إلغاء الترفيع الميسّر لتلامذة المدارس الرسمية بين مؤيد ومعارض: قرار ناقص يحتاج إلى تقييم وأسس علمية وتعليم تعويضي

لماذا إلغاء الترفيع الميسر؟ ما هي الفلسفة التربوية التي أدت الى اعتماد هذا النوع من التقويم، وتحديداً في الحلقة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي؟ ولماذا تعديل الآلية، من الترفيع الآلي الى الترفيع الميسّر؟ وأخيراً، لماذا تم إلغاء هذا الترفيع؟
تختلف مواقف التربويين بين مؤيد لهذا الترفيع وبين معارض له، كما يعتبر البعض أن الترفيع يجب أن يتوازى مع الدعم المدرسي، علماً أن الترفيع الآلي والميسر كان معتمداً منذ تطبيق المناهج الجديدة، لتلامذة صفوف الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، أي الأول والثاني والثالث الابتدائي. إلا أن جملة مشاكل واجهت هذه الطريقة، تمثلت برسوب عدد كبير من تلامذة الصف الرابع الابتدائي، جراء عدم رفد التلميذ المتأخر دراسياً عن رفاقه، بالدعم المدرسي اللازم لمواكبة صفه. والنقاش في فوائد الترفيع لم يتوقف منذ إقراره في المناهج التربوية والبدء في تطبيقه منذ العام 2000، فسجّلت آراء تفيد بأن الترفيع الميسر سلبي، والترفيع الآلي أكثر سلبية، أما المطلوب فإعادة عملية التقييم ووضع أسس علمية لها، وليس الاكتفاء بالإلغاء فقط.
وجاء قرار وزير التربية والتعليم العالي الدكتور حسن منيمنة في أيار الماضي، ليلغي الترفيع الميسر ويوقف تطبيقه بدءاً من العام الحالي، واستبداله بنظام تقييم يمكّن الإدارة من تقييم التلميذ منذ الفصل الأول من السنة بحسب نظام علامات أبجدي. وأتبع ذلك بعقد اجتماع وقّع مع مئة مدير مدرسة ابتدائية من أصل 435 عرفت نسب رسوب مرتفعة في صف الرابع الابتدائي، جراء الترفيع الميسر.
ويرى بعض المديرين في التعليم الأساسي الرسمي أن المردود النفسي الايجابي لتطبيق الترفيع الميسر أكثر بكثير من سلبية إلغائه، لأنه يترك الفرصة متاحة أمام التلميذ لكي لا يغادر المدرسة وهو طفل، وبالتالي يجب أن يترافق مع تعليم تعويضي، أي ما يعرف بالدعم المدرسي. كما يعتبر عدد من مديري التعليم المهني أن المرحلة التكميلية المهنية تعاني من الترفيع الآلي والميسر في التعليم الأساسي، بحيث يصلهم تلامذة منهكون في حاجة الى الحد الأدنى.
ويذهب عدد من المراقبين الى أبعد من فكرة دعم التلميذ أو عدمه، إذ يرى البعض أن في إطلاق الدعم المدرسي «منفعة لعدد من الأشخاص، في ظل ما يحكى عن قروض للمدرسة الرسمية، مع ما يتواكب ذلك من تعاقد جديد، وورش عمل وتدريب»، إلا أن المراقبين يرون أنه «على الرغم من ذلك، تستفيد المدرسة الرسمية وتلامذتها عبر إدخال بعض التعديلات في طرائق التدريس والتدريب والإعداد وغيرها».
ويرى مسؤول تربوي سابق أن الدعم المدرسي يحتاج الى جملة من العناصر يجب توافرها قبل البدء بأي عملية تقييم، تسبق إلغاء الترفيع الميسر وتجعله ترفيعاً عادياً يخضع لشروط تقييم جديدة (اعتماد المواد الأساسية للترفيع في اللغة العربية والأجنبية والرياضيات).
