انتشرت في الفترة الماضية ظاهرة الاستدعاءات والاحكام القضائية بحق الناشطين والناشطات وبعض السياسيين الذين واللواتي حاولوا/حاولن الكشف عن فضائح فساد، تعديات او حتى الإعراب عن رأي او المدافعة عن حقوق المواطنين/ات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وقد طاولت تلك الاستدعاءات والاحكام مروحة واسعة من الصحافيين/ات واصحاب المدونات والافراد ومنهم الوزير السابق شربل نحاس، وذلك في مسعى لحماية بعض اصحاب المصالح الاقتصادية او الرموز السياسية (رئيس الجمهورية وزعماء الاحزاب).
واذ نركز في هذه العجالة على الملاحقات القضائية التي تصيب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ذلك لانها تتم في غياب اي انظمة تحفظ الحقوق الفردية وحرية الرأي وحق المساءلة وتعزيز الشفافية، في زمن اتسعت رقعة الحريات المدنية الفعلية مع تزايد استخدام الشبكة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق ذلك.
وتجدر الاشارة ان تلك التعديات تمر عبر "مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية"، الذي اوكل بمهمة التحقيق، علماً انه انشأ عام 2006 بموجب مذكّرة داخلية للأمن الداخلي، دون ان يتمّ تعديل مرسوم التنظيم العضوي للأمن الداخلي، وهو يتبع لقسم المباحث الجنائية الخاصة في وحدة الشرطة القضائية.
وقد استدعى ذلك المركز في العاميين الماضيين عدد من المستخدمين/ات الالكترونيين/ات للتحقيق معهم/ن حول مقالات تم نشرها وقد حكمها القضاء اللبناني بجرم القدح والذم، ومن بينهم/ن:
- االصحافية رشا الامين لنشرها مقالاً تحت عنوان "رسالة من قدامى القوات اللبنانية إلى سمير جعجع"، على صفحتها الخاصة على موقع "فايسبوك" في دعوى من رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع
- الصحافي محمد نزال، الذي فضح بالادلة الدامغة تورط بعض القضاة والقاضيات في قضية ترويج المخدرات
- لونا صفوان، وزميلتها رانيا رضوان، وموقع "ناو" الإلكتروني، لكتابة تدوينة، بعنوان "أكثر الشخصيات المسلية في العام 2013" في دعوى من الصحافي جو معلوف
- الصحافية رشا أبو زكي، لمقال كتبته بعنوان: «فصول من اللغز المالي: قرارات قضائية تثبت مخالفات السنيورة... والتلاعب بالارقام واقع» في دعوى من الرئيس فؤاد السنيورة
- حازم صاغية لنشره مقالة في صحيفة «الحياة» بعنوان: «الذمية العونية»، في سياق دعوى من العماد ميشال عون
- الصحافي جعفر العطار حول مقال كتبه بعنوان: «فصول من رواية الاتصالات: توظيف ميلاد ومفاجآت خط الجنوب والشركة الإسرائيلية»، في دعوى من هيئة «أوجيرو»
- الوزير السابق شربل نحاس، على خلفية وصفه على صفحة موقع التواصل الاجتماعي الخاص به، رئيس ادارة شركة " سبينيس" مايكل رايت" بالارهابي
- مدير تحرير صحيفة الاخبار ابراهيم الامين على خلفية مقالين كتبهما حول رئيس الجمهورية
- المواطن جان عاصي ارتكاب جرائم القدح والذم والتشهير والتحقير والنيل من سمعة وكرامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
وعليه، يستغرب الحقوقيون/ات صلاحية استجواب مدونين/ات يعبرون/ن عن اراء شخصية او قضايا حقوقية او قضايا فساد ولو استناداً الى اجتهاد محكمة المطبوعات، التي اعتبرت ان الشبكة الالكترونية هي وسيلة نشر، اي مطبوعة وتخضع لقانون المطبوعات. وبحسب المحامي نزار صاغية فأنّ «القضاء يفترض ان يستعين بالمكتب، لأغراض فنيّة فقط، بمعنى أنّه إذا رفعت شكوى قدح وذمّ ضدّ مدوّنة أو ضدّ مجهول يروّج لافعال منافية للاداب، يتوّلى المكتب الكشف عن هويّة المعني، ليصار إلى التحقيق معه ومحاكمته أمام القضاء، لكنّ المكتب لا يتمتّع بصلاحيات الضابطة العدليّة، كي يحقق مع أحد".
نختم بالقول، ان ظاهرة قمع حرية الرأي والتعبير والنقد، واستنفار الاحكام المرتبطة بالمطبوعات ما هو الا دليل على عجز سلطات الدولة في اطلاق حوار مجتمعي واسع حول تلك القضية، كجزء من توجه اوسع لمقاربة قضايا المواطنة والحقوق بما يؤمن الحريات الفردية لكافة الاطراف، بعيداً عن استخدام اساليب "كم الافواه"، وهذا ما يعيد الى الواجهة قانون جديد للاعلام، الذي أعده النائب غسان مخيبر بالتعاون مع "جمعية مهارات، والذي لا زال يقبع في لجنة الاعلام والاتصالات النيابية.