يخصص صندوق النقد الدولي جزءاً من تقريره الأخير عن لبنان لرصد سوق العمل والأجور والحماية الاجتماعية، ويُرفق تقريره بخلاصة النقاشات التي أجراها البنك الدولي مع المسؤولين اللبنانيين في شأن القضايا الملحّة. ولأهمية الموضوع تنشر "مجال" مقتطفات من ما تضمنه التقرير حول ذلك.
يتفّق صندوق النقد الدولي مع البنك الدولي على أنّ هناك 8 ميادين للإصلاحات الهيكلية تُعدّ بالغة الأهمية نظراً إلى دورها المركزي في تمتين المالية العامّة والنموّ المستدام؛ من بينها إصلاح السياسة الضريبية وتحسين الخدمات الاجتماعية وشبكات الأمان.
وعن هاتين المسألتين، تقول المؤسّستان في ورقتهما المشتركة للعمل في عام 2012 (التي أرفقها الصندوق أخيراً في تقريره عن لبنان) الآتي:
أ- حول الإصلاحات:
- على لبنان ان يتحول نحو نظام ضريبي أكثر عدالة من خلال توسيع القاعدة الضريبية وزيادة معدّلات الضرائب المفروضة على الأرباح الرأسمالية والسلع المفروض عليها رسوم. ويجب أن تترافق إصلاحات السياسة الضريبية مع إصلاحات خاصّة لإعادة هيكلة وتحديث إدارة الإيرادات وتحسين الامتثال الضريبي.
وفي هذا السياق، يرى التقرير ان الإصلاح الضريبي بالغ الأهمية لأنّ العبء الضريبي المفروض على الأجور (بما في ذلك الاشتراكات) هو مرتفع جداً حالياً، كذلك فإنّ تحقيق النموّ الاقتصادي الدامج اجتماعيا (أي غير التهميشي بحيث يمسّ النموّ الاقتصادي الجميع، لا قلّة) يعتمد على اعتماد نظام توزيع أكثر عدالة للدخل وإدارة أكثر شفافية وفعالية للإيرادات الضريبية.
- من بين الإصلاحات الأخرى المطلوبة على صعيد الخدمات الاجتماعية وشبكات الأمان يقترح التقرير التالي:
1- في القطاع الصحي، عقلنة الإنفاق وتوسيع التغطية الصحية.
2- في قطاع التعليم، تحسين نوعية التعليم الرسمي بما فيه تقوية التعليم الثانوي والتدريب المهني.
3- تمتين الاستدامة المالية والإدارية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإصلاح نظام الاشتراكات
4- تحسين آلية استهداف الأكثر حاجة في برامج الحماية الاجتماعية.
ترى المؤسستان ان تلك الإصلاحات بالغة الأهمية نظراً إلى أنّها ستزيد من فعالية الإنفاق العام، وهي أساسية لتحسين إنتاجية القوى العاملة وتمتين آفاق النمو وخفض معدّل عدم المساواة وتوليد الدعم السياسي للتمتين المالي.
ب- حول النمو الاقتصادي
كما شددت بعثة صندوق النقد في تقريرها الذي صيغ بموجب مشاورات المادّة الرابعة مع السلطات اللبنانية على أنّ النموّ الذي سجّله لبنان لم يكن دامجاً وأنّ تصحيح الأجور، وتحديداً الحدّ الأدنى، وفقاً للصيغة التي كان قد اقترحها وزير العمل شربل نحاس وأقرّها مجلس الوزراء، كان سيرفع الأجور إلى المعدّلات السائدة في المنطقة... ويقصد التقرير إقرار مجلس الوزراء في أواخر كانون الأوّل (2011) لمشروع تصحيح الأجور الذي رفعه وزير العمل، غير أنّ مجلس شورى الدولة أبدى رأياً سلبياً فيه، كونه أدخل بدل النقل في صلب الراتب الأساسي... وتقول البعثة في هذا الشأن:
يجب أن يتسارع النمو ويُصبح أكثر توازناً ودامجاً اجتماعيا. فالنموّ السريع المسجّل بين عامي 2006 و2010 تركّز في بيروت وضواحيها. وتوضح الأدلة أنّ زيادة التشغيل بقيت محدودةً ومركّزةً في الوظائف منخفضة المداخيل في قطاعات البناء وتجارة التجزئة والضيافة. ونتيجة لذلك تبقى البطالة، وتحديداً في صفوف الشباب، مزمنة والفقر منتشراً.
ج- سوق العمل
... تتركّز البطالة في صفوف الشباب والمتعلّمين. وفي عام 2007 كان معدّل البطالة العام 10% وفقاً للإحصاءات الرسمية، فيما مثّل الشباب وأصحاب التعليم العالي 45% و30% من العاطلين من العمل على التوالي.
من جهة أخرى، فإنّ قدرة الاقتصاد على توليد الوظائف النوعية تبدو ضعيفة. فبين عامي 1998 و2009 نما الناتج بمعدّل سنوي بلغ 4%. ولكن في المقابل بقي التشغيل ثابتاً على نحو كبير ومتركّزاً في القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة. ويبدو أنّ معدّل العمالة غير المصرّح عنها (غير الرسميّة أو الرمادية) قد ارتفع؛ أكثر من ثلث العمال والأجراء في لبنان غير مصرّح عنهم.
وتعتمد العمالة غير المصرّح عنها إلى حدود بعيدة على العمالة الأجنبيّة، والتحويلات الخارجة (أي الأموال التي يحوّلها العمال الأجانب في لبنان إلى مسقط رأسهم) تساوي الآن ضعف ما كانت عليه في بداية الألفية.
وتعاني سوق العمل في لبنان من التفاوت في المهارات بين المعروض والمطلوب، ومن الجمود، ومن اتساع الهوّة بين مستوى الأجر السائد والأجر الذي يطالب به العمال مقابل عملهم. وتتمتع قوّة العمل في لبنان بمستوى عال من التعليم، والعديد من العمال يُمكن أن يعملوا في إحدى الفترات في الخارج. لكن يبدو في الوقت نفسه أنّ هناك عدم تطابق في المعروض من المهارات والمطلوب منها، حيث تقول الشركات إنّ تراجع مهارات العمل هي من بين القيود التي تحدّ أعمالها. كذلك يرى أصحاب العمل أنّ قوانين العمل وضمنها آلية تعويضات نهاية الخدمة هي عائق أمام التوظيف.
ومع إقرار زيادة الأجور أخيراً، سيُصبح الحدّ الأدنى من بين الأعلى في المنطقة، ولكن بعد مقارنته مع كلفة المعيشة يكون هذا الحدّ الأدنى قريباً جداً من المعدّل السائد إقليمياً.
وفي هذا الإطار، لاحظ التقرير ان التحويلات الكبيرة وارتفاع أكلاف التعليم يساهمان في انتشار البطالة الإرادية من خلال إبقاء الأجر الأدنى الذي يُمكن أن يقبل به العمّال مرتفعاً.
ويخلص التقرير، الى أن ثمة اتفاق بين المؤسستين والسلطات اللبنانية على أنّ تحقيق نموّ أعلى وأكثر استدامة، وبالتالي خفض ملموس في البطالة، يستلزم إدخال تحسينات كبيرة على البنية التحتية وبيئة الأعمال وسوق العمل.