Wednesday, 12 February 2014 - 12:00am
لا يوجد في مستشفيات الهرمل مختصون بمعالجة الحروق وجراحة الأعصاب والعيون (الأخبار) التفجيران الإرهابيان في الهرمل، أعادا التذكير بضعف القطاع الاستشفائي في هذه المنطقة؛ إذ فيها ثلاثة مستشفيات، أحدها حكومي واثنان خاصّان. وعلى الرغم من ذلك، اضطر المسعفون إلى نقل عدد من المصابين إلى مستشفيات خارج الهرمل. أسباب هذا الضعف كثيرة، في مقدمها سياسة الإهمال التي تنتهجها الدولة والنقص الفادح في الكادر البشري والتجهيزات والقدرات الاستيعابية
تعرضت الهرمل في غضون أقل من أسبوعين لهجومين انتحاريين بسيارتين مفخختين. سقط في التفجير الأول، الذي استهدف ساحة السرايا الحكومية، ثلاثة شهداء ونحو 43 جريحاً، وسقط في الثاني الذي وقع في محطة الأيتام للمحروقات شهيدان و28 جريحاً. الشهداء في كلا التفجيرين نقلوا إلى مستشفى الهرمل الحكومي، فيما نقل الجرحى إلى مستشفيي العاصي والبتول، حيث تلقى البعض منهم العلاج سريعاً، نظراً إلى جروحهم الطفيفة، فيما نقل البعض الآخر، ممن وصفت حالتهم بالخطرة، إلى مستشفيات أخرى في بعلبك والبقاع الأوسط وبيروت.
لكن، لماذا نقل الجرحى إلى مستشفيات خارج قضاء الهرمل؟ هذا الواقع يفرض أسئلة عن واقع مؤسسات الاستشفاء في هذه المنطقة. فهناك ثلاثة مستشفيات، اثنان منها خاصان، فهل هي عاجزة عن تقديم خدمات استشفائية كافية، وماذا يحصل عادة لذوي الحالات المرضية الحرجة والخطرة.
الواقع الاستشفائي لا يبدو مستغرباً لدى عدد كبير من الهرمليين، لا يرون في مستشفيات الهرمل سوى «مستوصفات ميدانية تحكمها المحسوبيات»، كما يقول أحمد ابن الهرمل. يتحفظ الجميع عن ذكر أسمائهم «حتى ما نجيب مشاكل لحالنا»، هكذا تقول «أم علي»، التي تؤكد أن «ضعف الثقة» بمستشفيات الهرمل «ليس انتقاصاً منها، لكن مردها إلى «عدم توافر القدرة لدى تلك المستشفيات لمعالجة سائر الحالات المرضية الصعبة»، تقول.
في المقابل، ثمة من يرى أن المستشفيات في الهرمل أدّت خدمات مهمة إبّان التفجيرين، من «منطق الطوارئ والكوارث». ولفت أحد مخاتير الهرمل إلى أن إرسال الحالات الطارئة والمستعصية إلى خارج الهرمل فسحاً في المجال أمام إمكانية تزايد عدد الإصابات، «كان أمراً لا بد منه في ظل وجود عدد غرف عمليات محدود (غرفتان في كل من مستشفى العاصي والبتول)، وحتى ندرة في غرف العناية اللائقة، ودون أن ننسى عدم وجود بنك دم في كل الهرمل والاعتماد على المتبرعين فقط» بحسب ما يقول.
هناك عند حدود الوطن في أقصى البقاع الشمالي حيث تنأى جغرافيا الهرمل وقراها عن بقية قرى قضاء بعلبك، وكذلك تنأى الدولة بإداراتها عن الاهتمام بشؤون مواطنيها ومرضاهم، تتموضع المستشفيات الثلاثة، التي «تفتقر إلى أغلبية المقومات الطبية والتمريضية الاستشفائية، سواء البشرية منها أو التقنية، التي إن توافرت فمن الممكن أن تكرّس ثقة أبناء المنطقة بها، وتدفعهم إلى التخلي عن الانتقال إلى مستشفيات بعلبك والبقاع الأوسط»، بحسب ما يشير الدكتور سيمون ناصر الدين لـ«الأخبار». البعض «يظلم» مستشفيات الهرمل، التي «تفتقر إلى الأطباء الاختصاصيين بمعالجة الحروق، وجراحة الأعصاب والعيون»، كاشفاً أن مستشفيات الهرمل «لا يوجد فيها سوى طبيب قلب واحد، وطبيبة أشعة وآخر للتخدير (بنج)، فيما السبب يكمن في عدم قبول أطباء من خارج الهرمل القدوم إليها رغم التقديمات المالية الإضافية».
