المستشفيات الحكومية في لبنان: فتّش عن الادارة في التعثّر المالي خليل لـ"النهار": نبني على التجارب الناجحة للتوسع في كل المناطق

Wednesday, 13 November 2013 - 12:01pm
يتباهى وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل بتجربة المستشفيات الحكومية في لبنان، فهي كما يقول "تجربة مهمة ويمكن البناء عليها للتوسع في المناطق". لكن الواقع يبين ان بعض المستشفيات ليست في أحسن احوالها رغم أن أنه تم انفاق أكثر من 350 مليار ليرة منذ العام 1990 على بناء أو ترميم 28 مستشفى حكومية.

اذا كان عدد قليل من هذه المستشفيات يمكن البناء عليه كنموذج للمستشفيات الناجحة، فان البعض الآخر يعاني مشكلات مالية ونقصاً في التجهيزات، ولعل أبرز مثال على ذلك، "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" الذي بدأ بالتعثر مع افتتاحه في الـ2005، رغم أنه" لا يعطي الصورة الحقيقية عن تطور الاستشفاء الحكومي في بقية المناطق"، وفق خليل.
ولكن وزير الصحة الذي يقرّ ببعض الشوائب في عدد من المستشفيات، يشير الى أن كل مجالس ادارات المستشفيات الحكومية غير قانونية كونها منتهية الصلاحية، "علماً أنني خلال الفترة الماضية فتحت باب الطلبات عبر الآلية الموضوعة في مجلس الورزاء، ولكن للاسف، الاشتباك السياسي والتعطيل حالا دون تأليف مجالس ادارة، فبقي الوضع على حاله".
ويبني خليل على تجربة المستشفيات الحكومية "المهمة" للتوسع في المناطق، "لذا نعمل على وضع الاساس لمستشفى صور وبعلبك والهرمل ومستشفى مشغرة".
وفي الحديث عن التعثر المالي الذي تعانيه غالبية المستشفيات، أوضح "ان الوزارة عمدت الى زيادة السقف المالي لكل المستشفيات الحكومية، واوعزنا اليها استقبال كل الحالات الطارئة من دون أن تتذرع بتجاوز السقف المالي لأنه في هذه الحالة سأوقع على مسؤوليتي". ويختم مؤكداً "ان تجربة المستشفيات الحكومية تجربة جيدة ويجب ان نشجعها، خصوصاً انها لا تعاني مشكلة مالية في التشغيل".

