Tuesday, 3 December 2013 - 1:23pm
تراجع الحقوق الاجتماعية.. وتجاهلها رسمياً
تقف إسراء، طالبة الدراسات العليا في إحدى الجامعات الخاصة، متسلحة بنسخة من القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، أمام موظفة «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» لتثبت أنه يحق لها أن تكون مضمونة، ولا علاقة للإعاقة بحرمانها من حقها، وأن «بطاقة الإعاقة»، الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية لا تحول دون وصولها إلى حقوقها، بل العكس هو الصحيح. إسراء التجأت إلى «مرصد حقوق المعوقين» للحصول على حق بديهي. كثيرون لم يصلوا إلى حقوقهم، يمر عليهم يومهم العالمي، ثقيلاً في ظل تراجع عام في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفئات المهمّشة في لبنان.
رسمياً، يبدو أن كل الوعود التي أغدقت على الأشخاص المعوقين خلال العام الحالي لم تجد طريقها إلى التطبيق. خيبة الأمل التي ترافق الاحتفال بـ«اليوم العالمي للأشخاص المعوقين»، تتعدى الواقع الأمني إلى عدم توفر أدنى مقومات الوجود والصمود لدى فئة تتعدى نسبتها العشرة في المئة من السكان، وتشكل على أقل تقدير عشرين في المئة من أفقر الفقراء.
ربيع السرايا الحكومية، مع وعد الرئيس نجيب ميقاتي، أن تكون السنة الحالية سنة تطبيق حقوق الأشخاص المعوقين، قابله شتاء ما زال ينتظر قطرة مطر. فمتى تمطر؟ ومتى تزهر الوزارات مراسيم تطبيقية للقانون 220/2000، الذي ينتظر «على الوعد يا كمّون» لثلاث عشرة سنة؟
«انتظر الأشخاص المعوقون أن تعوض الوزارات المعنية، خلال العام الحالي، عن الظلم اللاحق بهم خلال العقد الماضي، وذلك عبر آلية عمل واضحة»، كما تقول المديرة العامة للبرامج في «اتحاد المقعدين اللبنانيين» سيلفانا اللقيس. إذ «كان من المقرر أن تطلب رئاسة مجلس الوزراء من الوزارات المعنية بتطبيق القانون، بشكل دوري، ما الذي تحتاجه لتطبيق البنود التي تقع ضمن سلطتها من القانون». إلا أن ذلك لم يحدث، وبقيت «آلية المتابعة الدورية»، وعداً شفهياً. وتسأل «إلى متى تبقى المؤسسات العامة أعجز من أن تستقبل الأشخاص المعوقين؟ إلى متى يبقى الأطفال المعوقون خارج أسوار المدرسة؟ لقد كنا مهمّشين قبل مرحلة تفكك المؤسسات العامة وتعطيلها، فكيف اليوم، ونحن نشهد التعطيل العام في مؤسسات الدولة، والذي ضاعف من تهميشنا وإقصائنا عن حقوقنا».
ولعل ما يضاعف من التهميش، وفق اللقيس، الإضاءة المبالغ فيها من قبل معظم وسائل الإعلام على الأحداث الأمنية والسياسية، وتجاهل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفئات المهمشة، معتبرة أن «التحديات لا تزال كبيرة أمام نيلنا لحقوقنا، فعندما نلحظ أن البرامج الحوارية على الشاشات حيث يتبارى أطراف الصراع في إظهار مهاراتهم الكلامية، قد بدأت فعلاً تعرض قضايانا، وفق النموذج الاجتماعي، وبدأت تعتبر حقوقنا في صميم أجندتها، حينذاك يمكن أن نتحدث عن التغيير». ورأت أن تجاهل القضايا إعلامياً، يؤخر عملية الوصول إلى تطبيقات قطاعية للحقوق.
ولفتت اللقيس إلى التقديم المشترك من قبل عدد من جمعيات الإعاقة إلى «مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان» لمناسبة انعقاد الدورة التاسعة من «المراجعة الدورية الشاملة 2010»، الذي لخص لأوضاع الأشخاص المعوقين في لبنان، وكذلك لمراجعة نصف المدة، التي حدّثت في تموز الماضي. فعلى الرغم من إدراج الحقوق في بيانين وزاريين، للحكومة الحالية، والحكومة السابقة. والتأكيد على المصادقة على الاتفاقية الدولية بشأن تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006). إلا أن الأشخاص المعوقين يعيشون في ظلّ غياب سياسية وطنية وإستراتيجية واضحة للدمج الاجتماعي، والاقتصادي، والصحي، والتربوي. ويستمر التمييز تجاههم. وخاصة تجاه الأطفال المعوقين، والنساء المعوقات، حيث يكون التمييز مضاعفاً.
