Saturday, 13 July 2013 - 12:00am
قبل ايام، اقترح رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس في اجتماعات المجالس الاقتصادية والاجتماعية الفرنكوفونية في أثينا، تأسيس صندوق للتأمين على البطالة في الدول التي لم توفر ذلك بعد. فالمسألة ليست مسألة موارد، بل توزيع عادل للمتوافر منها بغية صيانة التضامن المجتمعي. اين لبنان من هذا الطرح؟ وهل يجوز تبديل الاولويات وخصوصا اذا ما كانت الصحة وضمان الشيخوخة حلقتين تبقيان في خانة "المفقود"؟
ليس سرّا القول ان معظم المجتمعات المتقدمة تحرص على انشاء صناديق لتأمين البطالة حرصا منها على معالجة تلك الآفة التي تقلق حكومات العالم، ولا سيما بعد ازمة المال العالمية في الـ2008 وما اعقبها من ترددات انعكست ركودا في اداء الاقتصاد العالمي.
أسوج ادركت اهمية صندوق تأمين البطالة، فأتاحت تأسيس 29 صندوقا من هذا النوع وجمعتها تحت اطار "الاتحاد الاسوجي لصناديق التأمين ضد البطالة"، وفيه نحو 3 ملايين عضو يفيدون من تقديماته. أما في سويسرا، فجميع الاشخاص الذين يعملون بأجر مؤمَنين على البطالة، اذ يدفع الموظفون نسبة 1% من اجرهم فيما يشارك اصحاب العمل بنسبة مماثلة. اما الذين يعملون لحسابهم الخاص (مهن حرة)، فهؤلاء لا يدفعون الى صندوق البطالة ولا يفيدون من تقديماته. وحددت سويسرا اعضاء الصندوق بـ"الاشخاص الذين يدخلون سوق العمل بعد إنهاء دراستهم، أو التوقف عن العمل في إجازة أمومة أو مرض أو حادث أو طلاق أو انفصال أو ترمُّل". وحددت اعانات البطالة بين 70 و80% من آخر مرتب مؤمَّن عليه، على ان يُحسب الراتب المؤمَّن على أساس الدخل في الأشهر الستة الأخيرة التي تسبق البطالة.
ماذا عن لبنان؟
وفق ما ورد في كتاب "نهوض لبنان- نحو رؤية اقتصادية اجتماعية" الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، نادرا ما طرحت مسألة اقرار نظام لضمان البطالة في لبنان رغم ان خلفيات اصدار قانون انشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في اواسط الستينات وتنفيذه، لحظت امكان توسيع مفاعيل هذا القانون ليشمل في مرحلة لاحقة تطبيق هذا النوع من التأمين. "غير ان تفجر الحرب والافقار العام الذي نتج منه، اضافة الى الخلل في اداء الطبقة السياسية واولوياتها بما في ذلك الادارات المتعاقبة التي تولت تحديد سياسات صندوق الضمان وتوجيهها، حال دون اقرار ضمان البطالة في البلاد".
الا ان محاولات خجولة سُجلت في العقد الماضي، قد يكون أبرزها مبادرة وزير العمل السابق طراد حمادة إلى إعداد مشروع مصغر لصندوق البطالة لتعويض نحو 6 آلاف عامل متضرر من حرب تموز 2006 من دون تكبيد الخزينة العامة اي كلفة، اذ اقترح تمويل الصندوق من مساعدات الاغاثة والهبات التي مُنحت للبنان في حينه. كذلك، اعدت مؤسسة البحوث والاستشارات تصورين لموضوع الصندوق. واوصى البنك الدولي بانشاء نظام تأمين البطالة من دون تحميل الخزينة اعباءه ليتم تمويله من اطراف الانتاج.
لكن صندوق تأمين البطالة، وفق ما قال نسناس لـ"النهار"، ليس من الاولويات الراهنة، "اذ نحتاج الى تنمية الاقتصاد وتحقيق الامان الاجتماعي عبر أربع ركائز هي: الصحة والتعليم وضمان الشيخوخة واخيرا تأمين البطالة". وهذا يعني في رأيه، ان ثمة اولويات اخرى يجب العمل عليها لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، مؤكدا ان الصندوق مشروع حضاري "لكن الكلام فيه يتطلب ان يكون جزءا من العقد الاجتماعي، والذي يتيح للصحة ان تكون الركن الاساسي فيه بغية تحرير المواطن، لتليه اولوية التعليم وضمان الشيخوخة".
ومعلوم ان موضوع الفقر والبطالة ومكافحتهما احتلا عناوين معظم القمم العالمية التي انعقدت في العقدين الماضيين، وتركزت على موضوعات التنمية الاجتماعية والصحة والتعليم والاسكان والبيئة والتصحّر وعمالة الاطفال والمياه وصولا اخيرا الى الامن الغذائي. لكن، يختلف نطاق اتساع ظاهرة الفقر والبطالة من بلد الى آخر، اذ يجب اولا وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان، تحديد هوية العاطل عن العمل وكيفية التعويض عليه الى حين تمكنه من ايجاد عمل جديد له. وتترك مسألة الافادة من التعويض لكل بلد وفقا لمستوى الاجور وهيكلية تمويل الصندوق.
ويرى نسناس ان محاربة البطالة تكون عبر دعم القطاعات الانتاجية وخصوصا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، "عبر تمكين مَن يعجز عن ايجاد وظيفة، من تأسيس مؤسسة خاصة شرط ان يتمتع بالحد الادنى من التعويضات الاجتماعية التي تؤسس لراحته ورفاهيته مع عائلته وموظفيه". ورغم اهمية هذا الموضوع، يرى ان العمل عليه يجب ان يكون في اطار نظرة اجتماعية شاملة تعيد ترتيب الاولويات.
قد تحتاج أولويات لبنان الى فاصل زمني طويل قبل ان تستقرّ هموم الطبقة السياسية على معالجة الشان الاجتماعي. لكن، للملف اهمية خاصة بدليل اتفاق قادة اوروبا في بروكسيل نهاية حزيران الماضي، على اطلاق صندوق جديد لمكافحة البطالة، وتحديد مبلغ 8 مليارات أورو تنفق في الـ2014 و2015. وجاء القرار بعد ارتفاع معدل البطالة بين الشباب في دول الاتحاد ليتجاوز الـ23,5% واحيانا الـ50% (الحال الاسبانية واليونانية).
فهل مَن احتسب معدلات البطالة في هذه السنة الصعبة اقتصاديا؟
لبنان ACGEN اجتماعيات النهار رعاية وضمان