Thursday, 21 April 2016 - 1:00am
هل تحرصون على تسجيل أولادكم في مدارس مختلطة؟ هل تشجعونهم على التحاور مع أشخاص من دين آخر؟ هل تكلّمونهم عن احترام الأديان والشعوب من دون استثناء؟
أسئلة حملتها «الحياة» إلى مجموعة من الأهالي من مختلف المناطق اللبنانية بحثاً عن جواب شاف للتساؤلات التي تطرح حول التربية التي يتلقاها الأطفال اللبنانيون منذ الصغر، وإذا كان أهلهم الذين عايشوا الحرب الأهلية ببشاعتها أو المرحلة التي تلتها، لا يزالون ينقلون لهم الإرث نفسه المُشبع بالحقد والضغينة على الآخر. والنتيجة أنّه بين 20 شخصاً جميعهم أهالٍ لأطفال صغار، لم يظهر مفهوم التربية على التنوّع إلا عند اثنين يعتبران نفسيهما مواطنين مدنيين في لبنان، ويترفّعان عن الشعارات الطائفية المسيطرة على البلاد.
ولا شكّ في أنّ هذه النتيجة ليست إلا عينية، لكنّها بالتأكيد تلقي الضوء على أزمة تربوية أساسية في لبنان تبدأ في المنزل ومحيط الطفل لتنتقل معه إلى المدرسة حيث يُدفع أيضاً نحو البقاء ضمن البيئة ذاتها، والابتعاد عن أي شخص يمكن أن يكون مختلفاً عنه.
مناقضة الواقع
حين تُطرح مسألة التربية على التنوع، يكون الدين هو حجر الأساس. فكما تشرح الاختصاصية الاجتماعية سمر مكنا، أنّ الطفل يكون بريئاً وصفحة بيضاء في صغره ويتقبّل كلّ ما يقدم له من معلومات ويتشربها. وغالباً ما يسمع من محيطه صفات وألفاظاً ترتبط بالأشخاص من الدين الآخر أو الطوائف الأخرى ما ينطبع في ذهنه، ويحمل معه هذه الانطباعات إلى عمر متقدّم. لذلك يصعب على طفل تربّى في منزل ذات أجواء محتقنة طائفياً أن يتعايش في المجتمع مع الشخص من الطائفة الأخرى، فيكون لديه جهوزية في كل لحظة للتصدّي لهذا الشخص ورفضه، حتّى لو لم يكن هناك أي سبب يستدعي ذلك.
واللافت في هذا المجال أنّ المؤسسة الدولية للأبحاث الميدانية «إبسوس» قادت دراسة ميدانية في العام 2012 حول «إدارة التنوّع الديني والمواطنة لدى الشباب اللبناني» وشملت 30 مدرسة رسمية وخاصة و431 تلميذاً أعمارهم بين 12 و17 سنة. وأظهرت النتائج تشابهاً بين الطلاب المسلمين والمسيحيين، وأن معظمهم يتقبل التنوّع الديني ولديه أصدقاء من غير دينه ويعتبر نفسه لبنانياً قبل كلّ شيء. لكن هذه الدراسة واجهت انتقادات كثيرة من باحثين وخبراء، حتّى أنّ وزير الثقافة السابق طارق متري اعتبر أنّ التلامذة أجابوا من منطق اللياقات الاجتماعية والكلام المزدوج، حيث يقولون في العلن ما يقولون عكسه داخل عائلاتهم. وهذا ما يظهر مدى تثبّت الاختصاصيين من الأفكار التي يحملها الأطفال والمراهقون عن الآخرين وصعوبة تقبّلهم وفهم أهمية التنوّع في المجتمع الواحد.
وترى مكنا أنّ ما توصلت إليه الدراسة يناقض الواقع في أمور كثيرة، فما نراه هو اتجاه أكبر نحو التقوقع ضمن البيئة الواحدة. وهذا ما تمكن ملاحظته عند رغبة الأهل في تسجيل طفلهم لعامه الدراسي الأول، حيث يعتبر العامل الطائفي عنصراً رئيساً لتحديد المدرسة المناسبة، إلا إذا كان خيارهم المدرسة الرسمية التي تعتبر حتّى الآن وعلى رغم المشكلات التي تعترضها صرحاً للتنوّع، حيث يمكن أن يجتمع تلامذة من مختلف البيئات في مكان واحد.
النظرة الدونية
وليست الانتماءات الطائفية وحدها ما يلفت إلى غياب ثقافة التربية على التنوّع، بل هناك قضايا أخرى يشير إليها اختصاصيون اجتماعيون وتربويون تتمثّل بالطبقية، حيث تكون هناك صعوبات في التعامل مع أشخاص من طبقة اجتماعية أخرى. وهناك أيضاً القضية الأهم، المتمثلة بانعكاس ضعف تقبّل التنوّع على التعامل مع الأطفال السوريين النازحين في المدارس اللبنانية أو خارجها أيضاً، فضلاً عن الأطفال العراقيين أو الفلسطينيين الذين يتوزّعون في مختلف المناطق اللبنانية. فوق ما يشير إليه مسؤولون تربويون في مدارس خاصة رسمية تحدثت معهم «الحياة»، هناك تعامل «عنصري» مع هذه الفئة من الأطفال ما يؤثّر فيهم نفسياً كثيراً، خصوصاً أنّ قسماً كبيراً منهم بات منخرطاً في المدارس اللبنانية هذه السنة من خلال الإستراتيجية التي اعتمدتها وزارة التربية، بالتعاون مع جهات دولية. وعلى رغم أنّ إدارات المدارس تحاول التصدّي للمضايقات ومنعها، فالمشكلة في النظرة الدونية التي يلحظونها عند رفاقهم.
وكما تؤكد مكنا، فإنّ التربية على التنوّع أمر ليس سهلاً أو يمكن تحقيقه خلال وقت قصير، بل هو حصيلة تجارب عدة وتفاعلات مع الآخرين. لكن الأمل يبقى بأن يكسر جيل الشباب الأطر التقليدية المرتبطة بالنظرة إلى الآخر، ما سينعكس على طريقة تربية الأطفال من الأجيال القادمة.
لبنان ACGEN اجتماعيات الحياة