Tuesday, 29 April 2014 - 12:00am
يتغطّى أصحاب هيئات العمل ورؤوس الأموال بـ«الإصلاح الإداري» في مقاربتهم لموضوع سلسلة الرتب والرواتب. لا ينكر هؤلاء أنهم يدافعون عن مصالحهم، برغم أن رأيهم يكشف تلقائياً عن وجود ثلاث مصالح متضاربة؛ مصلحة المؤسسات، رغبات السياسيين، حقوق العمال. هي «ترويكا» أحصنة يجرّ كلّ منها العربة في طريق مختلف. ممثلو هذه الهيئات يشدّون صوب «الإصلاح» كبديل عن زيادة الضرائب لتمويل كلفة السلسلة. بعضهم يقرّ بأن الضرائب التي يخضعون لها متدنية قياساً على مستوياتها في بعض الدول، لكن «ليس لدينا تقديمات اجتماعية كما في تلك الدول».
دورة متباطئة
يجمع ممثلو الهيئات على ثلاثة أمور: إقرار السلسلة حقّ مشروع، لكن يجب أن يرتبط بالإصلاح. كلفة السلسلة غير واضحة. لا يمكن إقرارها أثناء فترات التباطؤ في الدورة الاقتصادية. وبحسب المدير المالي والاستراتيجي لمجموعة بنك عوده فريدي باز، فإن لبنان يشهد «دورة تباطؤ اقتصادي منذ 3 سنوات، إذ بلغ متوسط النمو 1%، وتضخم حدّه الأدنى 3%، وزيادة في السكان (اللبنانيين) تراوح بين 1.5% و2%. المشكلة أنه عندما تتخطى الزيادة السكانية النمو الحقيقي، فإن زيادة الرواتب خطيرة على الدخل الفردي الحقيقي وتضعه في منحى تراجعي». ويشير إلى أن كلفة السلسلة «غير واضحة»، لأنها «بدأت بـ 1600 مليار ليرة، وأُحيلت على اللجان لتخرج 2100 مليار، ثم ارتفعت إلى 2400 مليار، وهناك من يقول إنها ستبلغ 2800 مليار. هل من الصعب على بلد يريد أن يأخذ خطوة تصحيحية كهذه أن يحددّ كلفتها؟ واللافت أن المستفيدين ليسوا معروفين، فهناك كلام عن 270 ألف مستفيد... ما هي الإنتاجية الحقيقية لهؤلاء؟».
كلام باز يستدعي سؤالاً مختلفاً: مشكلة السلسلة عمرها 20 سنة، وأنتم لم تسهموا في معالجة هذا الأمر منذ ذلك الوقت، واليوم رفعتم الصوت بسبب زيادة الضرائب على المصارف؟
يقول باز إنه «لا يجوز فصل المطلب المحقّ بتصحيح الأجور في القطاع العام عن تصحيح الإدارة. ولا يختلف اثنان على أن هناك أفرادا لا يعملون ويتقاضون رواتب، فيما هناك أفراد يعملون بضمير... ليس من المنطق زيادة الإنفاق غير المجدي، فهل ستذهب المبالغ كلها إلى أشخاص فاعلين بمجملهم؟ هناك ضرورة لتصحيح يأخذ بالاعتبار المستوى اللائق للمعيشة حتى لا يرتشي أي موظف رسمي. لا أقول إنه يجب البدء من الأول، لكن لا يمكن البدء من الآخر، بل يجب البحث عن بداية وسطية».
أما بالنسبة إلى المصارف «فإن حصّة المصارف من الضرائب المطروحة تبلغ 500 مليار. أما زيادة الاقتطاع الضريبي بنحو 1.5 مليار دولار، فهي تدفع نحو الانكماش الاستهلاكي، وستتأثّر التجارة والقطاعات التي تدور في فلكها، وهي تمثّل 70% من الاقتصاد».
