الضمان الاجتماعي: المحسوبية والرشوة لتسريع المعاملات

Monday, 28 October 2013 - 12:33pm
يتابعون معاملاتهم في مركز الضمان الاجتماعي (أرشيف)استفاد «السماسرة» من حالة الترهل التي تصيب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فالتراكم في تصفية المعاملات أصبح ينتج تأخيراً «معتاداً» لا يقلّ عن سنة ونصف سنة في دفع الفواتير الصحية للمضمونين. المفارقة التي يشكوها المضمونين، أن هناك فواتير غير مدفوعة تعود إلى عام 2009، فيما السماسرة ينجحون في تصفية فواتير تقدّم بها أصحابها في عام 2013

يصنّف رؤساء مكاتب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المضمونين بفئتين: «سبيسيال» و«مهمّشين» ينتظرون الفرج. التمييز بين مضمون وآخر بلغ حدّه الأقصى، وسط أزمة إدارية مستفحلة تنتج 3 أنواع من المعاملات، إحداها مدعومة بالرشى، والثانية مدعومة بالنفوذ، والثالثة تقبع بلا «ظهر» في الأدراج.
في مكاتب الضمان في بدارو والدورة وبيروت، تراكمت معاملات للمضمونين منذ سنوات طويلة. ولم يتمكن أصحاب هذه المعاملات من تصفيتها، رغم أن بعضهم يعاني أمراضاً تحتاج إلى علاجات دائمة ومستمرة، وبالتالي يضطرون إلى وقف العلاج بانتظار استعادة أموالهم. لكن في الوقت نفسه، هناك معاملات تسير على «الخط العسكري»، تجري تصفيتها فوراً وتُدفع قيمتها، مع أن تاريخ تقديمها يعود إلى أسابيع قليلة فقط.

