حقوق المواطنة الاجتماعية من اجل بناء الدولة المدنية

لان المواطنة غاية وممارسة في آن واحد، ولان الدولة المدنية المنشودة هي دولة الحقوق المدنية والإجتماعية، خصوصا التعليم الرسمي المتقدّم نوعيا والخدمات الصحية الأساسية لجميع المواطنين/ات. ولان الثورات وحراك الشعوب العربية كانت ملهماً لهم/ن، أبى شبان وشابات لبنان أن يكونوا/ن غائبين/ات عن ساحات التغيير وقرروا رفع الصوت، مطالبين/ات بحقوق المواطنة التي تتجاوز النظام الطائفي الذي بات يشكّل عبئا ثقيلاًً على الجميع.
من المعروف ان وثيقة الوفاق الوطني كانت قد أوردت بنداً تحدث عن تجاوز النظام الطائفي في محاولة لوضع آلية صحيحة لمعاجلة آفة هذا النظام من خلال تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية في المجلس النيابي اللبناني، لكن على الرغم من مرور عقدين من الزمن على إبرام هذه الوثيقة إلا أن هذه المادة لم تنفذ بعد، بأي من بنودها وخاصة إقرار قانون انتخابي على غير أساس طائفي ومذهبي وكذلك إلغاء الطائفية من الوظائف الرسمية (ما عدا الفئة الأولى).
وهكذا فان التحرك الشبابي الذي بدأ في نهاية شباط الماضي لم يكن وليدة فراغ بل نتيجة تراكم المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن النظام الطائفي الحالي والتي تستوجب معالجات لم يعد النظام قادراً على استيلادها.
إن الدولة المدنية القائمة على أساس المواطنة الكاملة والفاعلة والمتساوية لجميع المواطنين/ات هي الأساس الذي يجب أن يقوم عليه الحراك الحالي كون هذا المطلب يلحظ بالضرورة إيجاد حلول لكافة القضايا الأساسية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية منها في لبنان.
إن المواطنة تعني في إطارها الأشمل بناء علاقة مباشرة متينة بين الفرد في المجتمع، والدولة بدون وسيط طائفي أو مذهبي، أو إنتماء مناطقي أو عائلي. إن تحقيق ذلك يفترض توفر شرطين أساسيين: بناء الدولة المدنية التي تكفل الحقوق الأساسية للمواطن/ة بصورة متساوية، و اعتماد نظام سياسي لاطائفي و ديمقراطي يكفل الحريات لكافة أطياف المجتمع والذي يشارك فيه المواطنين/ات كافة بصورة فاعلة وعلى قدم المساواة.
لا ريب في أن مسيرة الدفاع عن حقوق المواطنة والمطالبة بالدولة المدنية اللاطائفية ستستمر حتى بلوغ الدولة المنشودة، لكن الوصول الى ذلك يستلزم التركيز على القواسم المشتركة بين أفراد المجتمع الواحد، المنقسم حاليا من حيث الانتماء، والهوية والولاء للمرجعيات السياسية. فبقدر ما يتبلور الاتفاق بين الأطراف المتنوعة المشاركة في التحركات حول المطالب وسبل تحقيقها تتأمن الظروف للولوج لدولة المواطنة.