Friday, 14 March 2014 - 11:21am
أكثر من 5 آلاف إنسان لا يحظون بنعمة الاستقرار الوظيفي في الملاكات الدائمة في الإدارات العامة. يعملون تحت مسميات مختلفة، فمنهم الأجراء، ومنهم المتعاقدون والمياومون، وبالفاتورة وبالساعة. هنا لا مكان لديمومة العمل ومفهوم العدالة الاجتماعية؛ فهؤلاء محرومون من جميع التقديمات والحوافز. لا يصيب الأجراء أي ترفيع أو تصنيف أو ترقية أو تقييم أو حق بالتقاعد. يعانون من غياب التغطية الصحية ومن تمييز في الإجازات (إدارية، مرضية، زواج، وفاة).
لا تطالهم سلسلة رتب ورواتب، بل أجر عبارة عن إعاشة ولا تغطية صحية أو منح مدرسية أيضاً. ولدى الحديث عن المياومين والعاملين بالساعة، يغدو الوضع أسوأ؛ فلا ضمان اجتماعي ولا إجازات ولا حتى عطل.
باختصار، تحتجز الدولة الأجراء والمتعاقدين في واقع متحجر، كما قالت الأجيرة في وزارة الاتصالات هدى البيطار. فالباحثة الاجتماعية ستنتفض هي وزملاؤها في إطار لجنة المتابعة للعاملين في الإدارة العامة ضد ما سموه الاحتراق الوظيفي «كي لا نبقى مواطنين درجة ثانية وكي لا نكون كبش محرقة لما يسمونه إصلاحاً إدارياً وليس له علاقة بالإصلاح بسبب قوانين جامدة وبالية». السلسلة المطروحة أتت مخيبة لآمال المتعاقدين لكونها لا تطالهم وتعمّق الفارق بينهم وبين زملائهم في الملاك إلى 600 ألف ليرة لبنانية، ضمن إجحاف من الوزارات والإدارات الموازية على حد سواء.
ستنسق اللجنة تحركاتها لإقفال باب الاصطفاف السياسي والمذهبي والتعاقد الوظيفي، مع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان ورابطة موظفي الإدارة العامة وهيئة التنسيق النقابية.
باكورة التحركات كانت ندوة عن هذا الواقع، انتظر أصحاب القضية أن تكون حوارية كي يطرحوا هواجسهم، لكن ضيق الوقت حال دون التفاعل مع المحاضرين، وهم: وزير المال الأسبق د. جورج قرم والخبير الاقتصادي د. غسان ديبة ورئيس رابطة موظفي الإدارة العامة د. محمود حيدر.
قرم يرى أن حالات التعاقد في الدولة اللبنانية مخالفة للقانون وللمبادئ الدستورية التي تنص على المساواة بين الموظفين في الحقوق والواجبات. يستند إلى المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي 112 (قانون الموظفين) ليقول إنّ «الموظفين قسمان: موظف دائم وموظف مؤقت، والمؤقت من ولي وظيفة أنشئت لمدة معينة أو لعمل عارض». أما أن يصبح المؤقت دائماً وتلغى الحمايات الاجتماعية والمكاسب فذلك، بحسب قرم، بدعة مخترقة للدستور إلى أبعد الحدود. يقول إنّ الحكومات المتعاقبة لم تهتم بتحديث قانون الموظفين بما يتماشى مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية وإدخال المعلوماتية، بل اكتفت بترقيعات ضربت القطاع العام ودور الدولة وخلقت ممالك وإقطاعيات مقفلة على زعماء الطوائف، عملاً بأساليب النوليبرالية والرأسمالية الوحشية. يستغرب كيف أن دولة تخرج من حرب ولا ترفع الضرائب وتختلق بدعة العاملين بالساعة، في وقت تبلغ فيه نسبة الشغور في الفئة الخامسة 51% والفئة الرابعة 73%، والفئة الثالثة 54%، والفئة الثانية 58%، والفئة الأولى 41%، أي بمعدل عام 70%.
يصف الوضع بالسوريالي، سائلاً: «ألم يحمل خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للدولة ملاحظات عن هذه الأوضاع الإدارية الشاذة؟». يطالب قرم بجهد تغييري يتمثل بإعادة صياغة قانون الموظفين، بما يظهر فظاعة هذا الوضع وتوسيع رقعة المستفيدين من التأمينات الاجتماعية والتقاعد.
أما غسان ديبة فيقارب المسألة أكاديمياً من باب أهمية الفهم الاقتصادي للمراحل التي أدت إلى بروز ظاهرة العمالة غير النظامية والمؤقتة. برأيه، الظاهرة قد تتخذ أشكالها القصوى عندنا، لكنها ظاهرة عالمية وغير محصورة بلبنان، بل امتدت إلى الدول الرأسمالية المتقدمة. ويقول إنّ المدافعين عنها يتحدثون عن إيجابياتها في امتصاص البطالة وتخفيف الأعباء وإتاحة دخول سوق العمل لبعض العاملين. لكنّه يعلّق أنّ هذه النظرة الخاطئة وهي تغطية الفشل في التنمية الاقتصادية وبدء تفكيك دولة الرفاه الاجتماعي والنهج الذي تتبعه الدولة في السياسات الاقتصادية في ظل العولمة، وانصياع الحكومات المتعاقبة لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عمليات الخصخصة المنتقصة والهجينة، وتخلي الدولة عن دورها الرعائي ولجوئها إلى سياسة ضريبية خاطئة. هناك فرصة، كما يقول، أمام النقابات والأحزاب والعمال لتغيير الواقع بالاستفادة من أزمة الرأسمالية.
محمود حيدر يذكّر بأن هيئة التنسيق وقفت في عام 2005 في وجه 13 مشروع قانون من البنك الدولي لتكريس التعاقد الوظيفي والقضاء على الإدارة العامة وتحويلها إلى مزارع وإقطاعيات للمحاصصة السياسية والطائفية، داعياً إلى الالتفاف حول الرابطة لتحديد الخطوات المطلوبة من أجل تحويلها إلى نقابة فاعلة وشريكة في القرارات. يذكر أن الجمعية العمومية للرابطة اتخذت قراراً بذلك في 28 شباط الماضي.
لبنان
ACGEN
الأخبار
تربية وتعليم