الضرائب والتقديمات الاجتماعية
ضريبياً، يعترف باز بأن نسب الاقتطاع الضريبي الالزامي في لبنان متدنية، إذ تبلغ 22%، ويشير إلى أنها تبلغ في بعض بلدان أوروبا الشمالية 45%، وتصل إلى 44% في النروج والسويد، وإلى 55% في فرنسا و44% في ألمانيا... «إلا أنه مقابل هذه الضرائب، هناك تقديمات اجتماعية مساوية للاقتطاع؛ ففي لبنان ليس لدينا طبابة، ومستوى التعليم الرسمي في كل مراحله لا ينافس القطاع الخاص. أيّ نقل عام لدينا؟ أي ضمان شيخوخة؟ أي ضمان ضدّ بطالة؟ في الدول الأوروبية حيث مستويات الضرائب مرتفعة، هناك تقديمات اجتماعية، لكن في لبنان لا يحصل المواطنون على شيء».
فريدي باز: يمكن تحصيل 3 مليارات دولار من دون زيادة الضرائب
هذا الوضع، في رأي باز «لا يوجب إلغاء البحث في السلسلة، بل يستدعي البحث عن الإصلاح الإداري». ويلفت إلى أن «الفرق السنوي بين مداخيل الدولة الفعلية والمداخيل الممكنة يبلغ 3 مليارات دولار. فعلى سبيل المثال، هناك فواتير كهرباء غير مجبيّة بقيمة 400 مليون دولار سنوياً، وفواتير هاتف غير مدفوعة بقيمة 100 مليون دولار، وبقيمة 225 مليون دولار غير مجبية من الضريبة على القيمة المضافة، تهرّب ضمن منطق «الشطارة»، وهناك 160 مليون دولار ضرائب فائتة على العقارات بسبب التخمين المتدني. ويضاف إلى ذلك، 1.9 مليار دولار ضرائب فائتة على الخزينة، من الأرباح والأجور، تحتسب على أساس أن هناك 30 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، خاضعة للضرائب بمتوسط سنوي إجمالي يبلغ 10%، لكن لا نحصّل أكثر من 1.035 مليار دولار فقط. لا يمكن اعتبار كل هذا المبلغ هروبا ضريبي، بل هو تقصير من الإدارة الضريبية. يمكن تحصيل 3 مليارات دولار إضافية من دون الحديث عن أعباء الكهرباء، ولا عن الفساد في المطار والمرفأ...».
وبالنسبة إلى القطاع المصرفي، فإنه «يمثّل 9% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تمثّل العمالة المصرفية 2.2% من القوى العاملة، إلا أن القطاع المصرفي يدفع 37% من مجمل قيمة الضرائب المحصّلة على الأرباح، وموظفو المصارف يدفعون 28% من الضرائب على الأجور».
توسيع كعكة الاقتصاد
إذاً، ما الخيارات البديلة المطروحة؟ يجيب باز: ليس هناك من داعٍ لزيادة الضريبة طالما نحن قادرون على تحصيل مبالغ غير محصلة. وطالما أننا لم نصل إلى مستوى تحصيل مرتفع، فمن الخطأ الفادح على المشرّع اللبناني أن يعدل في مستويات الضرائب». عند هذا الحدّ، يذهب باز في اتجاه المسؤوليات. «دخلنا في دوامة منذ نهاية الحرب الأهلية إلى اليوم. وزارة المال تحوّلت إلى دائرة محاسبة. اليوم ليس لدينا موازنات، وألغينا وزارة التصميم. أما إذا اعتبرنا الحشو في الإدارات العامة سياسيا، فهو تحوّل إلى نوع من الدعم الملحوظ في الإنفاق العام، وهو إنفاق أقل جدوى. وأصحاب الحقّ لا دخل لهم في ما حصل».
هذا الأمر يقود نحو سؤال من نوع مختلف: هل المصارف مستعدة لزيادة الاقتطاع الضريبي من أجل تمويل الحمايات الاجتماعية؟ «يجب البدء في تحصيل الضرائب أولاً، ثم نعيد تقويم الوضع. يجب توسيع كعكة الاقتصاد من خلال الإصلاح وتحصيل الضرائب... والكل سيكون مرتاحاً» يقول باز.
