الموت على أبواب المستشفيات: النظام الصحي القاتل

Friday, 7 February 2014 - 12:00am
ليس الموت الأخير. حسين قطايا الذي قضى، قبل أربعة أيام، على باب المستشفى بسبب عدم وجود سرير شاغر في غرفة العناية، لن يكون الأخير على لائحة الموت. سيليه كثيرون سنتعرف على أسمائهم لاحقاً، لكننا، عرفنا الكثيرين قبله. فهل نسي أحدكم مثلاً مصطفى الذي توفي الشهر الماضي عند الباب نفسه للسبب نفسه أيضاً؟ أم صورة مؤمن المحمد، الذي قضى على باب مستشفى في عكار بسبب عدم توافر المال لدى عائلته الفقيرة؟ أم صورة محمد طه، الذي فارق الحياة عند باب المستشفى أيضاً لأن عائلته تأخرت في تأمين المال لتسهيل دخوله؟ اطفال وذوو احتياجات خاصة وفقراء اشهر الاعلام موتهم او اغفله كرمى لعيون القابضين على ارواح الناس.

هؤلاء بعض من ماتوا عند أبواب المستشفيات، قتلتهم الدولة الفاشلة ونظامها الصحي «الزبائني». نظام مقصود يرمي الى ترك أكثر من نصف المواطنين بلا ضمان صحي كي يرهن ولاءاتهم في مقابل صحّتهم. نظام يتحكّم فيه زعماء مستبدون رفضوا اقرار مشروع التغطية الصحية الشاملة، الذي يقينا من الموت ذلاً عند ابوابهم وابواب مستشفياتهم. فما الذي يعنيه هذا الموت البارد الذي يمر خبراً في جريدة؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة العامة عند حصول موت كهذا؟ هل تحقق في الذريعة التي يتذرع بها أصحاب المستشفيات لرفض المرضى؟ هل احيل ملف «موت» واحد على القضاء؟ هل جرت محاسبة وزير او مسؤول ومدير او تاجر ارواح؟ طبعا لا، لان القاتل محمي والقتل وظيفة للسلطة والنفوذ وجني الثروات. حتما لا محاكمة ولا مساءلة، لأنه لا اعتراف بالجريمة اصلا. يموت الناس هكذا بلا اي قيمة في عرف المجرمين.
ينطلق وزير الصحة العامة علي حسن خليل من موت قطايا. في الشكل، يرفض الوزير مقولة «الموت على ابواب المستشفيات»، فقطايا الذي قضى قبل أربعة أيام «مات لأنه لم يكن هناك غرفة عناية فائقة متوافرة، وليس هناك سبب آخر، وقد فتحنا تحقيق في الموضوع وهو في طور المتابعة». أما في الأساس، فالموت الحاصل لا علاقة له «لا بمشكلة تمويل ولا بمشكلة دخول على حساب وزارة الصحة، بل المشكلة تكمن في أزمة الضغط الهائل على المستشفيات، وخصوصاً مستشفيات مناطق الأطراف، والأمر له علاقة بإمكانات المستشفى، وهي مشكلة عويصة الآن مع موجة النزوح السوري أيضاً». وأكثر من ذلك، هناك «228 ألف حالة استشفاء تتابعها وزارة الصحة، أضف إلى ذلك 232 ألف معاملة تدرس في مصلحة التفتيش».
هي الإمكانات إذاً، لكن، هل هذا كافٍ لتبرير ما يحدث؟ في هذا الإطار، يتحدث رئيس لجنة الصحة العامة في المجلس النيابي عاطف مجدلاني عن مسؤولية «النظام الصحي على نحو عام، إذ برغم كل التقديمات التي تقوم بها وزارة الصحة، إلا أن المراقبة في المؤسسات العامة شبه معدومة». وهذا الموضوع، بحسب مجدلاني «يتخطى وزارة الصحة، وهي أزمة مراقبين غير متوافرين على مدار الساعة، حتى إنه بدنا نحط مراقبين على المراقبين». ويتساءل مجدلاني «ما الذي يؤكد لي أنه فعلاً ما من سرير شاغر في العناية الفائقة». تساؤل لا ينبع من «النية العاطلة» تجاه المستشفيات، بحسب مجدلاني، لكنه تساؤل مشروع. ويعيدنا إلى الحديث عن إعادة تصحيح النظام الصحي بكامله، «وعن المشروع الذي تقدمت به كتلة المستقبل في هذا المجال، وهو اقتراح قانون البطاقة الصحية الشاملة، التي ستخلصنا من شيء اسمه السقف المالي للمستشفيات، وتحمي كرامة المواطن، وهو عبارة عن دمج ما تقدمه وزارة الصحة ومساهمة بسيطة من المواطن على نحو سنوي، كأنها شركة تأمين».
هكذا، يسيطر منطقان على المتحكمين في الدولة، إمّا الرضوخ لعجز الامكانات، أو شركة التأمين! لا مجال في هذين المنطقين لكلمة «حق». صحّة الانسان حق من حقوقه، يجب الّا تخضع لمثل هذه المساومات ابدا. لقد سبق ان طُرح على مجلس الوزراء مشروع لتنفيذ التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين في لبنان، وجرى اقتراح سبل تمويلها من الضرائب على الريوع العقارية والمالية، اذ فيما يُقتل حسين ومصطفى ومؤمن ومحمد... وغيرهم كثر نجهلهم، هناك من يراكم الثروات من دون ان يسدد اي ضريبة.
تؤكّد الاحصاءات ان 50% من اللبنانيين لا يمتلكون ضمانا صحّيا، وكل المصرّح عنهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يفقدون ضمانهم الصحّي عند التقاعد او عند البطالة، اي في ذروة حاجتهم الى هذا الضمان، وبحسب هذه الاحصاءات لا تمتلك نسبة مهمّة من غير المضمونين اي قدرات مالية لتسديد اشتراكات سنوية او المساهمة في كلفة الطبابة والاستفاء والدواء والمختبرات، وهي كلفة منفوخة جدّا لمراكمة الارباح باعتراف الجميع. فهل من ينطلق من هذه الحقائق لكي يكف عن التبرير ويتصالح من الناس وحقوقهم ويحيّد صحّتهم عن سوق المتاجرة بالمال والولاءات؟

لبنان
ACGEN
اجتماعيات
استشفاء
الأخبار