المستشفى الحكومي في الهرمل افتتح في نهاية عام 2006، لكنه لا يزال حتى اليوم يخلو من قسم للعناية الفائقة، ويرجَّح بحسب ناصر الدين أن «يفتتح بعد شهرين تقريباً»، بعد أن دعم وزير الصحة علي حسن خليل المستشفى منذ أشهر بالتقديمات اللازمة لافتتاح قسم العناية. وإلى ذلك الموعد، لا يزال المستشفى الحكومي بانتظار أن «يفرج مجلس الإنماء والإعمار عن السكانر الموعود، الذي نال المستشفى الموافقة عليه من أيام وزير الصحة محمد خليفة في عام 2008»، لكن الوعود تلتها وعود لتبقى الذريعة واحدة: «عدم وجود تمويل»، في حين أن آخر الردود على الطلبات المتكررة من المستشفى «أن لا حكومة ولا اعتمادات مالية» يقول ناصر الدين.
في مستشفى الهرمل الحكومي 70 سريراً، 40 منها يشغلها مرضى، في أقسام جراحية منها للأطفال وللأمراض االنسائية والعيون، وفي قسم غسل الكلى الذي افتتح في عام 2010 والذي يتلقى فيه العلاج نحو 17 مريضاً من أصل 25 في الهرمل.
في تفجيري الهرمل الأول والثاني أصيب نحو 70 شخصاً بجروح متفاوتة، نقل منهم خارج مستشفيات الهرمل تسع حالات مستعصية (4 في التفجير الأول، و5 في الثاني)، جميعهم بحاجة إلى جراحة أعصاب وشرايين ومعالجة حروق بليغة، بحسب ما يوضح الدكتور علي شاهين، مدير مستشفى البتول في الهرمل. لا ينكر شاهين أن العديد من الحالات الطبية تُرَحَّل خارج الهرمل، «بعد تثبيت وضعها الصحي وتقديم الإسعافات الأولية لها»، عازياً عدم الإبقاء عليها في مستشفيات الهرمل إلى «غياب الكادر الطبي الاختصاصي بالحروق والقلب وجراحة الشرايين والأورام، وقد باءت محاولاتنا لاستقدامهم بالفشل لبعد المسافة»، مضيفاً: «حتى الكادر التمريضي في المنطقة تنقصه الخبرة العملية؛ لأنه متخرج في معاهد المنطقة، لا الجامعة اللبنانية، ومن أجل ذلك نجهد منذ سنة لتطوير دفعات من كادرنا التمريضي في بيروت». إلا أن اللافت أن بعلبك ـ الهرمل بأكملها تفتقر بنحو رئيسي إلى بنك دم، وهذا ما يصنفه الأطباء «تقصيراً فاضحاً من قبل الدولة»، ذلك أن المركز الوحيد في البقاع يقتصر على زحلة، بحسب شاهين الذي أكد أن كل ما هو موجود في المنطقة ليس سوى «مراكز استقبال للمتبرعين بالدم، تحفظ الوحدات لمدة لا تتجاوز 21 يوماً لتصبح من بعدها بحكم التالفة».
مستشفى البتول التابع لحزب الله، افتتحه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في عام 2003، بقدرة استيعابية لا تتعدى 25 سريراً وبمعدات وآلات متواضعة، وقد شهد تطويراً منذ بدء معركة القصير على المستويات كافة، من زيادة عدد الأسرّة إلى 50 وتحديث قسم الطوارئ، مع استعدادات خلال شهرين المقبلين لافتتاح قسم العناية الفائقة. لكن هل هذا التطوير كافٍ وقادر على نقل تجربة مستشفى الرسول الأعظم ومجمع القلب في بيروت إلى مستشفى البتول في الهرمل؟ يربط شاهين إجابته بجغرافيا الهرمل ووجودها «عند حدود الوطن بعكس بيروت»، كاشفاً أن مشاكل عديدة تضاف إلى بعد المسافة، منها الطبي والتمريضي والسقوف المالية للجهات الضامنة والظروف الاجتماعية للمنطقة، وأن مسألة توفير التجهيزات ليست العائق، بل الكادر البشري الطبي والتمريضي، كاشفاً أن «حزب الله يتحمل طبابة واستشفاء لبنانيي 24 قرية في ريف القصير، وجزء كبير منهم تصل نسبة تغطيتهم 100%، في الوقت الذي تخلت عنهم الدولة اللبنانية والجهات المانحة المحلية والدولية، ولم تعتبرهم حتى نازحين، فهل نتركهم ونتخلى عن أهلنا؟!»، يقول.
