انتفاضة «الأميركية» جمّدوا زيادة الأقساط وإلّا... - الأساتذة يتضامنون: لسنا متفرّجين

Friday, 28 February 2014 - 12:00am
«جامعة واحدة، كلمة واحدة، يد واحدة»، هكذا أراد طلاب الجامعة الاميركية أن يكون شعار مواجهتهم الأولى مع الادارة. وحدة طلابية لم يشهد لها مثيل منذ عام 1994. المئات من الطلاب احتشدوا أمام مبنى «الكوليج هول» عند الباحة المواجهة للمدخل الرئيس للجامعة، رفعوا شعاراتهم بوجه رئيس الجامعة، مطالبين بالتراجع فورا عن قرار زيادة الاقساط بنسبة 6% قبل ليل السبت المقبل … وإلا فالتصعيد

حالما انهى الطلاب صفوفهم الصباحية تجمعوا في ساحة «الكوليج هول»، حتى قبل موعد الاعتصام، ومن تزامن صفه مع الموعد نفسه، قاطع صفه، او طلب منه المحاضر ذلك، ما يشير الى تضامن عدد كبير من الأساتذة مع مطالب الحركة الطلابية، حاول المنظمون فتح ممر من المدخل الأساس للجامعة حتى ما بعد ساحة الاعتصام، الا أن أعداد حشود الطلاب جعلت من هذه المهمة صعبة.

كان يوما مشهودا لطلاب الجامعة الاميركية امس، نزلوا موحّدين ضد قرار ادارة جامعتهم بزيادة اقساطهم بنسبة 6%.
رفع الطلاب شعاراتهم عاليا، دون أي خوف أو تردد، سألوا رئيس الجامعة عن مصير أموالهم، عن الهدر والسرقة والفساد في ادارة الجامعة، الطلاب الذين يغذون 89% من مداخيل الجامعة هم «الشرعية الحقيقية» وهم «السلطة»، بحسب ما قالوا علنا، لا يريدونها جامعة برجوازية، لا يريدون اقصاء زملاء لهم لم يعد بمقدورهم دفع أي مبلغ اضافي على القسط الباهظ اساسا! طالبوا مجددا بالشفافية لمعرفة المكان الفعلي الذي تذهب أموالهم اليه، والأهم شددوا على ضرورة اعادة الاعتبار إلى دورهم كطلاب في جامعة هم أبناؤها وهم المرجعية الأولى لأي قرار قد يمسهم.
جومانا في سنتها الجامعية الأولى، تدفع قسطها من خلال قرض استلفته من البنك، ترعبها زيادة الأقساط في السنة المقبلة، هي أساسا بحاجة للعمل سنوات طويلة لتسديد الدين وفائدته، العبء سيزيد حكما السنة المقبلة مع الزيادة المفترضة.
«بابا مش خزنة» لافتة رفعها طارق، الذي يدفع اليوم 45% أكثر مما كان أخوه يدفع كاقساط في الجامعة نفسها.
طالبة أخرى ارتدت شجرة تخرج منها ثمرة «المال»، ووزعت اوراق نقدية مطبوعة عليها صورة رئيس الجامعة.
طالب أخر كتب على لافتته «لست ATM»، لست ماكينة المصرف لسحب الأموال. «بدنا نربح اللوتو لندفع القسط الجديد» يقول أحدهم ساخرا، بعدما كتب على لافتته «بيي ما قاعد على بنك»، زميلة له كتبت «مصرف الوالد مقفل»، في اشارة الى رفضها اي زيادة محتملة على مصاريف الجامعة. بالرغم من أنها لا تدفع سوى 40% من قيمة القسط بحكم حصولها على منحة، لا تستطيع هيلين أيضا تحمل أي زيادة مهما كانت نسبتها.
