Saturday, 16 July 2016 - 1:00am
لم ينتظر وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور "بيروقراطية" الدولة التي تعرقل الاقتراحات ومشاريع القوانين التي تقدم بها عدد من الوزراء والكتل النيابية والتي تتيح التغطية الصحية الشاملة للبنانيين، فأطلق بقرار منه "مشروع تأمين التغطية الصحّية الشاملة لمن تجاوز عمره الـ 64 عاماً من اللبنانيين في كل المستشفيات الحكومية والخاصّة". فما هو هذا المشروع ومن أين مصادر تمويله؟
يفيد جميع اللبنانيين من كل الفئات من التغطية الاستشفائية التي تقدر بنحو 95% من الفاتورة في المستشفيات الحكومية و85% في المستشفيات الخاصة، ولكن مع القرار الذي اتخذه الوزير أبو فاعور ستصبح التغطية الاستشفائية لمن تجاوز عمرهم الـ 64 عاماً 100% يفيد منها المتقاعدون والمسنّون الذين لا تشملهم تقديمات الضمان وبقية الصناديق الضامنة.
وتطبيق هذا القرار لا يحتاج الى تشريع كونه يتعلّق بتحديد آلية لتغطية صحية من الوزارة التي ستشرف على تطبيقه عبر آلية مراقبة في كل المستشفيات، إذ سيكشف مراقبوها على الفواتير في المستشفى ووزارة الصحة على السواء.
وهذه الخطوة هي الثانية التي أطلقتها الوزارة تحت العنوان الكبير الذي تطمح الى تنفيذه "التغطية الصحية الشاملة لكل اللبنانيين". فالمشروع الأول أطلق منذ أشهر قليلة ويتعلق بالرعاية الصحية الشاملة للناس الاكثر فقراً الذين حدّدهم البنك الدولي ووزارة الشؤون الاجتماعية بنحو 150 الف شخص، إذ تتم معالجة هؤلاء في المراكز الصحية (خارج المستشفى) مجاناً بموجب بطاقة خاصة زوّدوا بها على أن يتم بعدها استقبالهم في المستشفيات بتغطية 85% من وزارة الصحة، فيما تغطي وزارة الشؤون الاجتماعية النسبة المتبقية أي 15%.
قبل الدخول في تفاصيل المشروع الجديد، إرتأى المدير العام لوزارة الصحة وليد عمار تزويد "النهار" بعض الارقام "الصحية" للاضاءة على انجازات الوزارة في خفض الفاتورة الصحية واستخدام الوفر المحقق في مشاريع تهدف الى التغطية الصحية الشاملة لكل اللبنانيين، فأشار الى أن نسبة الانفاق على الصحة في لبنان كانت تقدر بنحو 12,4 من الناتج المحلي في التسعينات، وهو رقم استطاعت الوزارة خفضه الى 7,4%. كما استطاع لبنان أن يحقق الاهداف الالفية للصحة عبر خفض نسبة وفيات الامهات بنسبة الثلثين 60%، وكذلك وفيات الاطفال بنسبة 75%، وهو الدولة من بين 16 دولة في العالم التي استطاعت أن تحقق هذا الهدف. وتبلغ نسبة الانفاق للحكومة 31% من اجمالي الانفاق على الصحة، وهي وفق ما يقول عمار نسبة قليلة مقارنة ببقية الدول التي تناهز نسبة الانفاق فيها الـ 50%.
ما هي التقديرات المالية لكلفة المشروع؟ وفق وزارة الصحة، قدّر عدد الأشخاص الذين يحق لهم الافادة من الوزارة وهم غير مشمولين بالصناديق الضامنة بمليونين و121 ألف شخص، أما عدد المرضى الذين تتم معالجتهم على نفقة الوزارة فيقدّر بنحو 170 ألفاً بما يشكل 8% من الاشخاص الذين يحق لهم الافادة من تغطية الوزارة. والبعض منهم يدخل المستشفى أكثر من مرة، بما يعني أن هناك 254 الف حالة دخول سنوياً. وبهذا يكون عدد حالات الاستشفاء نسبة الى عدد المواطنين 12%، أما بالنسبة الى الذين تتجاوز اعمارهم الـ 64 عاماً الذين تغطي الوزارة تكاليف استشفائهم، فيقدر عددهم بـ 114 ألفاً منهم 31 ألف شخص يحتاجون الى دخول المستشفى سنوياً بما يشكل نحو 27%. أي أن عدد المرات التي تدخل فيها هذه النسبة الى المستشفى 55 ألف مرة (نسبة الاستشفاء لهذه الفئة العمرية 48%).