ولفت المسؤول التربوي السابق إلى أن الدعم المدرسي بحاجة الى «المكان» أي المدرسة، لأن الدعم برأيه «ليس ساعات إضافية لتقوية التلميذ بل هو رفع لمستوى المعلومات عند التلميذ حتى تتناسب مع معلومات زملائه في الصف».
ووصف المسؤول السابق فتح باب التعاقد مع أساتذة جدد من أجل الدعم، بأنه سيشكل خللا، لأن «الاستعانة بأساتذة جدد تعني ضياع التلميذ بين أسلوبين، ويفترض تدريب الأساتذة الموجودين لتأمين الدعم من قبلهم».
ويعتبر مفتش تربوي (فضّل عدم الكشف عن اسمه) أن الترفيع الميسر أفضل من الترفيع الآلي، لأن الأخير يرفع التلميذ بطريقة آلية مهما كان مستواه، أما الميسر «شرط أن يترافق مع دعم مدرسي» فهو يتوافق مع حقوق الطفل، المتمثلة في رفد الطفل بالحد الأدنى من العلم، مع القناعة بأن إعادة الصف لا تفيد التلميذ، وتجعله غريباً في صف جديد، برفقة تلامذة أصغر عمراً منه، ما يؤدي إلى تسرّبه في أغلب الأحيان.
أما الترفيع في التعليم المهني فقد أُوجد له حل، حسبما يؤكد مدير التعليم المهني والتقني أحمد دياب، الذي قال لـ«السفير»: «سيتم إلغاء شهادة الكفاءة المهنية.. كما أن العمل جار لتعديل النصوص القائمة بالدخول الى السنة أولى BT، (لحملة إفادة الترشيح إلى الشهادة المتوسطة)، من خلال وضع ضوابط معينة، بحيث أن كل تلميذ نال معدلاً دون السبعة على عشرين، يخضع في السنة الأولى الى تدريس مواد عامة إضافية عن زملائه الذين يحملون الشهادة المتوسطة، بغية تقويته ليصبح من مستوى زملائه الحائزين على الشهادة».
وعن السبب في اتخاذ القرار، أوضح وزير التربية حسن منيمنة لـ«السفير» أن القرار الذي صدر في العام 2000 «أبرز قدرة التلامذة على استيعاب مناهج المرحلة الأولى الأساسية وترافق مع شروط أهمها تأمين الدعم المدرسي، لكن هذا الدعم لم يتوافر، وأصبحنا نواجه مشكلة كبيرة إذ يصل التلميذ الى الصف الرابع الابتدائي عاجزاً عن القراءة والكتابة نتيجة الترفيع من دون ضوابط أو دعم مدرسي. ويواجه التلميذ في الصف الرابع مواد تعليمية تتطلب منه القراءة والكتابة والحساب والعلوم، وهو ضعيف المستوى، فيعيد صفه مرة أو مرتين».
وأشار إلى أن آخر الإحصاءات أظهرت أن تلامذة الصف الثالث الأساسي الذين يبلغ عددهم نحو 18000 تلميذ يصبحون في الصف الرابع الأساسي نحو 27000 تلميذ، «ما يعني إعادة متكررة للتلامذة المقصرين وتضخم عدد الشعب في الصف الرابع، وفرقاً بالعمر مع التلميذ العادي، فالتسرب خارج المدرسة».
وقال: «لذلك قررنا إعادة النظر بهذا الترفيع ووضع شروط. فأصبح الترفيع على أساس مجموع علامات من أصل سلم أ.ب.ج.د. وذلك في المواد الثلاث الأساسية، اللغة العربية واللغة الأجنبية وأصول الحساب.. ومن ينل أدنى من معدل د، فلا يتم ترفيعه».
وعن كيفية اختيار المدارس لتطبيق الدعم المدرسي التدريجي فيها، أوضحت منسقة مشروع الدعم المدرسي في وزارة التربية د. وفاء قطب لـ«السفير»، أنه «بناء على معلومات المركز التربوي للبحوث والإنماء في العام 2008/2009، تم انتقاء مئة مدرسة من أصل 435 مدرسة ابتدائية تدرس المرحلة الأولى من التعليم الأساسي (الأول والثاني والثالث ابتدائي)، كخطوة أولى على أن تليها خطوة ثانية للحلقة الثانية من التعليم الأساسي».
