Wednesday, 17 July 2013 - 12:09pm
أول من أمس كانت باحة مستشفى المنية مسرحاً لأبشع حالة يمكن تصورها. مرضى ومصابون تم رميهم على قارعة الطريق، هرج ومرج داخل المستشفى في لوحة سوريالية بامتياز. هم جرحى معارك القصير، يجتازون رحلتهم الثانية بين الموت والحياة، بعدما كانت رحلتهم الأولى جحيماً، كُتبت للذين عبروها أعمار جديدة.
تلخص ملحمة الجرحى السوريين فصلاً جديداً من فصول تجارة الدم، في لعبة التلذذ باستعراض عذابات الضحايا، وهي لعبة أدمن مرتكبوها الرقص على حافة التناقضات، حتى امتهنوها لدرجة جعلت الناظر يعجز عن الفصل بين المجرم والضحية.
إدارة المستشفى تلقي خارجها بعشرات الجرحى دفعة واحدة. مثل هذا الحدث كان يستوجب عقد خلية أزمة في وزارة الصحة، وأن تهرع وسائل الإعلام لتغطية الحدث، كما استنفار الأطقم الطبية في باقي المستشفيات وقيام الأجهزة المختصة بالتحقيقات اللازمة لجلاء الواقع. لكن شيئاً من ذلك كله لم يحدث.
الطريق إلى المستشفى ليس معبداً بالأفكار الحسنة، خصوصاً أن طيف إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير لا يزال يخيم هناك منذ عيادته جرحى القصير، وتعبيره «السلمي» عن تضامنه معهم، وذلك قبيل موقعة عبرا الشهيرة بأيام. مع الاقتراب من المستشفى تزداد الهواجس، حيث باحته شبه مقفرة، لا حارس قضائياً، ولا عنصر أمن، فقط موظف (ربما موظف) ممدد على مقعد في الخارج، ولدى سؤاله عن مدخل المستشفى يشير إلى أن ذلك الذي يشبه مدخلاً خلفياً لأي مستشفى هو المدخل الرئيس.
في محاولة الدخول إلى المستشفى، ينتصب فجأة أحدهم أمام الباب، وبوجه كالح يسأل «من أنت، وماذا تريد؟»، الجواب ببساطة «مقابلة مدير المستشفى»، فيقول «المدير هنا وليس هنا، والحكي اليوم ممنوع». يحضر شخص آخر يبدو أن له موقفاً آخر، وقبل أن يتحول تباين المواقف بين الرجلين إلى ما هو أسوأ، بدت مغادرة المكان الحل الأنسب.
في هذه الأثناء كان مدير المستشفى يتابع عمله في أحد مستوصفات المنية. بالاتصال معه تلقف الفكرة، وكأنه يرغب بمقابلة أي وسيلة إعلامية يشرح فيها الموقف. في مستوصف المنية بدا مدير المستشفى أشبه بموظف بسيط مضت عليه أشهر لم يقبض فيها معاشه. يقول صاحب المستشفى عامر علم الدين إن كل ما أشيع عن قيامه بطرد الجرحى من المستشفى عار من الصحة، ثم ينغمس في سرد تفاصيل استقباله الجرحى في مستشفاه المتواضع أصلاً، مضيفاً أن المستشفيات الكبرى رفضت استقبال الجرحى، لكن «لدوافع إنسانية فضلت قبول المهمة رغم أن تجهيزات المستشفى وسعته لا تسمح، ومع ذلك كان الرهان على إنقاذ ما يمكن إنقاذه على قاعدة لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
يقول عامر علم الدين إن المستشفى استقبل الجرحى بداية من دون احتساب تكاليف الربح والخسارة، وذلك قبل أن يتواصل مع مسؤول جمعية اللاجئين السوريين في لبنان خالد المصطفى، ويوقع معه عقداً يتضمن تفاصيل كلفة الاستشفاء. ولأن تجهيزات المستشفى والإمكانات المالية غير كافية، فقد تعاقد علم الدين مع مركز للتصوير الطبقي المحوري، ومع إحدى الصيدليات، على أن يسدد لهم تباعاً الفواتير المستحقة، كما رحب بتطوع أطقم طبية للمساعدة من أجل تخفيف أكلاف العلاج. ثم يضيف أن عشرين يوماً مضت ولم يتصل به خالد المصطفى للبحث في المستحقات، وأنه شخصياً لم يعد قادراً على تأمين ما يلزم على نفقته، وأن أصحاب الصيدلية ومركز التصوير والموظفين، راحوا يلحّون في طلب مستحقاتهم. اتصل بالمصطفى، فوعده بإرسال دفعة. اتصل به ثانية، لكن من دون جدوى. مرة أخرى يطلب فواتير مفصلة أكثر، ومرة يتحجج بالأحوال الأمنية في طرابلس، فيطلب فتح حساب باسم المستشفى ليرسل حوالة مالية، وبعد طول عناء ومطالبة أرسل دفعة مقدارها سبعة آلاف دولار من أصل ثمانية وأربعين ألفاً.
علم الدين لم يكن يود أن يظهر ضعف حال المستشفى قبل شروعه باستقبال الجرحى السوريين، فقال دون انتباه إن فاتورة اشتراك المولد الكهربائي ارتفعت من مئة وخمسين ألف ليرة إلى سبعمئة ألف. هو إذن مستشفى من دون مولد كهربائي، وبِطاقة تشغيل ضعيفة تشبه أي منزل عادي.
وما لم يرغب بالتعبير عنه هو الفوقية التي كان يتعامل بها مسؤول شؤون اللاجئين السوريين مع المستشفى، فقام بالمهمة طبيب آخر كان في زيارته خلال المقابلة، ليقول إن علم الدين صبر كثيراً على تحمل تلك الفوقية لكن شريكاً له (رفض تسميته) لم يستطع رؤية المستشفى تحت إمرة خالد المصطفى. ومع ذلك يستدرك علم الدين بتأكيده أن المستشفى لم تطرد الجرحى، لكن الجرحى خرجوا في تظاهرة احتجاج على «المتاجرة بهم»، دون أن ينسى تذكير النواب والمسؤولين الذين جاؤوا أكثر من مرة لأخذ الصور إلى جانب الجرحى، قدموا الدعم المعنوي، ووعدوا بالدعم المادي، ثم اختفوا.
لبنان ACGEN اجتماعيات استشفاء اغاثة الأخبار