خلال السنوات الماضية، عمدت إدارة الضمان إلى مواجهة العجز المالي والبشري بتأخير تصفية معاملات المضمونين، وبات معروفاً أن بعض فواتير الطبابة والأدوية التي يقدّمها الأفراد بأنفسهم قد تتأخّر لنحو ثلاث سنوات، أما المعاملات التي تقدّمها المؤسسات عن أجرائها، فقد تتأخّر إلى أكثر من 5 سنوات. لكن الإدارة لا تعترف بهذا الأمر، وتعلن أن مدّة التأخير لا تتجاوز سنة ونصف سنة، وأنها تصل إلى أشهر قليلة في بعض المكاتب. وهي بذلك تستند إلى معدّل تأخير وسطي لجميع المعاملات، أي أنها تعترف في معرض «النفي» بأن هناك معاملات تجري تصفيتها سريعاً على حساب معاملات تنتظر طويلاً. وما يؤكّد ذلك وجود هوّة زمنية كبيرة في المعاملات المصفاة في المكتب الواحد. هذه المفارقة، وفق مصادر مطلعة في الضمان، لا يمكن تفسيرها من خلال التذرّع بالنقص في عدد الموظفين في المكاتب المذكورة؛ لأن هؤلاء الموظفين هم أنفسهم الذين يقومون بتصفية المعاملات المقدّمة حديثاً وتلك المقدّمة منذ سنوات. الأمر يعود ببساطة إلى سيادة «المحسوبية» و«السمسرة».
رغم ذلك، يصرّ أعضاء في مجلس إدارة الضمان على حجّة النقص في الموظفين. وبحسب عضو المجلس هاني أبو جودة (يمثّل أصحاب العمل في الضمان)، يواجه مندوبو المؤسسات لدى الضمان الاجتماعي عقبات في استرداد الفواتير الطبية عن الموظفين المضمونين في مؤسساتهم. المؤسسة التي يديرها أبو جودة، أي «مغازل جبل لبنان»، هي واحدة من هذه المؤسسات التي تتبع لمكتب الدورة ولا تزال «تناضل» لاسترداد أموال الشهر التاسع من عام 2009، والسبب كما يفسّره أبو جودة يعود إلى «وجود نقص في عدد موظفي المكتب لإتمام تصفية معاملاتنا». إلا أن عضو مجلس إدارة الضمان (ممثل الدولة) رفيق سلامة، لا يتفق مع أبو جودة، ويقول إن «هناك معاملات قد تُنجز قبل أخرى، في المكتب نفسه، وهذا الأمر يتصل بالمحسوبية».
إذاً، هو نظام المحسوبية والزبائنية يسيطر على مسالك العمل وتصفية معاملات المضمونين، وهو نظام يستند إلى غياب المحاسبة في الضمان والصلاحيات الواسعة الممنوحة لرؤساء المكاتب. فإذا قرّر رئيس المركز أن يدفع إحدى المعاملات، فإن «توقيعه المختصر» (باراف) على طرف المعاملات كافٍ للبدء بتصفيتها، وأما تلك التي لا توقيع عليها، فتسير تبعاً للنمط السائد في طابور الانتظار الطويل.
في النتيجة، يضطر العديد من المضمونين إلى الرضوخ لهذا النظام، ولا سيما الذين يحتاجون إلى استرداد كلفة العلاج بسرعة لتتاح لهم فرصة الاستمرار في سداد نفقات العلاج المتواصل. ينطبق الأمر أيضاً على المؤسسات التي تعيّن مندوباً لها لتصفية معاملات الأُجراء لديها. فبعض المؤسسات تؤدي فقط دور الوسيط مع صندوق الضمان، ولا يؤثّر عليها التأخير في تصفية المعاملات إلا من خلال آثار ذلك على أُجرائها المضمونين. لكن بعض المؤسسات تدفع مسبقاً قيمة الفواتير لأُجرائها قبل تحصيلها. ولذلك تحتاج إلى استرداد الأموال سريعاً، تفادياً لضغوط على ميزانياتها، وهو الأمر الذي يدركه موظفو الضمان جيداً، ويستخدمونه لابتزاز المؤسسات والمضمونين لتسريع عملية التحصيل أو جعلها تغرق في دورة الانتظار الطويل.
يقول سلامة إن هناك «فائض موظفين في بعض مكاتب الضمان، فيما هناك مكاتب تعاني نقصاً في الموظفين». ويرى سلامة أنّ «هناك تأخّراً متعمّداً من قبل مؤسسة الضمان في عدم تعيين موظفين جدد، فيما تدعو الحاجة إلى ذلك، رغبةً في أن يتغير نظام التعيين الحالي عبر إجراء مباراة في مجلس الخدمة المدنية، لتعود صلاحيات إجراء المباريات إلى إدارة الضمان، وبالتالي التحكم أكثر في عملية التوظيف». أما بالنسبة إلى أبو جودة، فالحلّ لهذه المشكلة يكمن في «تعيين موظفين جدد واعتماد المكننة، التي تسهل عملية التصفية، فيزداد إنتاج الموظف خمسة أضعاف».
يشرح أبو جودة أن أصحاب العمل عرضوا على الضمان إجراء تسوية تقتضي بحسم 20% من الفواتير التي يجب دفعها لشركاتهم، تسهيلاً على الضمان للدفع، إلا أنه حلّ يحتاج إلى قانون يقرّ في مجلس النواب. من جهته، يعتقد سلامة أن إجراء تعديلات نظامية تسمح «للأجير داخل الشركة بأن يتابع معاملاته، ما قد يكون نوعاً من الحلّ». غير أن الوقائع والمعطيات تجزم بأنّ الحلّ ليس في أيٍّ من هذه الاقتراحات، بل يجب على إدارة الضمان أن تصبح أكثر حزماً وتشدداً في الرقابة على تصفية المعاملات، وأن تكون الأحكام قاسية بحق المرتكبين، سواء كانوا موظفين في الضمان، أو كانوا من الجهات التي يتعاقد معها الضمان مثل المستشفيات والأطباء والصيادلة وسواها... فعلى سبيل المثل، كيف يمكن إيجاد حل جذري لهذا النوع من «الفساد» ما دام مجلس إدارة الضمان وإدارته ولجنته الفنية ومديروه يعملون على تخفيف العقوبات المفروضة على بعض المخالفين من الأطباء والصيادلة والمستشفيات... آخر مثال على ذلك، قصة الـ85 مليون ليرة التي قبضها أحد المضمونين زوراً. وهذا حديث آخر.

لبنان ACGEN الأخبار رعاية وضمان