تبدو ظاهرة الرهاب من الاخر، جزءاً من التركيبة النفسية - الاجتماعية لقسم كبير من المجتمع اللبناني، بدءاً من النظرة للاجئين/ات الفلسطينيين/ات ومن ثم التمييز الواقع عليهم/ن، مروراً بالاستغلال اللاحق بالعمال والعاملات الاجانب/ات في لبنان، متنقلاً ليطال الآن النازحين/ات السوريين/ات الوافدين/ات الى لبنان بسبب تردي الاوضاع الامنية في سوريا، تغذيها الاعتبارات والمصالح السياسية الضيقة. وقد بلغت تلك الظاهرة التي باتت تعرف بـ"رهاب السوريين"، حداً اقصى اصاب الكثير من وسائل الاعلام، التي اخذت تتفنن في التطرق سلباً وبصورة بشعة لمشكلة النزوح السوري في لبنان.
وفيما الدولة اللبنانية مستمرة رسمياً في تبني سياسة النأي بالنفس عن المشهد السوري، يتصرف كل فريق سياسي داخل لبنان تجاه موضوع النازحين/ات السوريين/ات، انطلاقاً من قناعاته السياسية، وخصوصاً تجاه الحكم الحالي في سوريا، وفقاً لمصالحه الداخلية واستعداده لاستثمار ذلك الموضوع في صراعاته مع الاطراف السياسية المنافسة. وفيما يتعاطى بعض القوى السياسية مع الموضوع من الزاوية الانسانية فقط، تحمّل تيارات سياسية اخرى النازحين/ات السوريين/ات مسؤولية ما يصيب البلاد من بطالة، تردي في الاحوال الاقتصادية عامة، العبء الملقى على كاهل الدولة، مروراً بتحميلهم/ن مسؤولية تردي الاوضاع الامنية وارتفاع عدد الجرائم في لبنان، الخ... ووصولا الى مطالبة البعض باعادتهم/ن قصراً الى بلادهم/ن او توزيعهم/ن على بلدان المنطقة والعالم. وهذا الخطاب المناهض السائد، هو خطاب طائفي بامتياز، سبق ان برز من محطات مختلفة تجاه الفلسطينيين/ات، لا سيما وانها غالباً ما تتقلص الفوارق السياسية بين الافرقاء الذين ينتمون الى الطائفة نفسها حين يتعلق الامر بالنازحين/ات السوريين/ات، علماً ان ذلك الخطاب العنصري، السياسي، الطائفي يستخدمه السياسيون لتحريك الرأي العام وفقاً لمصالحهم.
ولا يعاني النازحون/ات السوريون/ات فقط من الاستقبال الرسمي غير اللائق، بل ايضاً من شح المساعدات التي تمنحها المنظمات الدولية، بحيث يعيش معظمهم/ن دون ادنى ظروف العيش الكريم، مع عدم توفر اماكن للعيش وفي حال توفرت فانها تفتقر للخدمات أو ادنى مستلزمات الحياة اللائقة، ويعجز الكثيرون عن الحصول على الطبابة اللازمة. وفي غياب التدخلات المناسبة، يلجأ الكثير من النازحين/ات السوريين/ات لسد رمقهم/ن من خلال محاولة الانخراط في اعمال بسيطة وانشاء مؤسسات اقتصادية صغيرة، التي يتم ايضا قمعها كما حصل في البقاع، بحجة مكافحة المنافسة.
وفيما تقف الدولة اللبنانية عاجزة عن معالجة الشق الانساني ومستغيثة للمساعدات الخارجية، تجول سفيرات وسفراء الدول الاوروبية المناطق اللبنانية للاطلاع على اوضاع النازحين السوريين بغية تأمين القليل من المساعدات عبر منظماتها الاغاثية غير الحكومية الوافدة الى لبنان، والتي بات الناس يتداولون بشأنها الكثير من الروايات حول الهدر وسوء استخدام للاموال. كما لا تفوتنا الاشارة هنا، الى الكثير من اللبنانيين/ات الذين واللواتي يستغلون/ن اوضاع النازحين/ات من خلال رفع اجارات البيوت، او استخدامهم/ن كيد عاملة رخيصة لتحقيق قدر اكبر من عائد العمل.
وفي الختام، لا يسعنا الا التأكيد على مسؤولية كل الاطراف السياسية الرئيسية في وصول الاوضاع العامة، وتلك الخاصة بالمسألة الانسانية المتفاقمة، الى المستوى المتردي الحالي،ً مشددين على ضرورة وقف التلاعب بمصائر المواطنين/ات، ومعالجة مشكلة النزوح من سوريا الخطيرة، بمسؤولية تامة بعيداً عن الاستغلال السياسي والسعي لتاجيج مشاعر الرهاب تجاه النازحين/ات .