مستشفى الحريري: تَعثّر منذ انطلاقه
وفق التقرير الذي قدمه رئيس مجلس ادارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي وسيم الوزان لنواب بيروت فان نحو 45% من المرضى يلجأون الى مستشفى الحريري، اما لعدم توافر العناية المطلوبة في مناطقهم، أو لرفض مستشفيات تلك المناطق استقبالهم لأسباب مادية. هذا الرقم يثبت اهمية المستشفى في استقبال الفقراء والمعوزين، ولكن أوضاعه تنذر بصعوبة الاستمرار في تشغيله اذا ما استمر تجاهل أزمته المالية. فما هي اسباب المشكلة برأي وزير الصحة؟
"المشكلة متراكمة، تبدأ من سوء الادارة الى المشكلات التي رافقت بداياته منذ 2004"، ويعتبر خليل أن ليس هناك مشكلة سقف مالي للمستشفى. واذ أشار الى أنه بين 2012 و 2013 حصل المستشفى على سلف تقارب الـ 45 مليار ليرة، أكد التزامه زيادة السقف المالي للمستشفى اذا احتاج لذلك، ولكن المشكلة برأيه في مكان آخر.
ولكن للوزان رأياً آخر، اذ يشير الى ان المستشفى يرزح تحت ضائقة مالية وعجز متراكم على مدى ثماني سنوات، الا انه ورغم أن المبلغ الذي كان مطلوباً من مجلس الادارة السابق لتحضير المستشفى وتشغيله كان يناهز الـ70 مليار ليرة، فقد استطاع مجلس الادارة الحالي اطلاق المستشفى بـ 6 مليارات ليرة فقط كمساهمات تشغيلية.
ويلفت الى أن المستشفى عانى وخصوصاً في العامين الأخيرين، تدني مستوى الصيانة الهندسية، مما اضطر الادارة الى توجيه أولوياتها نحو توفير موارد العناية الطبية واجراء الصيانة الطارئة فقط، علماً أنها قامت بمراسلات ملحة عدة على مدى الأعوام الماضية مع سلطات الوصاية لمعالجة هذا الوضع. ويرد الوزان على الذين يتهمون الادارة بالتقصير بالقول انها "تمكنت من المحافظة على كلفة متدنية للسرير الاستشفائي نسبة الى المستشفيات ذات التصنيف المماثل. وهذا مؤشر واضح على ترشيد الانفاق والسيطرة على الهدر فيه".
ولكن ما هي أسباب العجز المالي؟ أسباب كثيرة عددها الوزان، لعل ابرزها أنه حين بدأ المستشفى التحضير لتشغيل الأسرّة، كانت، ولا تزال، مناقصة معدات وأجهزة الكومبيوتر وتوابعها (المفترض تمويلها من الجهات المانحة لدى مجلس الانماء والاعمار) تتعثر بسبب عدم اكتمال شروط المناقصة، بما أجبر ادارة المستشفى على شراء هذه الحاجات تدريجاً أثناء التشغيل من موازنته".
وبما أن المستشفى جامعي ويستقبل عدداً كبيراً من طلاب الطب والأطباء المتمرّنين والطلاب المتمرّنين في الصيدلة ودائرة التغذية، فان ذلك تطلب توفير أجهزة كومبيوتر وتوابعها، اضافة الى الملابس، فاقت تقديرات من خطّط وجهّز المستشفى في الماضي.
ومن أسباب التعثر كذلك، أنه "لدى البدء بفتح الأقسام الطبية، ظهرت شوائب بالتصميم الهندسي مما حمّل المستشفى نفقات تعديلات هندسية أساسية، لملائمة متطلبات الاعتماد –Accreditation - والسلامة".
كذلك اضطرت الادارة الى الاستعانة بخبرات فنية في المجال الاستشفائي لتوجيه وتدريب الجهاز الاداري الذي تمّ توظيفه من طريق مجلس الخدمة المدنية من دون خبرة استشفائية وخصوصاً في بعض الوظائف الادارية القيادية، والاستعانة بخبرات فنية في وظائف ضرورية وأساسية غير ملحوظة أو غير كافية في ملاك المؤسسة.
اضافة الى تنفيذ عقود تأمين وصيانة المعدات الطبية وغير الطبية قبل البدء بتشغيل المستشفى بدءاً من 2004، فور انتهاء كفالات المعدات وانتهاء تغطية نفقات الصيانة من مجلس الانماء". ورغم الجهود الحثيثة التي يبذلها المعنيّون، يلفت الوزان الى "أن الحصول على الموافقة لاعطاء المستشفى سلف خزينة استثنائية يستغرق وقتاً طويلاً، مما يؤدي الى ارتفاع قيمة المبالغ المستحقة عن القيمة المطلوبة بتاريخ طلب الامداد المالي، اذ تستحق مبالغ اضافية، تؤدي الى استنفاد فوري للمبالغ المحصّلة".
وفي مقابل الوقائع التي أوردها الوزان، ثمة من يحمل مسؤولية ما آلت اليه اوضاع المستشفى الى الادارة "الفاشلة"، اذ تؤكد مصادر معنية "ان عدم وجود بيانات مالية جدية ودقيقة تنوّر الادارة والوزارات المختصة والمعنية عن وضع المستشفى المالي الحقيقي وتطوره. اذ أغفلت مصلحة الشؤون المالية والادارية في بياناتها ابراز الأصول المتمثلة بالأبنية والتجهيزات والمعدات المتخصصة والأثاث والمفروشات، التي جهز بها مجلس الانماء والاعمار المستشفى، والبالغة قيمتها نحو 135 مليون دولار، ضمن أصوله الثابتة. ممّا رتّب تخفيفاً كبيراً ووهمياً للعجز، من خلال عدم تسجيل أعباء استهلاك هذه الأصول في سجلات المستشفى المحاسبية".
وما أوصل الأمور كذلك الى شفير الاقفال هو عدم ادارة السيولة، بطريقة منطقية وعلمية تنتهج، عبر تسديد مستحقات الشركات المورّدة، أولويات التشغيل.
ولم يكن للأمور أن تصل الى هذا الحد برأي المصادر لو أحاطت الادارة نفسها، لتعويض قلة كفاية الكوادر المالية والادارية، بمستشارين من ذوي الكفاية والتجربة.
وتعتبر "ان الاستمرار باجتزاء الحلول من السياسيين للتستّر على المتسببين بوصول المستشفى الى هذا المصير البائس، قد يؤدي الى كارثة مكلفة للمواطن على المستويين المالي والصحي".

مستشفى مشغرة: حبر على ورق
لم يبصر مستشفى مشغرة الحكومي النور حتى الآن، ولا يزال مرسوم انشائه حبراً على ورق. وفي هذا السياق يؤكد وزير الصحة علي حسن خليل لـ"النهار" أنه تم تكليف لجنة موقتة للمتابعة، وخصصنا له سلفة صغيرة (50 مليون ليرة). وتسلم مجلس الجنوب مهمة توفير التجهيزات له، على أن لا تستغرق فترة تجهيزه أكثر من 6 أشهر، لنشرع بعدها الى تأليف مجلس إدارة له.
واعتبر أنه "طيلة العهود السابقة كان إنشاء مستشفى مشغرة الحكومي مجرد فكرة. ولكن عندما توليت مهمات وزارة الصحة، أصدر مجلس الوزراء مرسوماً بإنشاء المستشفى وكلّف وزير الصحة التحضير له".
يذكر أنه تم ترميم المبنى المخصص للمستشفى مرات عدة من مجلس الجنوب وصرفت له أموال كثيرة قبل صدور مرسوم إنشائه.

لبنان ACGEN اجتماعيات استشفاء النهار