اطلقت الجامعة الاميركية في بيروت دراسة عنوانها: "وجه الفقر الانساني في لبنان" سعت الى تعزيز المعرفة بالفقر في لبنان وتقديم لمحة عنه، مع محاولة لمعرفة من هم هؤلاء الفقراء وأين يعيشون، وكيف هو واقعهم، والبحث عن القوى المحرّكة الكامنة وراء الفقر، قوى تعجز المؤشرات الاقتصادية عن شرحها بسهولة.
شملت الدراسة ثمانية تجمعات، منها 5 ريفية: مرح وبجعة (في عكار)، والوزّاني (في مرجعيون)، والجميجمة (في بنت جبيل) وعرب الحروك (وهو مجتمع بدوي في البقاع)، و3 مدينية هي: حيّ الغربي (في بيروت)، وحيّ التنك ( في منطقة الميناء، خارج طرابلس، شمال لبنان) وكرم الزيتون (الأشرفية - بيروت) بالاضافة إلى مجتمع لاجئ تمثل بمخيمي البص وجلّ البحر الفلسطينين بصور.
وفي سعي للإجابة عن سبب عدم التوصّل إلى نتائج ملموسة في مكافحة الفقر في لبنان حتى الآن، كشفت الدراسة عن "أن المقاربة التي تستند الى ضمان الوصول إلى الخدمات والدّعم أو تحسين سبل العيش والدّخل لا تكفي وحدها للتصدّي للفقر" وان "الهيكلية الطائفية والمذهبية للمجتمع اللبناني لا تسمح بحصول حراكٍ اجتماعيّ".
وشددت الدراسة على أن تحسين سبل العيش والوصول إلى الخدمات "تُعتبر تدخلات قيّمة، من شأنها أن تُبعدَ الفقر الشديد، لكنها نادرًا ما تؤدي الى تحسين الوضعي الاجتماعي والاقتصادي للفقراء أو تسمح لهم بالخروج من دائرة الفقر". واضافت الدراسة "ومع أنّ اكثرية الفقراء يستطيعون الحصول على التعليم الأساسي، إلا أنهم يعجزون عن الخروج من الفقر المزمن، ويظلّون بالتالي ضعفاء".
واشارت الدراسة إلى أن الفقراء عامة ينتمون إلى "مجتمعاتٍ مهمشةٍ، وهم معزولون إمّا جغرافيًا (في مناطق نائية من البلاد)، أو اجتماعيًا، في جيوب ضمن المناطق المدينية. وهكذا، يبقون ضعفاء، لا صوت لهم، لأنّ أصحاب النفوذ والسلطة يتجاهلونهم".
وعلى الرغم من ذلك، رأت الدراسة أن لبنان قدّم في الأعوام الخمسة عشر الماضية "أمثلة عن تحرّكاتٍ إجتماعية مكّنت الفقراء والمهمشين، وأدخلتهم صلب المجتمع اللبناني".
واكدت الدراسة على ان 28.54 في المئة من السكان في لبنان يعيشون تحت خط الفقر الوطني، وان هناك ثمّة "فئات ضعيفة" إضافية يقدّر عددها بحوالي مليون نسمة، لا يحمل عدد كبير منهم الجنسية اللبنانية، يشكّلون 20 في المئة من إجمالي السكان.
وبحسب الدراسة، فان العوامل المختلفة التي ساهمت في انتشار الفقر، تتمثل "بانعدام أي نوع من الأمان الإجتماعي لمساعدة الفقراء على مواجهة الصدمات والحالات الطارئة. وتمثل التحويلات الخارجية التي ترسلها أسر وأقارب من الخارج شبكة الأمان الاجتماعي الأكثر شيوعًا في لبنان، وهي شبكة لا يحظى بها الفقراء. وما يزيد الأمر سوءًا هو أنّ معظم الفقراء يعملون في القطاع غير النظامي وغالبًا ما تكون سبل عيشهم غير مضمونة أو غير مستقرّة. وانه نظرًا إلى عدم حصولهم على وظائف نظامية، لا يحقّ لهم الاستفادة من الضمان الاجتماعي.
اما في ما يتعلق بالسكان اللاجئين، فاشارت الدراسة الى ان لبنان لم يوقّع على اتفاقيّة حقوق اللاجئين، ولذلك، لا يحظى معظم اللاجئين المقيمين على اراضيه إلا بحماية محدودة وبفرص متفاوتة للحصول على الخدمات الأساسية، مما يُبقي مستقبلهم غير آمن ما لم يردّوا إلى أوطانهم أو يعاد توطينهم في بلدٍ ثالث. أما الباقون منهم، فيعيشون على حافة الفقر.