معهد CNAM: رفع الأقساط يحوّله إلى جامعة «خاصة»

Wednesday, 20 November 2013 - 12:00am
الرفع التدريجي لأقساط معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية (CNAM) يفقد المعهد دوره وفلسفته. هذا ما يؤكده الطلاب، فيما ترى إدارة المعهد، الخاضع لوصاية الجامعة اللبنانية، أن رفع الرسوم «حجراً يسند الخابية»؛ إذ إن استقلالية المعهد المالية والإدارية يقابلها شحّ في التمويل ينال من المؤسسة التعليمية الأفضل

فاتن الحاج
قد يخرج من يقول إنّ رسوم التسجيل في (CNAM ـــ لبنان) أو ما اصطُلح على تسميته معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية تبقى مقبولة مهما ارتفعت ولا تقارَن بأقساط الجامعات الخاصة، علماً بأنّ المعهد يمنح تعليماً عالياً نوعياً ينال الطالب بموجبه شهادة فرنسية معززة بثلاث سنوات من الخبرة المهنية ومعترفاً بها في كل أنحاء العالم.
مقاربة قد تبدو منطقية إذا ما عُزلت عن دور المعهد وفلسفته. هذا المعهد هو جزء من شبكة الكونسرفتوار الوطني للفنون والمهن (CNAM ـ باريس) الذي ولد بعد الثورة الفرنسية لإعطاء الفئات الشعبية والطبقات الفقيرة الحق في الحصول على تعليم عالٍ جيد برسوم رمزية، وتأهيل الكوادر الذين يعملون في محيط صناعي ومهني.
في لبنان، أنشئ المعهد عام 1970 كمؤسسة يديرها مجلس إدارة تتمثّل فيه الجامعة اللبنانية، (CNAM ـــ باريس) والجمعية اللبنانية للتعليم العلمي والتقني والاقتصادي التي يرأسها حالياً النائب وليد جنبلاط، ومهمتها تمويل المعهد وتوقيع البروتوكولات مع القطاعات الصناعية ونقابات المهن الحرة.
إذا كان (CNAM ـــ لبنان) يتبع الجامعة اللبنانية، فهل يمكن عدّه مؤسسة تعليمية خاصة؟ سؤال يطرح نفسه مع الارتفاع التدريجي لأقساط المعهد عاماً تلو آخر، لتلامس هذا العام 12 ضعف رسوم الجامعة الرسمية؛ إذ باتت السنة الأكاديمية تكلّف الطالب نحو ألفي دولار أميركي.
يقول المعنيون إنّ المعهد يتمتع باستقلالية مالية وإدارية، ولديه أعباء مختلفة عن الجامعة الوطنية لجهة التجهيزات والمختبرات ومصاريف التفريع في المناطق، إلا أنّ هذا لا يعني أن يُحوَّل إلى ما يشبه الجامعة الخاصة وينسف دوره المتمثل في تعليم ذوي الدخل المحدود. وإذا كان لا بد من توفير المستلزمات، يقترح الطلاب البحث عن مصادر تمويل أخرى غير جيوبهم.
المعهد أقرب إلى أن يكون جامعة (شبه) رسمية، يقول الطلاب. ويشرحون كيف كانت الأقساط خلال ولاية مؤسس المعهد ومديره لثلاثة عقود يوسف أبي نادر توازي 500 ألف ليرة لبنانية مقطوعة وقبل أن يتحول التعليم من نظام السنوات الأكاديمية إلى نظام الأرصدة التعليمية (credits)، أي إنها كانت تمثل ضعفي رسوم الجامعة اللبنانية فقط. ومع تحوّل النظام التعليمي في العام الجامعي 2003 ـ 2004، ارتفعت كلفة السنة الأكاديمية من 500 ألف إلى 750 ألف ليرة لبنانية. وفي عام 2013 ــ 2014، أي بعد 10 سنوات، ازدادت الرسوم أربعة أضعاف، في وقت لم يرتفع فيه الحد الأدنى للأجور خلال هذه المدة بهذه النسبة، ولم تتحرّك رسوم الجامعة اللبنانية قيد أنملة. المعياران الأخيران هما اللذان يركز عليهما الطلاب في مقاربتهم للأقساط.
وبالنسبة إلى موازنة المعهد، يلفت الطلاب إلى أنّ مساهمة الجامعة اللبنانية لم ترتفع بالنسبة التي ارتفعت فيها أعداد الطلاب؛ إذ لامست أعداد الطلاب في السنوات الأولى لافتتاح المراكز في المناطق (أي في 2004) إلى 5 آلاف طالب لتتراجع الأعداد اليوم إلى 3 آلاف طالب. والسبب؟ يجيب الطلاب: «شروط التعليم القاسية والجدية التي يتمتع بها المعهد؛ إذ لا يمكن استسهال مواد الدراسة والخبرة المهنية للحصول على شهادة فرنسية نوعية».
