مادة التربية المدنية استُهلكت والمعلّم ينجرّ إلى الكلام المتداول مسرّة لـ"النهار": كل تغيير دستوري يحتاج إلى "تخصيب" تربوي

Wednesday, 15 January 2014 - 12:32pm
تتوجه أنظار الرأي العام التربوي إلى "أجندة" وزير الوصاية العتيد في الحكومة المنتظرة وتعامله مع ملفات عدة لعل أبرزها إحياء ذاكرة وثيقة الطائف التي تشير في أحد بنودها الى أن مادتي التربية المدنية والتاريخ جزء أساسي من هذه الوثيقة. ويعود هذا الطرح لوجود مخاوف حقيقية من سلوكيات الجيل الناشئ والذي يعتبر في شجرة "العائلة اللبنانية" الجيل الثالث الذي ولد من "رحم" الجيل الثاني للحرب. كما يتابع أيضاً مشاريع "الأحلام المتكسرة" التي يرويها آباؤنا، الجيل الأول الشاهد والمشارك الفعلي في حوادث الـ 1975 إلى اليوم.

انطلاقاً من الرهبة من ردة فعل ما لهذا الجيل عند بلوغه سن الرشد، لا بد من تفعيل مبادرات مسؤولة وسريعة للمكاتب التربوية في المؤسسات التربوية الخاصة الإسلامية والمسيحية والعلمانية وما يدور في الفلك نفسه في الدوائر الرسمية في وزارة التربية لتعزيز مادة التربية المدنية وإصدار كتاب للتاريخ . في ظل هذا كله، كان لـ"النهار" حديث مع عضو المجلس الدستوري وعالم الاجتماع الدكتور أنطوان مسرة لتحديد هذه المخاوف في نمط حياة الجيل الثالث.

"تخصيب" تربوي
بالنسبة الى مسرة، يحتاج كل "تغيير دستوري وسياسي إلى "تخصيب" تربوي وهذا يدل على درجة عالية من التوعية لدى واضعي البرامج التربوية"، وبعد تنويهه بخطة النهوض التربوي في التسعينات من القرن الماضي والتي شارك فيها شخصياً وصدر عنها أكثر من 30 جزءاً في قضية التربية المدنية وما رافقها من تدريب لتغيير سلوكيات معلمي المادة، اعتبر مسرة أن "هذه الكتب تحولت اليوم إلى مجرد كتب يدرسها التلميذ كمادة عادية "مثلها مثل غيرها". لكنه لفت إلى أن "واضعي هذه البرامج اعتبروا هذا الكتاب مجرد دليل، وعملوا على إصدار ملحق خاص له يلحظ مجموعة نشاطات تسهل على المعلمين تعليم المادة". وقال: "صدر في الجريدة الرسمية في تاريخ 18 آب 1997 دليل النشاطات كمادة سلوكية لإرشاد المعلمين في تطبيق مادة التربية المدنية".
وعما إذا كان دليل النشاطات معتمداً اليوم في تعليم المادة أجاب: "وجدت المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم من خلال جملة تحقيقات ميدانية أن الحوار في التربية المدنية في الصف يتحول في كثير من الحالات إلى مجرد "دردشة" بين المعلم والتلميذ وهي تشبه دردشة على الطريقة التلفزيونية". أضاف، أنه "في حالات أخرى، ذكر لنا بعض المعلمين أنهم عندما يفتحون فصلاً في المادة عن الأحزاب مثلاً، يقع الخلاف بين التلامذة، مما يجبر المعلم على "استبعاد" هذا الفصل لتفادي الشجار داخل الصف."
ورداً على سؤال عما إذا كنا نشهد بعض التجارب الريادية في هذا الشأن، قال: "مما لا شك فيه أن بعض المدارس تسهر على تفعيل مبادرات ريادية في هذا المجال. لكن هذا ينحصر بمبادرات تربوية فردية عدة".
على صعيد آخر، لم يكتف مسرة بنموذج عن تعامل بعض المعلمين مع فصل خاص بالأحزاب، بل أشار "إلى دراسة ماريان سركيس وهي إحدى طالباته التي أعدت رسالة عرضت في جزء منها طريقة شرح بعض معلمي التربية المدنية لفصل خاص عن خدمة العلم". قال: "ذكرت سركيس أن هذا الفصل تحول إلى درس يشرح فيه هجرة الشباب والصعوبات الاقتصادية وشؤون الدولة، فخرجوا عن موضوع الفصل المذكور". أضاف: "تتكرر هذه القضية في كثير من الحالات. ينقل المعلم كل مخزونه الثقافي للتلامذة أي تكرار كلمات عدة أمامهم مثل "بلبنان ما في دولة"، هذا كله لا يرتكز على سوء نية لدى المربي بل على تكرار كلام متداول في بيئة المربي الاجتماعية".
في المقابل، عرض مسرة للوسائل التي يجب اعتمادها للعودة إلى تعليم أصيل لمادة التربية المدنية، والتي "تتطلب ذهنية محددة لدى المربي والولوج إلى الجوهر".
وقبل عرض مقاربته الإصلاحية، ذكر مسرة "أننا شهدنا عقوداً بحثية لدرس مضامين هذه المادة وتحليل محتواها"، مشيراً إلى أن " الخبراء لم يكتبوا صفحة واحدة صالحة للاستعمال".
أما في يخص تصويب المسار الحالي فدعا مسرة إلى "استعادة خطة النهوض التربوي، خصوصا في مادتي التربية المدنية والتاريخ، في روحية كل منهما، أي من خلال تعزيز مفاهيم عدة مثل الديموقراطية والمواطنة والشأن العام، وهذا كله لا يخضع "للتلوث" القائم بل يقوم على جملة أعمال سلوكية عند التلامذة". كما شجع مسرة على تدريب "المعلمين على اتقان هذه المهارات للتفاعل مع التلامذة". فالموضوع وفقا له "ليس قضية تقنية بل يتعلق بجوهر المعنى والمضمون".
واعتبر أن "على المكاتب التربوية في المؤسسات التعليمية الخاصة التي تدير القسم الأكبر من التعليم ما قبل الجامعي أن تعد برامج نموذجية في التربية المدنية". وقال: "نريد برامج تؤمن من خلالها استمرارية هذه القيم في حياة التلامذة. لم يصدر أي إنتاج في هذا الخصوص بل اقتصر على مبادرات للمجتمع المدني على غرار ما تقوم به جمعيات عدة مثل جمعيتي "تصالح" و"فرح العطاء" وغيرهما".
ختاماً، اعتبر أن "تحقيق كل ذلك يحتاج إلى جهة سياسية داعمة كما الحال يوم إطلاق خطة النهوض التربوي التي حظيت بدعم كل من الرئيس الأسبق الراحل الياس الهراوي والرئيس الشهيد رفيق الحريري ورئيسة لجنة التربية النيابية النائبة بهية الحريري".

لبنان
ACGEN
النهار
تربية وتعليم