وزراء الداخلية و«الشؤون» والعدل يربطون أطفال الشوارع بالاتجار بالبشر

وعود بـ«حلول اجتماعية ورعائية تحفظ كرامة الحدث لبنانياً كان أم أجنبياً»
وزراء الداخلية و«الشؤون» والعدل يربطون أطفال الشوارع بالاتجار بالبشر
حمل اجتماع وزراء «الشؤون الاجتماعية» و«الداخلية والبلديات» و«العدل»، الذي عقد في «الشؤون» أمس، بعداً جديداً في التعاطي مع قضية الأطفال الموجودين في الشوارع اللبنانية، على الرغم من اجتماعات لا تعد ولا تحصى خصصت للموضوع عينه، وأطلقت عبرها خطط وصلت تكلفة إحداها، على سبيل المثال لا الحصر، إلى مليار ومئتي مليون ليرة لبنانية، وقد طرحت في أواسط تسعينيات القرن الماضي.
وبما أنه من المبكر الحديث عن جدوى ما أعلن عنه أمس، بانتظار خطة العمل التي وعد بها وزير الشؤون وائل أبو فاعور، والتي من المفترض أن تضعها لجنة مؤلفة من ممثلي الوزارات الثلاث المعنية بالقضية، يمكن إيراد عدّة ملاحظات حول الاجتماع بحد ذاته.
أولاً، هي المرة الأولى في لبنان التي يجري فيها ربط مشكلة الأطفال الموجودين في الشوارع، بشبكات الاتجار بالبشر، بما أنه أصبح للبنان قانون خاص به، وإن تم دمج مواده ضمن قانون العقوبات اللبناني. وتتجلى أهمية الربط المذكور عند العودة إلى دراسة كانت قد أنجزتها وزارة العدل في العام 2008، ونفت فيها «وجود اتجار بالبشر بالنسبة إلى الأطفال في الشوارع في لبنان». يومها، علق أحد الضالعين في العمل مع الأطفال بالقول: «تبين لنا أن الدراسة لم تلحظ التعريف الصحيح للاتجار بالبشر». وبالتالي، فإن اجتماع الأمس يعني عودة الدولة نفسها إلى الاعتراف بترابط المشكلتين معاً.
ثانياً، للمرة الأولى أيضاً، يخرج وزير للشؤون ليتحدث عن الأطفال في الشوارع، من لبنانيين وغير اللبنانيين، ليؤكد أنها «مسؤولية الدولة، بغض النظر عن جنسية الطفل، وأن حلها يجب أن يكون عبر المقاربة الاجتماعية والرعائية والوقائية بالدرجة ألأولى، وليس فقط أمنياً وقضائياً»، ما ينسجم مع روحية اتفاقية حقوق الطفل التي وقعها لبنان قبل اثنين وعشرين عاماً من اليوم.
وكان قد سبق لوزراء «شؤون» سابقين أن تحدثوا عن المشكلة كأنها «طارئة» على لبنان، وكأن «الغريب» هو من يتسبب بها، في إشارة إلى وجود عدد من الأطفال السوريين والفلسطينيين والعراقيين من ضمن أولئك الموجودين في الشارع.
في المقابل، يمكن التوقف عند محظور أساسي بالنسبة إلى ربط مشكلة الأطفال الموجودين في الشوارع بجريمة الاتجار بالبشر، وضرورة ملاحقة رؤساء «العصابات والمافيات» التي تحدث عنها الوزراء الثلاثة، وما يمكن أن ينتج عن الربط من تغاض عن عدد لا بأس به من الأطفال الموجودين في الشوارع لعجز أسرهم عن تأمين احتياجاتهم أو تعليمهم أو رعايتهم، فالاعتماد على ما قد يعودون به من مردود سواء عبر التسول المباشر، أو بيع «العلكة»، وغيرها من مظاهر التسول المقنّع.
وهنا، يطرح سؤال عن التنسيق الواجب ما بين مشروع «الأسر الأكثر فقراً» الذي أطلقته وزارة الشؤون مؤخراً، وبين ضرورة احتضان أسر الأطفال الموجودين في الشارع، بطريقة تحفظ وجود الطفل ضمن أسرته، وليس انتزاعه منها لإيوائه في المؤسسات الرعائية.
وعلمت «السفير» من مصادر موثوقة أن ربط مشكلة أطفال الشوارع بجريمة الاتجار بالبشر ترسخت بعد ضبط حالات «تشغيل» لفتيات تحت سن الثمانية عشر عاماً في البغاء. ومن بين خمس حالات تم ضبطها لتشغيل الفتيات - الأطفال، قبض على قوادين اثنين يشغلان فتاتين في بغاء الشوارع، كما تجري متابعة التحقيقات في ملف ثلاث فتيات يتم تشغيلهن ضمن «بيئتهن المحلية»، أي بشكل أكثر سرية، وفي الشقق والمنازل.