ثقافة النواب: النهش
مقاربة الصناعيين لا تختلف كثيراً، فالرئيس السابق للجمعية جاك صرّاف، يرى أن «اللبنانيين سيدفعون كلفة السلسلة بطريقة غير مباشرة». ويشير إلى أنه «يجب إصدار سلاسل رتب وراتب في القطاع العام تكشف كيف ندفع ولمن ندفع». ويذهب صرّاف في توصيف التوظيف السياسي في الإدارة العامة بأنه «مجتمع ريعي. ندفع لهذا المجتمع، فيما يجب أن يكون مجتمعاً منتجاً. والمشكلة أن منطق رفض إقرار السلسلة يغتصب حقوق الآخرين، لذلك يجب أن نبحث في قدرة الاقتصاد على تحمل هذه الكلفة».
ويشرح صرّاف، أن هناك «مؤسسات تعضّ على الجرح، والموت عند الكل محتمل. أي قرار يجب أن يؤخذ، إذا لم يكن مبنياً على أرقام، فهو قرار خاطئ. الحلّ يبدأ بإنشاء فريق عمل من وزارة المال لإصدار أرقام فعلية، ثم البحث عن الخيارات المطروحة، سواء تقسيط الكلفة، بيع أملاك الدولة، وقف الهدر، إصلاح الإدارة...». ويضيف أن السلسلة بحدّ ذاتها «لا تؤثّر في الصناعة ولا في التجارة، لكن ما يحصل عملياً هو الذهاب في اتجاه توفير مداخيل بواسطة الضرائب لدفع أموال لنواب لديهم ثقافة النهش».
الاعباء التجارية
تجارياً، يشير رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس، إلى أن أول حلّ يكمن في خفض النفقات التي تبلغ اليوم 21 ألف مليار ليرة «على اعتبار أن الضرائب لديها مفعول انكماشي. وفي هذا الباب، يجب معالجة عجز كهرباء لبنان، الذي يفوق ملياري دولار سنوياً، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في المدى المتوسط، لتحقيق وفر حقيقي».
ثاني الحلول هو تحسين الجباية للضرائب القائمة حالياً «كلّنا نعلم أن هناك تهرّباً من الضريبة، والمتهربون يمثلون نوعاً من المنافسة غير المشروعة في وجه التجار المنتظمين».
أما الحلّ الثالث، فهو يتمثّل في «إقرار ضرائب جديدة وهو أمر يتطلب قراءة اقتصادية لمفاعيلها، لأن زيادة الضريبة ستؤثّر سلباً في النشاط الاقتصادي، فإذا زيدت على الاستهلاك، فسيخفّ الاستهلاك».
وفي رأيه، فإن «زيادة العبء الضريبي من 14 ألف مليار ليرة إلى 16 ألف مليار ليرة، أي بنسبة 14%، ستؤثّر في كل الناس. فالتجّار سيتأثرون بزيادة الرسوم الجمركية، وبزيادة الضريبة على القيمة المضافة، وبزيادة رسم الطابع المالي وفواتير الهاتف، وزيادة الفوائد، وبسبب زيادة ضريبة الدخل... الضرائب ستقتطع قدرة شرائية كبيرة من المواطنين،. زيادة 1% ستقتطع قدرة شرائية من اللبنانيين بقيمة 400 مليون دولار، فمن سيتحمّلها: أولاً التجار. وعندما ترتفع الفوائد المصرفية، فإن كل 1% تكلّف الدولة 650 مليون دولار خدمة دين إضافية، وتكلّف القطاع الخاص 500 مليون دولار إضافية، وهذا يطاول كل المؤسسات والأسر المستلفة. نحن نقبل ما يقوله حاكم مصرف لبنان».
لبنان
WEEP
اقتصاد
الأخبار