«لن ندفع.. لن ندفع» صدحت بهذه الجملة حناجر الطلاب مرارا وتكرارا، بالعربية والانكليزية، وجّهوها الى رئيس الجامعة والاداريين المقربين منه، وجّهوها أيضا الى عميد الطلاب طلال نظام الدين، الذي وقف في الاعتصام متفرجا، كما فعل تماما خلال الاجتماعات مع الطلاب، رافضا مساندة مطلبهم بتجميد الأقساط، داعيا الى الحوار، على الرغم من مراقبته لجولات الحوار السابقة التي عبّرت فيها الادارة عن عدم وجود اي نية لديها للتراجع عن زيادة الاقساط.
الطلاب يرون ان نظام الدين لم يضطلع، ولو مرة واحدة، بدوره الوظيفي كـ«عميد للطلاب»، ووجّهوا رسالتهم امس الى عدد من الأساتذة الذين تجمهروا حول نظام الدين، والى كل من يعتقد أن بامكانه الوقوف ضد حقهم بالتعليم.
العديد من الشعارات والهتافات وجّهت مباشرة الى الرئيس دورمان، الذي بدأ عهده عند تعيينه عام 2008، ومنذ ذاك الوقت حصلت زيادات متتالية على الأقساط، ما عده البعض نهجا مقصودا ومدروسا من قبل الأخير، فالأخير كان قد رفض مطالب الطلاب، ورأى أن هناك استحالة للتراجع عن الزيادة، بحسب محضر الاجتماع بينه وبين الطلاب الذي نشرته «الأخبار» امس. (http://www.al-akhbar.com/node/201570)
بدا الطلاب في انتفاضتهم امس، كأنهم واعون تماما أن التعليم حق، وأن تحرّكهم لا يخدم مصالحهم فقط، بل مصالح الجامعة الأميركية ايضا، ويمثل نافذة امل لكل طلاب الجامعات الذين يكتوون بالاقساط المفروضة من جامعات تقدم نفسها على أنها مؤسسات تعليمية غير ربحية. وما تضامن زملاء لهم من الجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة اليسوعية، من خلال اعتصام رمزي خارج الحرم، الا دليل على وحدة حال الطلاب ومطالبهم.
«المساومة على المطالب مرفوضة، لن نتفاوض مع الادارة ما لم يجر تجميد الزيادة المقررة»، قالتها نائبة رئيسة الحكومة الطلابية، جنان أبي رميا، لـ«الأخبار»، مؤكدةً تمسك الحكومة الطلابية «أكثر فأكثر» بمطلبها، بعدما شاهدت حجم التجاوب مع الاعتصام والأعداد غير المسبوقة للمشاركين فيه، ورأت أبي رميا أن الرسالة وصلت الى الادارة وعليها أن تتحمل مسؤولياتها اليوم وتتخذ الاجراءات المناسبة، والا فلينتظروا من طلاب الجامعة الأميركية ما هو «غير متوقع»، وأعلنت الحكومة الطالبية أنها ستفاوض على مطالبها، فقط، إذا جرى خفض زيادة الأقساط المقررة من 6% (بحسب طرح الادارة) الى 0%.
البيان باسم طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، أعلن أن هذا التحرك السلمي يأتي دفاعا عن كل طالب مهما كان وضعه الاجتماعي، انطلاقا من حقه في التعلم في الجامعة، ورفضا لسياسة الجامعة، تحديدا المالية منها، التي أدت الى زيادات متراكمة على الاقساط بنسبة 37% في ثلاث سنوات، وبعد فشل الحل خلال اجتماع اللجنة الأخير مع الادارة، بسبب رفضها تجميد رفع الأقساط للدخول الى أي جولة من المفاوضات. وأعلن البيان دعم الحكومة الطالبية ومطالبها، التي تمثلت في الطلب من الادارة اعادة النظر في ادارتها الداخلية، والقيام باصلاحات على كافة الصعد، ويقصد الطلاب هنا كل ما يتعلق بالفساد والهدر وسوء الادارة، كذلك ايجاد بدائل حقيقية لتغطية نفقات الجامعة.
وكانت الحكومة الطالبية قد طالبت ايضا بتوقيع عقد مع كل طالب جديد ينتسب الى الجامعة ينص صراحة على أن كلفة القسط ثابتة على مدى سنواته الدراسية. وطالبت الحكومة ادارتها بتعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير مفصلة من قبل الادارة عن موازنة الجامعة، تحديدا كيفية صرف الايرادات، ونشر تقرير مفصل عن الزيادة السابقة (37%) والطريقة التي صرفت بها.
