Saturday, 28 May 2016 - 1:00am
آمال الشريف من بيروت، مارك حويك من عمشيت، ماغي عيد من بتدين، ورشا سنكري من طرابلس، هم المرشحون إلى المجالس البلديّة لعام 2016 من ذوي الاحتياجات الخاصّة. لم يفكّروا في أية عوائق تقف حاجزاً أمام انخراطهم في الشأن العام، وقدّموا ترشيحهم إلى البلديّات التي تمثّلهم بغية العمل على مشاريع تخدم بلداتهم من جهة، وتغطّي جزءاً من احتياجاتهم من جهة أخرى.
30246 هو عدد الأصوات التي نالتها آمال الشريف في بيروت، ضمن لائحة "بيروت مدينتي" التي تنافست مع لائحة "البيارتة" المدعومة من أحزاب السلطة، وحلّت الرابعة في الترتيب ضمن لائحتها. ردود الفعل على ترشيحها كانت مرحبّة، فيما وجد ذوو الاحتياجات الخاصّة فرصة لتمثيلهم أخيراً.
تنشط آمال في المجال الاجتماعي وعلى مواقع التواصل منذ سنوات، لا يستفزها فقط هدر حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة، بل النهج الذي تتبعه السلطة في التعدّي على الأملاك العامّة في بيروت، وعدم تحمّل مسؤولياتها في تأمين أبسط حقوق المواطنين من مياه وكهرباء ومعالجة نفايات تكدّست أشهراً قرب منازلهم. تقول الشريف لـ"الأخبار" إنها "ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة منذ عشرات السنوات، وأوثّق كلّ المخالفات التي ترتكب في حقهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت بالانتخابات البلديّة فرصة للعمل بعدما سُلب المواطنون حقّهم في الترشّح والانتخاب عام 2013 نتيجة التمديد للمجلس النيابي، وفي نيّتي الإضاءة على قضية ذوي الاحتياجات الخاصة، والعمل على تطبيق القانون الصادر عن الجمهوريّة اللبنانيّة التي لم تطبّقه". ترى الشريف أن "الاستخفاف فينا، والاستلشاق بحقوقنا، هو ما يحفّز الحكومات المتعاقبة على تجاهل تطبيق القانون متحجّجة بعدم وجود الإمكانات الماديّة لتجهيز الأماكن والطرقات؛ ففي حرم الأمن العام في بيروت نجد مواقف للضباط دون أن يخصّصوا مواقف مماثلة لنا، في سرايا بعبدا خصّصوا غرفة في المبنى الثاني للحصول على أوراق معاملات بطاقاتنا التي لا يمكننا الوصول إليها، حتى يوم الانتخابات اضطررت كما غيري إلى صعود طبقات المباني للإدلاء بأصواتنا".
خوض مارك حويك المعركة البلديّة كان لأهداف مختلفة، فهو ناشط سياسي في "التيار الوطني الحرّ" منذ كان في سنّ المراهقة، قبل أن يتعرّض منذ عشر سنوات لحادث إطلاق نار في إحدى التظاهرات، أدّى إلى إصابته بإعاقة دائمة. يؤكّد حويك لـ"الأخبار" أنه لم يفكّر في أية إعاقة عند تقديم ترشيحه وأنه لم يقف يوماً عندها، بل إن هدفه "سياسي محض، اعتراضاً على طريقة تركيب اللوائح وسوق التحالفات، والدليل خسارتي مع لائحتي". ترشّح حويك ضمن لائحة معارضة لتلك المدعومة رسمياً من حزبه بغية "خلق تغيير حقيقي ينعكس على بلدتي عمشيت من خلال إيصال وجوه جديدة لا التمديد للوجوه نفسها".
في المقابل، نجحت ماغي عيد من الفوز والدخول إلى المجلس البلدي في بتدين، وحلّت ثانيّة بعد رئيس اللائحة. قرار عيد بخوض الانتخابات البلديّة كان بهدف "تصحيح وضعنا أولاً، والانخراط في الشأن العامّ والنشاط الاجتماعي ثانياً".
خصصوا لنا غرفة
في سرايا بعبدا لا يمكننا
الوصول إليها
بالنسبة إلى عيد، إن ذوي الاحتياجات الخاصّة هم من الأشخاص المؤجّلين في المجتمع لا المنبوذين، وتضيف لـ"الأخبار": "لقد كانت فرصة لي للقيام بما أحبّه، ولأحصل من خلال بلدتي على ما حُرمت منه في بلدي. كثر هم من يعملون من أجل ذوي الاحتياجات الخاصّة، لكنّهم لا يعملون بأفكارنا ولا ينجحون في تحديد حاجاتنا الحقيقيّة؛ نحن نجلس تحت مكبّرات الصوت في المسارح، والمنحدرات التي تستحدث لتسهيل دخولنا، غالباً ما نحتاج إلى مساعدة لصعودها. فوزي بالمجلس البلدي هو فرصة لإحداث تغيير ما انطلاقاً من ضيعتي، لنتمكّن من الوصول إلى الأماكن الخاصّة، والدخول إلى المباني والدوائر الرسميّة، ودور العبادة والجامعات ودور السينما والمطاعم بسهولة".