المشاكل والعوائق التي تواجه المستشفى الحكومي ومستشفى البتول في الهرمل، تكاد تكون هي ذاتها التي يعاني منها مستشفى العاصي. فعلى الرغم من إشارة مديرها علي علام إلى «تميّز» مشفاه بكونه «الوحيد في لبنان الذي يتوافر فيه لمرضى غسل الكلى مشاهدة التلفاز برسيفر خاص به وبينزل من السقف بعمود»، فضلاً عن وجود 85 سريراً بدرجة «فندقية» وتجهيزات «سكانر» وقسم للعيون ومختبر حديث، إلا أن ذلك كله لم يحل دون ترحيل المرضى المستعصية حالاتهم والخطرة إلى خارج الهرمل. في جعبة علام مشكلة إضافية تدفع المريض الهرملي إلى التوجه إلى مستشفيات بعلبك، وهي مرتبطة بغياب الدولة عن توفير مكاتب للجهات الضامنة في الهرمل، فضلاً عن السقوف المالية المحددة من قبلها لتلك المستشفيات. فقد أوضح علام لـ«الأخبار» أن قوى الأمن الداخلي افتتحت في سرايا الهرمل مركزاً طبياً لمنح التعهدات والموافقات لمرضى السلك، وقد فرز له العناصر اللازمة، «إلا أنه حتى اليوم لم يبدأ العمل فيه بذريعة نقصان بعض التجهيزات، وهو ما أبدينا استعدادنا المالي لتغطية نفقاته، لكن حتى اليوم لا تنفيذ»، كما يقول. وبناءً على ذلك، يبقى المركز الطبي في بعلبك هو الموكل منح تعهدات الاستشفاء لمرضى قوى ألأمن الداخلي وحتى في حالات التمديد لها، الأمر الذي يدفع المرضى ــ بحسب علام ــ تفادياً لمعاناة انتقالهم من الهرمل إلى بعلبك، ولمسافة تزيد على 60 كلم، إلى «دخول مستشفيات بعلبك وتخليص معاملاتهم هناك بدلاً من الذهاب أكثر من مرة».
الجيش من جهته افتتح مستوصفاً طبياً في الهرمل، لكنه «لا يعطي موافقات استشفائية، وحتى إنهم لا يحوّلون لنا مرضى إذا ما انتهى السقف المالي المحدد من قبلهم بملياري ليرة، وهو دافع أيضاً للمرضى العسكريين وعائلاتهم للتوجه إلى مستشفيات في بعلبك»، كما يؤكد مدير مستشفى العاصي. أما تعاونية موظفي الدولة، فلا مركز لها في الهرمل، على الرغم من المطالبات العديدة ــ بحسب علام ــ الذي لفت إلى أن مرضى التعاونية يتوجهون أيضاً إلى بعلبك لإنجاز معاملاتهم «وفق شروط ومدة محددة بـ48 ساعة لتقديم التعهد ودخول المستشفى، وإلا تعتبر الموافقة لاغية».
الضمان الاجتماعي كجهة ضامنة، على الرغم من وجود مكتب له في الهرمل، إلا أنه لا يمنح موافقات طبية، «والمريض بدو يلحق مراقب ضمان واحد لبعلبك ـ الهرمل كله، فضلاً عن التعهدات الطبية التي لم يحضرها أصحابها للمستشفى وحالة الفوضى في ذلك، حيث تبين لدينا بجردة عام 2011 عدم إحضار 137 معاملة»، يقول علام.
لبنان
ACGEN
استشفاء
الأخبار