على صعيد ضرورة اشراك الطلاب في القرارات، تحديدا الأساسية والمفصلية منها، رأى البيان أن الحكومة الطالبية هي الممثل الشرعي للطلاب، وعليها أن تحصل من قبل الادارة على تبرير مفصل في ما يتعلق بأي قرار يمس الادارة على نحو مباشر أو غير مباشر، وأن تجري استشارة الحكومة في كافة المواضيع التي تتعلق مباشرة بالطلاب، كما طالبت بحضور الطلاب اجتماعات مجلس الأمناء ممثلين بنائبة رئيس الحكومة الطالبية، كذلك طالبوا بتحسين الخدمات المقدمة لكي تتلاءم مع حجم القسط المرتفع.
نية الطلاب بالتصعيد كانت واضحة جليا في بيانهم، أمهلوا الادارة حتى ليل السبت المقبل للتجاوب مع مطالبهم، وإلا «فسيقومون بالخطوات اللازمة» ابتداءً من الأسبوع المقبل، تزامنا مع بداية الاجتماع في نيويوك في الرابع من الشهر المقبل.

الأساتذة يتضامنون: لسنا متفرّجين
مشهد انتفاضة طلاب الجامعة الأميركية، أمس، أعاد مجموعة من أساتذتهم 20 عاماً إلى الوراء. يستعيد طلاب الأمس مناخات عام 1994 يوم انتفضوا للمطلب نفسه: ضد زيادة الأقساط. يومها، استطاعوا أن يشطبوا الـ 10% بعد مواجهة قاسية مع القوى الأمنية.

أمس، وقف الأساتذة في المكان نفسه ينظرون باعتزاز إلى طلابهم، كما قالوا، معوّلين على جدية حركة الـ 6%، وخصوصاً أنّها تأتي بعد أربع سنوات من الاستكانة لزيادات متراكمة بلغت 40%. يعزون سر نجاح ما سمّوه الوقفة التحذيرية الأولى «sit in» إلى أنّ الطلاب عرفوا حتى الآن كيف يقصون الشعارات السياسية والفئوية عن تحركهم المطلبي. هو السر نفسه الذي وقف ربما وراء استمرار حراك جمهور هيئة التنسيق النقابية الذي جمعته، ولو لبرهة من الزمن، قضية مطلبية مشتركة، بخلاف الجمهور الطائفي.
يبدو أحد الأساتذة الأجانب مزهواً بما يفعله طلابه. يبدي إعجابه بشعاراتهم ويصفق لهم طويلاً. تسأله عن سبب حضوره فيقول إنّه هو من طلب من بعض الطلاب المشاركة. هو مقتنع بأنّ «التحرك محقّ وبأنّ إدارة الجامعة تأخذ الأموال من الطلاب ولا توظفها في المكان المناسب». يعلّق أستاذ آخر: «المشهد يذكّرنا بشبابنا. هذا المطلب أزلي في الجامعة وبيكون في شي غلط إذا لم يتحرك الطلاب». يروي ما قالته له ابنته في الصباح وهي الطالبة في الجامعة نفسها «كيف ستتضامن معنا؟ إذا ما دفعنا ما بتقبض». يقول: «هذه نكتة».
معظم أساتذة الجامعة يتعاطفون اليوم مع طلابهم وهذا الجو من التأييد عام، يجزم أحد المشاركين في الوقفة أمس. كيف ذلك؟ فعدد الأساتذة الحاضرين في الاعتصام ليس كبيراً؟ يجيب: «بلى، هم موجودون هنا في أكثر من مكان، ونحن نلمس موقفهم الداعم في اجتماعات اتحاد أساتذة الجامعة الأميركية».
يؤكد أن «الحراك جيّد بوقتو ومحلو وبدنا يبقوا هيك متحررين من أي ضغوط». لكن ما الذي سيفعله الأساتذة لدعم هذا الحراك؟ «الوقت جايي»، يقول مشيراً إلى أنّ الاتحاد سيعقد اجتماعاً عند الخامسة من بعد ظهر الاثنين المقبل، وستكون زيادة الأقساط بنداً أساسياً على جدول أعماله.