مشاركة 4 مرشّحين في الانتخابات البلديّة أمر طبيعي، نظراً إلى كون هذه الفئة تمثّل 15% من المواطنين اللبنانيين، بحسب آخر التقارير الصادرة عام 2011 عن البنك الدولي ومنظّمة الصحّة العالميّة، في حين أن الإحصاء الرسمي الذي قامت به الدولة عام 2004 يعترف بنسبة 2% فقط، بحسب ما تؤكّد رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين سيلفانا اللقيس لـ"الأخبار". وترى أن "الحملات التي أقيمت على مدار سنوات، لاقت صدى في المجتمع وعزّزت الوعي ودفعت كثراً إلى تجاوز المصاعب، وشكّلت وعياً على مستوى المجتمع المدني بحيث زادت مساحة المناصرة". لكن في المقابل، تجزم بـ"وجود تراجع على مستوى تأمين حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة خلال الدورة الانتخابيّة الحالية، نظراً إلى تكريس مفهوم التبعيّة في العمليّة الانتخابيّة، وعدم تجهيز المراكز الانتخابيّة، حيث كان مشهد حمل المعوّقين سائداً في كلّ المراكز التي زرناها. وهو ما يدلّ على انتهاك خصوصيّة المعوّق، وسلب قراره، وحرمانه حقّه في الاقتراع باستقلاليّة وكرامة. لقد كانت هذه الدورة الأسوأ لناحية صون حقوق المعوّقين".
اقتصرت مهمات وزارة الداخليّة على إرسال بيانات بضرورة تسهيل اقتراع ذوي الاحتياجات الخاصّة والمسنين من خلال تقديم المساعدة لهم من القوى الأمنيّة أو من الكشافة، وكأنه أمر عادي، وذلك بدل تجهيز المراكز الانتخابيّة، أو أقله تخصيص الطبقات الأرضيّة أقلاماً لاقتراعهم.
تقول اللقيس: "لقد قدّمنا خطّة لوزارة الداخليّة ووضعنا معايير ومواصفات لمراكز الاقتراع بغية تجهيزها أو تبديلها بالنسبة إلى أصحاب الإعاقات الحركيّة، وتبدأ من تحديد كيفيّة ركن سياراتهم، وصولاً إلى ولوجهم صندوق الاقتراع، بهدف صون حق المشاركة من دون عوائق وباستقلاليّة، إلّا أنهم لم يطبّقوها. عرضنا تخصيص الطبقات الأرضيّة والمباني المجهّزة بمصاعد لنقترع فيها، لكن ما من آذان صاغية. كذلك عرضنا تعديل طريقة الاقتراع بالنسبة إلى المعوّقين بصرياً عبر استعمال لوائح بأحرف نافرة، وهي طريقة غير مكلفة. وللصمّ عبر وضع صورة المرشّح مقابل اسمه، وكذلك لم يطبّقوها. وهذا إمعان في مصادرة قرارنا من خلال مرافقة شخص آخر لنا قد يتلاعب بخياراتنا، وانتهاك كرامتنا وتعريض سلامتنا للخطر من طريقة حمل المقعدين".
الأحدالماضي وخلال جولتها في جزين، تلقت اللقيس وعداً من وزير الداخليّة والبلديّات نهاد المشنوق، بوضع خطّة تجهيز مراكز الاقتراع على جدول أعمال أول جلسة لمجلس الوزراء، والعمل على إيجاد مصادر تمويل لها من جهات رسمية وخاصّة. وهو ما تعتبره أشبه بذرّ الرماد في العيون وتعلّق: "التجهيز بحاجة للكلفة الأكبر، ولتضافر الجهود بين الوزارات المعنيّة (الداخليّة والتربية والأشغال). التزام الوزير يمكن وصفه بالكلام الجميل شكلياً، لكن في المضمون لا توجد فرصة لإحداث أي تغيير. فنحن نوضع في الزاوية دائماً، وهو أمر غير مقبول".
المطالبة بكوتا تضمن وجود هذه الفئة في مراكز القرار، بحيث يصبح الصوت مسموعاً، ليست في سلم الأولويات بالنسبة إلى لقيس، المطلوب هو "إزالة العوائق في بلدٍ خلّفت حربه الأهليّة آلاف الإعاقات، وتصرّ حكوماته المتعاقبة على تجاهل رسم سياسة وطنيّة لسدّ كلّ الحاجات، إضافة إلى تطبيق القانون، فكيف ننتخب، وكيف نعيش، وكيف نتنقل، وأين نعمل، ليست مجرّد تفاصيل".
تطبيق مبتور للقانون
مطلع الألفية الجديدة صدر قانون 220/2000 حول "حقوق الأشخاص المعوّقين" متضمّناً 100 بند وبندين، يفنّد فيها وجوب تأهيل وسائل النقل، وإلزام المؤسسات العامة والخاصّة بتوظيف المعوّقين بنسبة 3% ضمن طاقمها الوظيفي، إضافة إلى إقرار حقوق ذوي الاحتياجات الخاصّة بالسكن والعمل والخدمات والبيئة، والاستفادة من خفض الضرائب، إلّا أن تطبيقه جاء مبتوراً. وصدر عام 2009 المرسوم 2214/2009 الذي حدّد آلية عمل الخطّة الوطنيّة لتسهيل عمل ومشاركة المعوّقين في الانتخابات، من خلال تشكيل لجنة برئاسة وزارة الداخليّة والبلديات، مؤلّفة من وزارات التربية، والشؤون الاجتماعية، والأشغال العامّة والنقل، ومن مجلس الإنماء والإعمار وممثلي الجمعيات، دون الوصول إلى أي نتيجة والدليل أماكن الاقتراع غير المجهزة حتى اليوم. كذلك، تنتظر هذه الفئة تصديق المجلس للاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في إمعان واضح في تهميش هذه الفئة والاستهتار بحقوقها في سياسات الحكومات المتعاقبة، أوصلت البعض إلى مراحل متقدّمة من البؤس، كما حصل مع توفيق خوّام المقعد المسنّ الذي أحرق نفسه فوق كرسيه المتحرّك في البسطا التحتا خلال الصيف المنصرم.
لبنان ACGEN الأخبار حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة