أقر مجلس النواب في أولى جلساته يوم أمس قانون العنف الاسري الذي تضمن التعديلات المشوهة التي ادخلتها اللجنة النيابية الفرعية لدى دراسة مشروع القانون، في وقت اعتصمت فيه جمعية "كفى عنف واستغلال" وحشد من الناشطين/ات تحت شعار "هنّي ومجتمعين، نحن معتصمين حتى يصوتوا على قانون حماية النساء مع التعديلات"، للمطالبة باعادة صياغة مشروع القانون ليتوافق مع المضمون الاصلي وبمواكبة وفد مشكل من رئيسة الجمعية زويا روحانا، المحامية ليلى عواضة وفاتن أبو شقرا وإقبال دوغان اللواتي حضرن الجلسة من داخل المجلس النيابي.
صدق القانون في عشر دقائق وذلك من دون ان يفسح رئيس مجلس النواب نبيه بري مجالا لمناقشة اي تعديلات. وكان المتكلّم الوحيد النائب علي عمار، الذي شكى من تعنيف المجتمع المدني والحملات التي نظمت لإقرار القانون، للنواب أعضاء اللجنة، لافتاً إلى أن التعديلات جاءت من ضمن الروحية الدستورية في البلاد، وأنها "استحضرت أيضاً الحفاظ على النسيج المجتمعي وقوانين الأحوال الشخصية"، وختم ممازحاً "والآن نطالب المنظمات النسائية بتقديم مشروع قانون لحماية الرجال من العنف الأسري ". وعندما رفع النائب سيمون أبي رميا يده مطالباً بتلاوة مذكرة لكفى على النواب بخصوص اقتراحاتها للتعديل، دون ان يتبنها، لم يسمح الرئيس بري له بالكلام، مقاطعاً أن "المجلس لا يشرّع تحت الضغط». والجدير بالذكر أن "التحالف الوطني من أجل تشريع حماية النساء من العنف الأسري" الذي تتزعمه "كفى" كان قد التقى نحو سبعين نائبا وافقوا على مضمون تعديلات كفى وتعهدوا بالدعوة لمناقشتها والتصويت عليها خلال الجلسة التشريعية.
وقد تباينت مواقف المجتمع المدني بعد اقرار القانون بين مرحّب بما أنجز على طريقة "خذ وطالب"، وبين رافض، وعلى رأس المجموعة الاخيرة منظمة "كفى"، لكون القانون بصورته الحالية يطيح بجوهر القانون الاصلي ولا يؤمن الحماية المرجوة. وفي هذا السياق، أكدت كل من مديرة "كفى" زويا روحانا، ومسؤولة الدائرة القانونية في المنظمة، المحامية ليلى عواضه، عن خيبتهما وخيبة المجتمع المدني من إقرار القانون بالصيغة المعدّلة، وتوقفتا عند أبرز الملاحظات حوله، اولها تعميمه ليشمل جميع أفراد الأسرة، بينما هو وضع اصلاً لمراعاة احتياجات النساء المعنفات تحديداً، وثانيها تجريم الأذى الناتج من الاغتصاب الزوجي، بدل من تجريم فعل الاغتصاب بحد ذاته. ومن المآخذ الاخرى على القانون، تقييده لإجراءات حماية المرأة المعنفة مع أطفالها بسن الحضانة الخاضع لقوانين الأحوال الشخصية لـ18 طائفة في لبنان، ومنحه صلاحية استصدار قرار الحماية بقاضي التحقيق وليس بالنيابة العامة، ما يعيق حصوله في أيام العطل والأعياد، وأخيراً إبقاءه على المادة التي تعطي الأولوية لقوانين الأحوال الشخصية لدى تضاربها مع قانون العنف الأسري غير واضحة.
في الجهة المقابلة، اعتبرت النائب ستريدا جعجع إقرار القانون "إنجازاً"، مبدية تحفظاتها خارج قاعة مجلس النواب، على المادتين المتعلّقتين بتسمية القانون وعدم تخصيصه للنساء، ووعدم تجريم الإغتصاب الزوجي، لكن بعد التصويت عليه. وفي الردود ايضاً، أسفت الأستاذة الجامعية الدكتورة عزة شرارة بيضون للدمج الذي حصل في القانون، مطالبة بتجريم الاغتصاب الزوجي وضرورة معاقبته كجرم بحد ذاته، مؤكدة على أهمية توجّه المرأة المعنّفة إلى المحامي العام الاستئنافي المكلف بالنظر في قضايا العنف الأسري مما يوفر شروطا أفضل لحماية المرأة كالسرعة في اتخاذ القرار ومراعاة الأوضاع المادية والإجتماعية، وليس إلى قضاة آخرين. بدورها، أكدت الوزيرة السابقة ريا الحسن أن "ما قاله الرئيس الحريري واضح، فنحن مع القانون ومع الحقوق وضدّ العنف الأسري والأذى الذي يلحق بالمرأة"، مذكرة أن "حكومة الرئيس الحريري آنذاك عملت على مشروع القانون، واقراره اليوم يعتبر إنجازاً كبيراً وخطوة جبّارة، لكن هذه خطوة أولى ونأمل ادراج التعديلات التي تساهم في تطوير القانون مستقبلاً". كذلك رأت المنسقة العامة لقطاع المرأة في "تيار المستقبل" عفيفة السيد، أن القانون كما أُقرّ لا يرقى إلى مستوى طموحنا من دون التعديلات الأساسية التي وضعها التحالف الوطني"، داعيةً إلى "الالتزام ببيان الرئيس سعد الحريري الذي طالب بحماية النساء من العنف الأسري واعطاء المرأة حقها في منح الجنسية لأولادها".
من جهة أخرى، كان النائب روبير غانم قد أكد في حديث إذاعي قبل إقرار القانون، أن "القانون أُشبع درساً، وسيمرّ في الجلسة التشريعية من دون أي خلاف، وأن عدداً من المرجعيات الدينية أبدت بعض التحفظات على عدد من بنود مشروع القانون لأنها كانت تتعارض مع الشرائع الدينية، ولكن تمّت معالجة هذا الموضوع"، مشدداً على أن "ما سيقر في الجلسة العامة كافٍ لحماية المرأة". اما النائب سامي الجميل، فقد إعتبر ان "ما تحقق خطوة اولى ومهمة، ونحن نهنىء المرأة باقرار القانون اليوم، ويمكن لاحقا ان نطورّه اكثر، انما لو خضنا اليوم في نقاش طويل، لكان القانون برمته طار".
بدوره أعرب النائب غسان مخيبر، في حديث الى صحيفة "النهار"، عن ترحيبه بصدور هذا القانون معتبراً ان موضوع الاغتصاب الزوجي ورد في القانون انما بصيغة مبتكرة تحرمه، معددا ابرز مزايا القانون الجديد، ومنها: تعديل المادة 26 جذريا لإلغاء التداخل والخلط بين مشروع القانون، ذات الطابع المدني والجزائي والحمائي، وأنظمة الأحوال الشخصية، تصحيح العديد من العقوبات لجهة تشديدها لا تخفيفها، اضافة احكام لم ترد في مشروع القانون لضمان المساواة في جرم الزنى، إنشاء قطعة متخصصة في قوى الأمن الداخلي تضم عناصر من الجنسين مدربين على حل النزاعات الأسرية والتوجيه الاجتماعي، وتخصيص قضاة في العنف الأسري. (للحصول على أبرز التعديلات التي أشار إليها مخيبر، الرجاء مراجعة الرابط التالي:) (النهار، السفير، المستقبل، الأخبار، الديار 2 نيسان 2014)