إحدى المعلمات المتحمسات لما سمته «قضية حق وعدالة اجتماعية» تقول إنّ «التعليم لم يكن يوماً حكراً على طبقة واحدة، ونحن نراهن على الطبقة المتوسطة من الطلاب». ترى أنّ «الطالب المثقل بالأعباء لا يركز على التعليم». أما تذرع إدارة الجامعة بأنّ أحد أسباب الزيادة هو زيادة مرتبات الأساتذة الذين يتمتعون بكفاءات عالية خوفاً من خسارتهم، فهو حجة واهية ومردودة، على حد تعبيرها.
يختصر رئيس اتحاد الأساتذة د. جاد شعبان المشهد بالقول: «الطلاب واعون لمصلحتهم، وتحركهم مشروع ضد زيادة غير مبررة على أقساطهم. الإدارة لم تقدم لهم أي سبب مقنع. نحن كأساتذة متضامنون معهم حتى الرمق الأخير، ولن نقف متفرجين على ما يحصل، أما التحدي فهو: هل نريدها جامعة للأغنياء فقط، أم للطلاب من كل الأوساط الاجتماعية؟».
بعض الأساتذة لم يقفوا في الاعتصام، إلا أنهم لم يتردّدوا في تسجيل موقف مما يحصل. يقول أحدهم إنّه لن يحمل اللافتة ويرفع القبضات كما يفعل الطلاب، لكنني «أتعاطف مع أحوال طلابي، لا أعرف من أين يمكن أن تأتي إدارة الجامعة بالموارد الإضافية، لكن بالتأكيد ليس من جيوب الطلاب». يرد هو أيضاً حجة رواتب الأساتذة «فراتبي على سبيل المثال ازداد في العام الماضي بنسبة 0.7% فقط». يؤيد الأستاذ مطلب الشفافية في صرف الأموال عندما ينقل عن ثلاثة دكاترة مهندسين قولهم إنّ «الجامعة لم تكن تحتاج إلى مشروع شبكة جديدة في المعلوماتية، وكان المطلوب تغيير بعض أجهزة الكومبيوتر، ما كان سيوفّر 7 ملايين دولار أميركي، في حين أن زيادة 6% على أقساط الطلاب توازي 13 مليوناً ونصف مليون دولار».
في الواقع، التضامن مع التحرك ليس موقفاً جامعاً لكل الأساتذة. أمس، حرص عميد شؤون الطلاب طلال نظام الدين على مشاهدة كل وقائع الاعتصام الطلابي. كان لافتاً أن يحاط بمجموعة من الأساتذة، عدا عن الموظفين الإداريين. أحد هؤلاء الأساتذة وضع يده على فمه، في إشارة إلى أنّه لا يريد أن يعلق شيئاً. أستاذ آخر تدخل ليقول إنّ «زيادة الأقساط كانت مدار بحث مع الإدارة التي لم تقفل قنوات الحوار، بغض النظر عما إذا كانت الزيادة منطقية أو لا، والجامعة الأميركية صرح أكاديمي يؤيد حرية الرأي والتعبير». المفارقة أن يعلل أستاذ ثالث سبب حضوره إلى المكان بالقول: «هذه قمة الديموقراطية أن تكون في المكان نفسه الذي يعتصم فيه الطلاب ضدك!».
الحوار هو ما يدعو إليه نظام الدين الذي آثر، كما قال، عدم الكلام في الاجتماعين اللذين عقدتهما الإدارة مع الطلاب. يتمسك بأن التسوية ممكنة، وخصوصاً أنّ الإدارة لم تضع الميزانية بعد، وهي تستطيع أن تتفق مع الطلاب بشأن المعلومات الإدارية التي يمكن أن تعطيهم إياها، ما يحقق المطلب الثاني لهم وهو «الشفافية الإدارية والمالية».

لبنان
ACGEN
الأخبار
تربية وتعليم