ويؤكد ذلك من الحاجة على مصادقة البرلمان اللبناني على الاتفاقية الدولية، التي وافقت الحكومة اللبنانية عليها، في العام 2007. ورفعتها إلى المجلس النيابي للمصادقة عليها. إلا أن البرلمان لم يصادق عليها حتى اليوم، في ظل انقسامات سياسية تتعلق بكل ما وافقت عليه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك.
من جهتها، لم تف حكومة الرئيس سعد الحريري بوعودها المتضمنة في بيانها الوزاري بشأن الدفع باتجاه المصادقة على الاتفاقية، وكذلك حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية التي باتت في طور تصريف الأعمال. ولم تنفع المراجعات للوزراء المعنيين في الحكومتين السابقة والحالية بشأن تحريك الملف. وقد عرقلت تحريكه مشاكل سياسية بشأن مدى شرعية موافقة حكومة السنيورة على جملة من مشاريع القوانين، ومن ضمنها الاتفاقية. وتتعطل بذلك جميع آليات العمل بالاتفاقية الدولية حتى المصادقة عليها، من المجلس النيابي، عبر قانون، كي تأخذ حيز التنفيذ عبر مراسيم تطبيقية.
العمل الإقليمي المشترك
النهوض بالحقوق في عهد الاتفاقية الدولية، وإن لم تأخذ حيز التطبيق في لبنان، يفتح الباب أمام جمعيات الأشخاص المعوقين إلى العمل العربي المشترك، إقليمياً، تحت مظلة «المنظمة العالمية للأشخاص المعوقين». ويجري التحضير على قدم وساق لعقد «المؤتمر الإقليمي للنهوض بحركة الإعاقة العربية: نحو شراكة إستراتيجية مستدامة للدمج»، في بيروت، خلا عشرة أيام. ويتولى «اتحاد المقعدين اللبنانيين» التنسيق على مستوى العالم العربي، بتكليف من المنظمة الدولية. ويرى منسق المؤتمر الدكتور محمد علي لطفي، أن من أهم مبادئ النهوض عربياً بحركة الإعاقة «تحفيز وتدعيم العمل المشترك في المنطقة، من أجل إطلاق حركة إعاقة حقيقية وفاعلة، تمثل جميع من ينتسب إليها من منظمات إعاقة قاعدية عربية»، مشدداً على «العمل الجمعي القاعدي والتمثيلي للأشخاص المعوقين».
ولفت لطفي إلى ضرورة «الالتزام بالعمل على تمكين جميع الفئات العمرية من أطفال وشباب من المشاركة في عملية صناعة القرار والتمثيل على جميع المستويات. وكذلك العمل المتواصل على توثيق أواصر وفرص الشراكة مع هيئات المجتمع المدني العربية، والقطاعات الرسمية والخاصة المعنية بوضع وتبني سياسات ذات صلة بقضايا الإعاقة والدمج».
ويركز المؤتمر، الذي يفترض أن يضم ممثلين عن منظمات الأشخاص المعوقين، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا الإعاقة في العالم العربي، على الالتزام بتبني نشر ثقافة الدمج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي للأشخاص المعوقين، الإناث والذكور. وذلك من خلال تنشيط العمل المطلبي نحو سياسات العامة تقوم على أساس مبدأ احترام الحقوق.
فإذا كانت حركة الإعاقة في لبنان، قد حققت خلال العقود الثلاثة الماضية، خطوات كبيرة باتجاه صياغة الحقوق في ضمن دفتي قانون اعتبر الأفضل على مستوى المنطقة، وها هي تنطلق عربياً لتعميم التجربة... فإلى متى يفترض أن ينتظر الأشخاص المعوقون في لبنان، للاحتفال بيومهم العالمي وهم يتمتعون بالحد الأدنى من حقوقهم؟
لبنان ACGEN السغير حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة