Thursday, 5 December 2013 - 12:00am
على رغم الأجواء السوداوية المخيّمة على لبنان بسبب الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي، تفتح مبادرات طاقة أمل وتذكّر بوجود مسائل مهمّة يتمّ تجاهلها في ظلّ الواقع الحالي لمصلحة قضايا أخرى. ومن هذه المسائل خطط المدارس الخضراء التي بدأت تتبلور في لبنان، بما ينسجم مع الدعوة التي أطلقها مؤتمر الأرض منذ سنوات لإقامة هذا النموذج من المدارس في العالم كلّه. وحتّى اليوم، هناك نحو 700 ألف مدرسة في نحو 42 بلداً يمكن تصنيفها بالخضراء، ويبدو أنّ لبنان سيلحق بركب هذه الدول تدريجاً من خلال مبادرات خاصة بامتياز، أي من دون وجود دعم رسمي لإقامة المدارس الخضراء بعد في أي منطقة لبنانية.
خطوات مترابطة
يشير مصطلح المدرسة الخضراء إلى تطوير المؤسسات التربوية من الناحية البيئية من خلال مشاريع عدة يمكن أن تنفذّها إدارة المدرسة وحدها، أو بالتعاون مع الطلاب وأهاليهم لكي يصبحوا هم أيضاً منخرطين في هذه العملية التي تأخذ بعض الوقت لتطبّق في شكل كامل.
ومن أول المدارس التي استطاعت تنفيذ النموذج الأخضر كاملاً في لبنان مدرسة «أدما إنترناشونال سكول»، التي يشرح مديرها الدكتور نبيل حسني لـ «الحياة» المراحل التي اجتازتها لبلوغ ذلك.
ويوضح حسني أن البداية كانت من خلال خطوات بسيطة كتنظيم حملات النظافة في المناطق وزراعة الأشجار وتوعية الطلاب حول أهمية المحافظة على البيئة من خلال التعليم والمحاضرات. لكن هذا ليس كافياً وفق حسني، إنما اتخذت خطوة فرز النفايات في المدرسة وإرسالها الى شركة متخصّصة لإعادة تدويرها، ثم كان التركيز على الإضاءة لتغييرها فتصبح موفّرة للطاقة وأكثر أماناً للطلاب. بعدها، رُكّبت ألواح للطاقة الشمسية بهدف تسخين المياه وتوليد الكهرباء للإضاءة والتجهيزات الكهربائية الصغيرة في المدرسة، إضافة الى وضع ألواح عاكسة وراء أجهزة التدفئة، ما يقلّل استخدامها للمحروقات.
ولخفض استخدام الورق في المدرسة، تمّ التحوّل إلى النموذج الإلكتروني عبر الألواح التفاعلية في الصفوف والقاعات وتأمين الأجهزة اللوحية للطلاب لئلا يحتاجوا إلى الكتب التي أصبحت بدورها إلكترونية، ويمكنهم أن يؤدوا حتّى فروضهم عبر هذه الأجهزة.
وربما يبدو هذا المشروع مكلفاً، وهو بالفعل كذلك حيث تصل الكلفة إلى نحو 200 ألف دولار وفق حسني، لكنّ هناك قروضاً يمنحها الاتحاد الأوروبي لدعم مثل هذه المبادرات وستجد المدرسة نفسها في النهاية توفّر الأموال من خلال الطاقة المتجدّدة وتخفّف العبء عن الطلاب والأهالي الذين يجبرون سنوياً على شراء الكتب وحملها طيلة أشهر الدراسة.
محاولات دؤوبة
تأخذ المدارس الخاصة في لبنان خطوات حثيثة لدفع مفهوم «المدرسة الخضراء» نحو الأمام، حتّى وإن كان الأمر يحتاج إلى وقت طويل نسبياً لتنفيذ المراحل التي ذكرناها سابقاً وتمويل ضروري لإنجاح الفكرة. فمعظم المدارس أدخلت الألواح التفاعلية إلى الصفوف كبداية جيّدة، ما سيساعد على تقليص استخدام الأوراق في كلّ لحظة يوجد خلالها الطالب في الصفّ.
وتلفت راشيل عازار، معلّمة للصفوف المتوسطة في إحدى المدارس الخاصة، الى أنّ الطلاب باتوا يدركون كيفية التعامل إيجابياً مع الأجهزة الإلكترونية والاستفادة منها بدل اعتبارها للترفيه فقط. وتضيف أنّ الكتب المطبوعة باتت مرفقة بقرص مضغوط (CD) لكي يستخدمه الطالب في عملية التعلّم، بدل الاعتماد على الدفاتر والأوراق دائماً.
كما أنّ مدارس عدة باتت تتضمّن نوادي بيئية، وهذا ما كان مغيّباً خلال السنوات الماضية، ومنها النادي البيئي الخاص بمدرسة المنار الحديثة الذي يشارك أعضاؤه في مختلف النشاطات المحلية والعالمية دعماً للمدارس الخضراء والقضايا البيئية الملحّة.
وتتـزامن هذه الجهود مع المبادرات التـي تتّخذها جمعيات أهلية بهدف دفع المدارس إلى أن تصـبح صديقة للبيئة أكثر، ومنها مشروع «مستهلك الورق المتنبّه» Papivore Malin الذي أطلقته جـمـــعـــية «T.E.R.R.E. Liban» لفرز الورق في المدارس اللبنانية وهو لا يزال ناشطاً حتّى اليوم منذ العـــام 1995.
إلا أنّ هذه المشاريع لا تزال حتّى الآن مركّزة في المدارس الخاصة، ولم تستطع المؤسسات التربوية الرسمية أن تؤســـس لمسار أخضر بعد في ظلّ غياب الدعم المادي على رغم أنّها الأكثر حاجة إلى تجديد المباني ووقف الهدر في الطاقة وتأمين بيئة صحّية لآلاف الطلاب الذين يجدون فيها الملجأ الوحيد لهم.
لبنان الحياة مجتمع مدني