ووفقاً للأرقام التي يوردها عمار فإن كلفة الاستشفاء العادي على نفقة الوزارة تقدر بنحو 349 مليار ليرة سنوياً أي 55% من موازنة الوزارة، بينها 107 مليارات ليرة للذين هم فوق سن الـ 64 اي 17% من موازنة الوزارة فيما يدفع هؤلاء 17 مليار ليرة من جيبهم الخاص. لذا فإن هدف الوزارة وفق ما يقول عمار هو أن تغطي عن هؤلاء الـ 17 ملياراً والتي تشكل 2,7% من موازنة الوزارة، وهذا امر "لدينا القدرة عليه اذا ما عرفنا أن الاعتمادات الملحوظة لوزارة الصحة لسنة 2017 تقدر بأكثر من 24 مليار ليرة، بما يعني أن كلفة المشروع الذي تقدر بـ 17 مليار ليرة ستبقى ضمن موازنة الوزارة".
والى الزيادة الملحوظة في الاعتمادات، لا يبدو أنّ وزير الصحة قلق من توفير التمويل اللازم للمشروع كونه يعوّل على نظامي التدقيق اللذين اطلقهما قبل أكثر من سنة. "الاول أفضى الى توفير نسبته 12% من فاتورة الاستشفاء (نحو 7 ملايين دولار)، والثاني سيؤدي الى وفر بنسبة 5%، وهذا الوفر سنستخدمه في تعزيز الرعاية الصحية لغير المضمونين"، وفق ما كان قد صرّح به لـ "النهار".
في موازاة ذلك، اتخذت وزارة الصحة تدابير لترشيد الانفاق ومنها تطوير الرعاية الاوّلية (علاج وقائي، والتشخيص المبكر للأمراض)، بما يخفف الحاجة في المدى البعيد للاستشفاء. كذلك عمدت الوزارة الى تطوير قاعدة المعلومات التي تتعلّق بالمستفيدين من الجهات الضامنة على نحو يمنع ازدواجية الفوترة. يضاف الى هذين التدبيرين، التصنيف الذي اعتمدته الوزارة للمستشفيات والذي يصنّفها على اساس معايير جديدة لها علاقة بجدية الحالات الاستشفائية، وربطها بنوعية الخدمة وبتعقيد الحالات وجديّتها. ووفق عمار، سيستعان بمؤسسات خاصة للمراقبة والتدقيق.
ومشروع وزارة الصحة الذي سيحدّد أبو فاعور موعد انطلاقه من السرايا الثلثاء المقبل، كان قد سبقته مشاريع عدة في هذا السياق لم يحالفها الحظ كونها تحتاج الى اجماع سياسي، منها الاقتراح الذي تقدمت به كتلة "المستقبل" ويتعلق بالتأمين الصحي للمتقاعدين من الضمان والذي يؤمّن التغطية الاستشفائية لهم ولعائلاتهم ولكن عليهم دفع 9% من الحدّ الأدنى للأجور. كذلك رفع وزير العمل السابق شربل نحاس مشروعاً للتغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين الى مجلس الوزراء، ولكن عدم الاجماع عليه في مجلس الوزراء ابقاه حبراً على ورق. والمعلوم أن مجلس الوزراء كان قد وافق على مشروع قانون التغطية الصحية الإلزامية لجميع المواطنين غير المنتسبين الى أي جهة ضامنة الذي اقترحه وزير الصحة السابق محمد خليفة وسلك مساره القانوني مجلس النواب الذي أبقاه قابعاً في أدراجه.
لبنان ACGEN اجتماعيات النهار رعاية وضمان