فلسطينيو سوريا في عين الحلوة: العلاج قبل المأوى

Wednesday, 25 September 2013 - 12:56pm
فوق مرارة النزوح والإيواء، هناك مرارة أكبر يعيشها فلسطينيو سوريا في مخيم عين الحلوة. يسكنون في خيم من البطانيات والنايلون، على التراب الذي يتعايشون معه ليل نهار، ويفتقدون مستلزمات الحياة الطبيعية، إلى جانب أمراضهم المستعصية، التي لا يستطيعون إيجاد علاج لها.
رضا محمد حمد، لاجئ من مخيم اليرموك، استصلح لنفسه خيمة مؤلفة من أربع بطانيات على الجوانب، وأكياس من النايلون سقفاً لها. مرارته تفوق النزوح، فهو يعاني من مرض التهاب مفاصل لاصق. يروي قصته بحرقة وبدمعة حاول مراراً حبسها في عيونه. يقول: «عانيت لسبع سنوات من الآلام قبل تشخيص مرضي. والأطباء بدأوا معالجتي بأدوية الكورتيزون. وبعد جرعات مكثفة أصبت بمرض البحر المتوسط في المعدة، وبمشاكل في القلب وضعف في النظر وفقر في الدم. وكل هذه الأمراض التي أصبت بها بعد الجرعات لن أستطيع الشفاء منها إلا بعد الشفاء من التهاب المفاصل اللاصق».
وبعد المعارك التي حصلت في سوريا «بقيت محاصراً في مخيم اليرموك. ولم أستطع الخروج من المخيم لأخذ العلاج الذي كنت آخذه. وبعد أشهر من المعاناة في مخيم اليرموك توجهت إلى لبنان علني أجد علاجاً لي هنا. وذلك بعدما أمن لي أهلي مبلغاً من المال ليساعدني على دفع إيجار السيارة. وعند محاولة خروجي تم اعتقالي في سوريا، على الرغم من معرفة الأشخاص الذين أوقفوني بوضعي الصحي، علماً أنني أعاني من انحناء في ظهري وعدم قدرتي على المشي فاعتقدوا أنني مصاب، وبعد فترة أطلقوا سراحي». يضيف «راجعت أطباء الأونروا، طلبوا مني التوجه إلى مستشفى الهمشري كي أحصل على وحدات دم، لكن المستشفى طلب مني مبلغاً من المال لم أستطع تأمينه. فراجعت أحد الأطباء فأخبرني أن مرضي يتفاقم». المرض بدأ بالتمدد إلى الأكتاف والقدمين، «والمطلوب عملية في العمود الفقري لتكسير التكلس الموجود بين الفقرات. كلفتها، كما قيل لي، مليون دولار، ولا ينصح بإجراءها هنا بل في أوروبا، وأعطاني الطبيب أدوية لم تتحسن حالتي. أعطيت التقارير لأكثر من شخص وجمعية، وعدوني بالمساعدة، ولكنني لم أحصل على شيء».
عندما وصل رضا إلى المخيم سكن مع أهله «وكنا نحو ستة عشر شخصاً في خيمة واحدة، إلى أن حصلت على مبلغ 200 دولار من إحدى الجمعيات وتمكنت من نصب هذه الخيمة التي أسكن فيها، ولكنني لم أحصل على أي مساعدة أخرى».
عائشة ومحمود
لها من العمر سبعة وأربعين عاماً، نزحت عائشة أبو ناهي من اليرموك. لا تدري من أي مكان أتت وفي أي مكان هي. كل ما تعرفه أنها ما زالت على قيد الحياة، تتنفس ويجري الدم في عروقها. ولا تدري معنى للمعاناة التي يتكبدها أهلها من أجل البحث لها عن علاج أو عن دواء ليهدئوا من روعها، ويخففوا من ألمها. تعرضت وهي في سن الطفولة إلى حادث لم تظهر أعراضه إلا بعدما كبرت. وعندها بدأت رحلة العذاب المريرة. يخبر أهلها أن هناك خللا في خلايا الدماغ لديها، حصل جراء الحادث الذي تعرضت له. ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش على الأدوية المخصصة لحالات كهذه. تصاب عائشة بحالات صرع هستيرية تمنتع جراءها عن الأكل والشرب، وغيره من الأعراض المصاحبة لمثل هذه الأوجاع، وبحالات عصبية شديدة، فلا تسيطر على نفسها، لذلك فهي تعيش على الأدوية المهدئة.