واعتبرت إلى أن «الهدف هو النهوض بالمرحلة الابتدائية، ومن ثم تأمين انطلاقة جيدة للتلميذة في الحلقة الأولى، من خلال سد الثغرات الموجودة، عبر تدريب المعلمين على كيفية تقديم الدعم المدرسي للتلميذ، في خلال اليوم الدراسي، عبر تحديد ساعات، إذ يمكن استبدال ساعة الرياضة أو الأنشطة اللاصفية بساعة دعم في المادة التي يعتبر فيها التلميذ مقصراً». وشددت قطب على أن «الغاية هي حماية التلميذ في المرحلة العمرية الصغيرة من التسرب، أو الترفيع الى الصف الرابع الابتدائي ضعيفاً في المواد الأساسية، لأن المهم هو الوصول بالتلميذ الى هذا الصف ويكون قادراً على الإيفاء بما هو مطلوب منه، أي القراءة والكتابة في مواد اللغتين العربية والأجنبية والرياضيات».
في مقابل ذلك، يستمر عدد من المدارس الخاصة في تطبيق الترفيع الميسّر.
وأكد أمين عام مدارس العرفان الشيخ سامي أبو المنى لـ«السفير» أن مدارس العرفان تسير بالترفيع الميسر بناء على قرار لجنة الاساتذة الموكلة إليها مهمة دراسة وضع التلميذ التعليمي: «فإذا كان مقصراً في إحدى المواد، ترفع اللجنة تقريرها الى الإدارة لمعالجة الخلل. فالمهم هو منع التلميذ من إعادة سنته الدراسية، لأن ذلك سينعكس سلباً على نفسيته، والتلميذ الذي يبدأ حياته الدراسية بإعادة صفه، سيواجه مشكلة تتمثل في تسربه مبكرا من المدرسة. لذلك، أرى أن الترفيع الميسّر مع دعم التلميذ أفضل من إلغائه».
وشدد على أن «الدعم المدرسي يجب أن يتوازى مع الترفيع، وإذا لم يحصل تعاون مع الأهل، يكون مصير التلميذ على المحك»، معتبراً أن «الدعم هو عبارة عن تعاون مع الأهل وتفاهم مع المعلم من خلال إجراء مجموعة من التمارين». ورأى أنه «كلما أعطينا التلميذ المزيد من التمارين، يتفتح ذهنه أكثر». وفضل أن يكون الدعم في خلال أيام الدراسة.
من جهته، أعلن رئيس رابطة معلمي التعليم الأساسي في الجبل كامل شيا أنه مع إلغاء الترفيع الميسّر «لأنه ضرب التعليم الرسمي الأساسي، فالتلميذ يرفع الى الصف الرابع ضمن أبجدية (أ.ب.ج.د.) والخطأ ليس في الترتيب بل في التقييم. ما تم استدراكه في وضع العلامات، فإذا نجح التلميذ في المواد الأساسية أي اللغتين العربية والأجنبية والرياضيات، يتم ترفيعه، بعدما كان النجاح مطلوباً في المواد كافة». وقال لـ«السفير»: «أكثر صف يسجل فيه رسوب هو الصف الرابع الأساسي، لأن الترفيع يتم بشكل ميسر، وقد اكتشف المسؤولون في وزارة التربية المرض الذي نعرفه مؤخراً، واشترطوا لترفيع التلميذ النجاح في المواد الأساسية الثلاث».
وشدد شيا على أهمية أن يكون الدعم المدرسي ضمن الدوام المدرسي: «عدد كبير من التلامذة لا يتمتعون بالإمكانات لتلقي الدعم خارج المدرسة، ويمكن أن يتم ذلك في ساعات الأنشطة، ويترافق مع مواكبة الأهل وعقد لقاءات معهم لنحصل على النتيجة المطلوبة».