامور المالية في المستشفى لتأمين مستلزمات الاستمرار في العمل من شراء للأدوية والمستلزمات الطبية والمأكل والمشرب وغيرها من الامور الاساسية، يصطدم بعدم توافر النظامية في عقد النفقات وتصفيتها ومراقبتها ومن ثم دفعها، ما يعرض حياة المرضى أولاً للخطر المبين». ولفتت الى أن «استمرارية العمل في مستشفى البترون بالطرق النظامية تتطلب أول ما تتطلب إصدار قرار من الضمان الاجتماعي لمتابعة العمل كل في وظيفته»، وطالبت «مجلس الوزراء الذي سينعقد في الرابع عشر من الشهر الجاري إدراج ملف مستشفى البترون على جدول أعماله واتخاذ القرارات الآيلة الى استمرارية العمل في المستشفى بالتغطية القانونية اللازمة، رأفة بالمرضى والمواطنين وتفادياً لردود الفعل المشروعة التي لن يتوانى أهالي منطقة البترون عن القيام بها حفاظاً على حقهم في الصحة، وحرصاً على ألا يؤدي إهمال هذا الحق الى أمور لا تحمد عقباها على كل الصعد».
على الرغم من ذلك، باشرت اللجنة المكلفة الإشراف ومتابعة ادارة اعمال مستشفى البترون عملها، فوجهت كتابا الى ادارة المستشفى تطلب منها فيه مواصلة عملها كالمعتاد، ريثما ينجز مجلس الوزراء اتخاذ المراسيم الآيلة الى نقل مسؤولية المستشفى الى وزارة الصحة.
وكان وزير العمل سجعان قزي شكل هذه اللجنة من دون سند قانوني، تضم اليه كلاً من رئيس مجلس ادارة الضمان بالإنابة غازي يحيى، رئيس اللجنة الفنية سمير عون، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي، امين السر الاول لمجلس الادارة، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، مهمتها الاشراف على مستشفى البترون وسير العمل فيه في هذه الفترة الانتقالية بعدما كان مجلس ادارة الضمان قد انهى عقده مع المستشفى انفاذا لقرار مجلس الوزراء.
وقد عقدت اللجنة اجتماعها الاول، امس، برئاسة قزي واتفقت على توجيه اول كتاب لها الى المستشفى، يؤكد «استمرار العمل في هذا المرفق العام ذي الوجه الاجتماعي والانساني والصحي».
وكرر «ان هذا القرار يحظى بتغطية سياسية من رئيس الحكومة تمام سلام وبتغطية مالية من وزير المال علي حسن خليل الذي التزم بكتاب خطي بتغطية اي عجز يحصل في المستشفى تحت سقف لا يتعدى المئة مليون ليرة لبنانية في الشهر، اي ما يعادل مليار ومئتي مليون في السنة وبتغطية ادارية وقانونية من وزيري العمل والصحة اضافة الى التأييد الشبه الاجماعي الذي حظي فيه هذا القرار من مجلس الادارة باستثناء ثلاثة اعضاء».
مستشفى غير نموذجي
تعود قصة مستشفى اميل البيطار الى عام 1974، عندما وقّع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عقداً مع وزارة الصحة لإدارة وتشغيل مستشفى البترون، بهدف جعله مستشفى نموذجياً يستطيع الصندوق من خلاله معرفة الكلفة الفعلية للاستشفاء وتحديد التعرفات على اساسها في العقود التي يبرمها مع المستشفيات الخاصة. الا ان ظروف الحرب (1975-1990) وسوء الادارة والفساد المستشري وتحكّم الزبائنية في ادارة الدولة والمؤسسات العامّة ساهمت كلّها في إفشال التجربة ومنع الصندوق من تحقيق هدفه، وبالتالي باتت كلفة هذا المستشفى مرتفعة وشكّلت مصدراً جديداً من مصادر هدر اموال المضمونين، اذ جرى استخدامها على نطاق واسع لتحقيق مصالح انتخابية في تلك المنطقة. لذلك، اتُخذ قرار عام 1997 بعدم تجديد العقد مع وزارة الصحّة، الا ان الضغوط السياسية اسفرت عن تجديد العقد عام 2001 لمدة 15 سنة انتهت بنهاية عام 2015.
لبنان ACGEN اجتماعيات استشفاء الأخبار