أما بالنسبة إلى دور المؤسسات الرعائية التي تحدث ابو فاعور عن التعاون معها على مستوى مشكلة الأطفال في الشوارع، يمكن السؤال عن مصير الفلسفة الرعائية التي تتولى الأمم المتحدة تسويقها منذ حوالى 15 سنة، والتي تقضي بمساعدة الأسر الفقيرة والمعدمة على احتضان أطفالها، وليس إلحاق هؤلاء بدور الرعاية، وبالتالي سلخهم عن بيئتهم الطبيعية ومحيطهم العائلي. وهنا، أكد أبو فاعور أن اللجوء إلى المؤسسات الرعائية لن يتم إلا في حال عدم وجود عائلة للطفل المشرد، «أي أنه ستجري دراسة كل حالة على حدا».
وبالعودة إلى قانون الإتجار بالبشر، يتضح أن التسول في مقابل بدل مالي هو جزء من جريمة الإتجار بالبشر، كما الزواج المبكر في مقابل مهر محدد، وكذلك التبني غير الشرعي الذي تقوم به بعض مؤسسات الرعاية، بالإضافة طبعاً إلى البغاء، وهو ما يحدث في شوارع لبنان، بحسب ما أكد وزير الداخلية مروان شربل خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد إثر اجتماع الأمس.
وأشار الوزير شربل إلى أن «هناك من يعمل على تشغيل فتيات لا يتجاوز عمرهن الثلاثة عشر عاماً في البغاء»، لكون «سعرهن يكون أفضل من غيرهن»، كما قال.
ورداً على سؤال حول جهود القوى الأمنية في القبض على الجناة، تحدث شربل عن القبض على بعض مستغلي الأطفال وتشغيلهم في الشوارع في العام 1994. ووعد وزير الداخلية بملاحقة المافيات والعصابات التي «تستأجر الأطفال من أهاليهم، ربما بعشرة آلاف ليرة في اليوم مدفوعة سلفاً، لتقوم بتشغيلهم في الشوارع».
ويأتي اجتماع الأمس الذي حضره الوزراء ابو فاعور وشربل وشكيب قرطباوي (العدل)، في الوقت الذي تعمل فيه «لجنة المرأة والطفل النيابية» على تعديل القانون 422 الخاص بالأحداث، ودمجه مع «قانون أطفال الشوارع» الذي كان مطروحاً سابقاً. ويرتكز التعديل على منح القانون 422 بعداً وقائياً وتعزيز إجراءات حماية الطفل - الحدث، ومنحه بعداً أعمق بالنسبة إلى المعالجات الاجتماعية البعيدة عن الأمن والقضاء، إلا في الحالات الضرورية.
وبعد اجتماع الوزراء الثلاثة، بحضور المدير العام للأمن العام اللواء أشرف ريفي والأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة ايلي مخايل، عقد المجتمعون مؤتمراً صحافياً حمّل فيه أبو فاعور مسؤولية حماية جميع الأطفال المتزايدة اعدادهم في الشوارع من لبنانيين وغير لبنانيين للدولة اللبنانية، «بما يحفظ حقوق الطفل وكرامته، وليس فقط لتخفيف الإزعاج عن المواطن على إشارات السير».
وبعدما ربط زيادة الظاهرة بما يحدث على الحدود من جهة وبوجود تجمعات سكانية معينة في لبنان، وزيادة عدد اللاجئين من جهة أخرى، اكد أبو فاعور أن «الوزراء الثلاثة شددوا على ضرورة مقاربة المشكلة من زاوية اجتماعية ورعائية وحمائية، قبل الزاوية الأمنية والقضائية». وأشار إلى الاتفاق على تشكيل لجنة من الوزارات الثلاث لوضع خطة عمل يعلن عنها خلال 15 يوماً.
من جهته، أكد قرطباوي أن «الخطة ستكون متكاملة بأجزائها الاجتماعية والأمنية والقضائية - القانونية»، واعداً بـ«تعاط قضائي مختلف في ملفات الطفولة والأحداث».
وبانتظار الخطة التي ستضعها اللجنة المؤلفة من الوزارات الثلاث، لم تجر الإشارة أمس إلى مسؤولية الأهل الذين يدفعون بأطفالهم إلى الشوارع، وضرورة معاقبتهم على فعلتهم، كما لم يتم التوقف عند واقع بعض المؤسسات التي تؤوي أطفالا كانوا في الشارع، والتي تحول بعضها إلى مجرد «سجن» ملطف للأطفال، من دون أي جهد تعليمي أو تأهيلي ينتج عنه إعادة دمج الطفل المشرد في الحياة العادية الطبيعية.

الخميس 12 كانون الثاني2012