تقول أختها: الدواء الذي كانت تأخذه في سوريا كان نافعاً، لكنه نفد واستبدلناه بنوع آخر، لعدم وجود الدواء ذاته لكنها لم تستفد، فزادت حالتها العصبية. ولم نستطع أخذها إلى طبيب مختص لإجراء العلاج اللازم لها، لأن أطباء الأعصاب كلفتهم العلاجية عالية جداً، وليس بمقدورنا علاجها، وعيادات «الأونروا» لا يوجد فيها أطباء أعصاب لمعالجة مثل هذه الحالات. وطالب الأهل المعنيين بأن «يمدوا لنا يد العون، فنحن لا نريد أن نأكل ولا نأخذ مؤونة، لكننا نريد علاجاً لأختنا التي لم تعد تتحمل وجعها الذي لا يفارقها، حتى إننا عندما نريد أن ننام ليلاً نربطها بحبل يكون بيننا وبينها حتى لا تقوم بأي عمل يؤذيها».
أما محمود صباغ من مخيم اليرموك، فيعاني من مرض عضال في الرئة، تحدث بصعوبة عمّا يعانيه من ألم. فقال: أعاني من وجود كيس في الرئة وبحاجة إلى عملية جراحية، والعملية خطيرة. وفي حال عدم إجراء العملية سأتعرض لخطورة أكبر بحسب ما أفادني الأطباء، وكنت سأقوم بإجراء العملية في سوريا إلا أن الأحداث التي حصلت منعتني من ذلك. ونزح محمود إلى عين الحلوة، يضيف «أحضرت التقارير الطبية معي. ولكن الأطباء هنا طلبوا مني إجراء فحوصات وصور أشعة جديدة. وقمت بإجراء الفحوصات في مستشفى خاص على نفقتي من المساعدات التي قدمتها لنا بعض المؤسسات». ولم يقدم له أحد أي مساعدة مالية للمستشفى أو للفحوصات الطبية التي أجراها، «وما زلت بحاجة لبعض الفحوصات قبل إجراء العملية. والأطباء حذروني من نتائج تأخير إجراء العملية لأن التأخير قد يتسبب بوفاتي، وحتى أن الطبيب المعالج أفاد في تقريره الطبي أنني لا أستطيع أن أعيش في خيمة ويجب الابتعاد عن التراب ومصادر الغبار، لأن تنشقي للغبار يمنعني من التنفس بشكل جيد، فجهازي التنفسي متعب جداً».
حصل محمود على تحويل من «الأونروا» لإجراء الصور، «لكنهم في المستشفى طلبوا مني إحضار تحويل آخر، لأن تاريخ التحويل أصبح قديماً، ويجب تجديده، وتجديده يحتاج إلى خمسة أيام تقريباً والطبيب حذرني من التأخر في إجراء الفحوصات وصور الأشعة، لذلك قمت بإجراء الفحوصات على نفقتي الخاصة».
يقول: «عند الموافقة على العملية سأذهب إلى المؤسسات والجمعيات والتنظيمات الفلسطينية لتساعدني، وإذا لم أحصل على مساعدة فلن أقوم بإجراء العملية، فأنا لدي طفلان ويسكن معي اثنان من أبناء أخي الموجود في سوريا، لأنــــه لم يستطع المجيء إلى لبنان».

لبنان اغاثة السغير