اليوم، يخشى الطلاب من أن يدفع الارتفاع التدريجي للأقساط كثيرين إلى الذهاب إلى الجامعات الخاصة «التجارية» أو ما يسمى الدكاكين، وخصوصاً أنّ المنح التي تقدمها القوى السياسية لطلابها قد تجعل رسوم هذه الجامعات متقاربة من أقساط الـ CNAM، ما يغري الطلاب باستسهال الحصول على الشهادة، ولا سيما إذا علمنا أن طالب الهندسة في المعهد يحتاج إلى 7 سنوات لنيل الشهادة.
وكانت مساهمة الجامعة اللبنانية في المعهد قد بلغت مليار ليرة يوم كان هناك مركز واحد في بيروت، وكان عدد الطلاب لا يناهز 800 طالب، أي بمعدل مليون و250 ألف ليرة لبنانية لكل طالب، يقول مدير المعهد د. الياس الهاشم.
وفي عملية حسابية بسيطة، إذا ضربنا مليوناً و250 ألف طالب بالعدد الحالي للطلاب، أي 3 آلاف، فإنّ الموازنة يجب أن تكون 3 مليارات و750 مليون ليرة، في حين أنّ الموازنة الحالية هي ملياران و600 مليون ليرة لسبعة فروع إضافة إلى المركز، وهي: غزة (في البقاع)، بعقلين، بعلبك، بكفيا، نهر إبراهيم وطرابلس.
نتيجةً لضعف الموازنة، اجتمع مجلس الإدارة وأقر زيادة 10 آلاف ليرة لبنانية على سعر الرصيد التعليمي للطلاب الجدد وإبقاء الرصيد كما هو للطلاب القدامى، وهي بمثابة «الحجرة التي تسند الخابية»، على حد تعبير الهاشم. ما الفرق بين طالب قديم وطالب الجديد؟ يجيب: «لا نستطيع أن نزيد الرسوم على الطلاب القدامى الذين التزمنا معهم سعراً معيناً للرصيد التعليمي».
ويلفت الهاشم إلى أنّ الجمعية العلمية لم تعد تموّل المعهد، بل تنحصر مساهمتها في إعطاء منح محددة لقسم من الطلاب، كذلك فإنّ البلديات التي «وقّعنا معها اتفاقيات لدعم المراكز في المناطق لا تقوم بالدور المتوقع منها، وإن كان ذلك يتفاوت بين منطقة وأخرى». أما الدعم الذي يتلقاه المعهد من (CNAM ـــ باريس)، فلا يتجاوز الدعم الأكاديمي والعلمي والاستفادة من خبرات الأساتذة المتفرغين في حقول الاختصاص. وعما إذا كان المعهد جامعة رسمية أو جامعة خاصة، يرى الهاشم أن CNAM يتمتع باستقلالية إدارية ومالية تحت وصاية الجامعة اللبنانية، وهو أقرب إلى مؤسسة خاصة.
وبالنسبة إلى شكوى الطلاب من عدم فتح صف إذا كان عدد الطلاب يقل عن 10 فسببه، بحسب الهاشم، الشح المالي. ماذا عن تغيير المواد باستمرار، ما يؤدي إلى خسارة البعض لسنوات تعليمية؟ يجيب: «تغيّر المواد له علاقة بمواكبة مستجدات العصر، وهو يصبّ في مصلحة الطلاب وليس في مصلحة المعهد؛ إذ نحاول قدر الإمكان مساعدة الجميع وإعطاءهم فرصة ثانية، لكن لا نستطيع أن نتحمل مسؤولية الراسبين».
يقابل ذلك سعي المعهد إلى فتح اختصاصات جديدة تتطابق مع سوق العمل اللبناني، ولا سيما الاختصاصات المرتبطة بقطاع النفط ومحاولة حل مشكلة الاستيعاب من خلال مشروع مع الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) لبناء مجمع تعليمي على مساحة 20 ألف متر مربع في العقار الذي يقع عليه مركز بيروت (بئر حسن)، وجرت الموافقة على قرض للدولة اللبنانية بقيمة 23 مليون دولار لتمويل المبنى والتجهيزات والمختبرات.
--------------------------------------------------------------------------------
هيكلية أكاديمية صلبة
رغم التضييق المالي على معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية، يسجل له أنّه استطاع أن يقدم طوال أربعة عقود تعليماً عالياً نوعياً تمثّل بالتجديد الدائم في مواد الاختصاص بما يواكب السوق الصناعية والتطورات المهنية، والقدرة على تنظيم امتحانات موحدة بين المركز والفروع وحل مشكلة إعطاء «الدبلوم» التي كانت تستغرق نحو عام كامل بسبب تعقيدات المعاملات مع فرنسا، فيما بات بإمكان الطالب اليوم نيل الشهادة في 3 أشهر في حد أقصى إذا كانت كل الشروط متوافرة، وإن كان هذا الملف لم يحل بالكامل.
وبناءً على توصيات بعض رؤساء المراكز، اتخذ قرار بالتدريس باللغة الإنكليزية في مراكز غزة وبعقلين وبعلبك، مع اشتراط وجود 25 طالباً في الشعبة.

لبنان ACGEN الأخبار تربية وتعليم