على الرغم من تخطي اجمالي عدد النازحين/ات السوريين/ات الوافدين/ات الى لبنان عتبة المليون، لا تزال الحكومة اللبنانية عاجزة عن مقاربة ذلك الملف بشكل جدي، مكتفية بالتهديد من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية السلبية، ومستجدية المساعدات من الدول المانحة، التي يبدو انها قررت التنصل من مسؤولياتها، تاركة المواطنين/ات اللبنانيين/ات والسوريين/ات يتخبّطون/ن في ظروف معيشية واجتماعية صعبة.
وبصرف النظر عن السياسة التي ينتهجها بعض المسؤولين في لبنان، المتمثلة بالتهويل المستمر من التداعيات الإقتصادية والمعيشية، نتيجة لتزايد عدد النازحين/ات المتوزعين/ات على كافة الاراضي اللبنانية، لا بد من التذكير ان الكثير من أولئك كانوا السبّاقين في تسهيل ولوج النازحين/ات السوريين/ات الى لبنان عند بدء الحرب في سوريا عام 2011، وذلك خدمة لاهداف سياسية لا تخفى على احد، مغدقين عليهم/ن الوعود بالمساعدات، ومواكبين لعملية استقبالهم/ن في المناطق اللبنانية، بحسب الاعتبارات الطائفية والسياسية.
وبعد ان استقبل هؤلاء والبيئة الحاضنة ضيوفهم/ن من النازحين/ات، وكذلك قوى المعارضة السورية، باعتبارهم/ن حلفاء سياسيين، برحابة صدر، رافضين أي محاولة لتنظيم اوضاعهم/ن في لبنان، بما يتناسب مع ضبط الامن وتوفير الحماية، تحول موقفهم، بعد انقلاب موازين اللعبتين السياسية في لبنان والعسكرية في سوريا، وبعد أن تعاظمت المشكلات الاقتصادية واصبحت تستأثر بالإهتمام العام، خصوصاً مع تردد الجهات الدولية المانحة في تحمل المسؤوليات المالية، وفي ضوء الامكانات المحدودة للدولة. وبنتيجة ذلك التحول، باتت تلك الجهات تطالب الآن بوضع حد لتدفق النازحين/ات الذي اصبح، بحسب قولها، يهدد البلد بالانفجار والكيان بالضياع. وفي ذلك السياق، يتابع فريقٌ من السياسيين النفخ في مزمار التهويل، واثارة النعرات "العنصرية" تجاه السوريين/ات، وصولاً الآن إلى المطالبة بجمع النازحين/ات ورميهم/ن في مخيمات خارج لبنان، على الحدود مع سوريا.
وعلى الرغم من ان اجمالي عدد النازحين/ات السوريين/ات فاق بكثير ما كان متوقعاً له في بداية الازمة السورية، الا ان معظم المسؤولين لا يزال يغضّ النظر عن المكاسب التي جناها البعض، في خضم الركود الإقتصادي العام، وذلك نتيجة لتحريك أولئك النازحين/ات للعجلة الإقتصادية، بفعل الاستهلاك وزيادة الطلب في القطاع العقاري الجامد منذ العام 2012، حيث اشارت الاحصاءات الى شراء الوافدين/ات لاكثر من 1200 شقة، وكذلك لجهة تحريك سوق إيجارات الشقق ورفع أسعارها.
كما لا يغيب عن بالنا مسألة انخراط اليد العاملة السورية في الاقتصاد اللبناني والذي اثار شكوى بعض اللبنانيين/ات منه، علماً ان ذلك الانخراط ولّد فائضاً كبيراً من الارباح على الذين واللواتي يوظفون/ن السوريين/ات، لا سيما وان العامل/ة السوري/ة يتقاضى/تتقاضى اقل ما يتقاضاه/تتقاضاه العامل/ة اللبناني/ة.
يبدو جليّاً ان الشرخ الطائفي – السياسي العميق في لبنان، ادّى الى بروز آراء متباينة حول مسألة النازحين/ات السوريين/ات. وكما سرت العادة كلما برز ملف وطني شائك وحساس، لا يتم الإتفاق على رؤية وطنية مشتركة، فلا تجد السلطة مخرجاً سوى ترحيل المشكلة اوالترقيع اوالاستغاثة بالخارج.
وعليه، لا يمكن ان نعوّل كثيراً عن الانباء، التي تواردت مؤخراً، حول تشكيل لجنة طوارئ برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تمام سلام، لمتابعة ملف النازحين/ات السوريين/ات، اذ نتوقع ان يكون مصير ذلك الملف كمصير مشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي تنقّل من لجنة الى لجنة حتى تعثّر وسقط.
اخيراً، نختم بالقول؛ حبذا لو ركزت الجهود السياسية على بلورة موقف وطني موحد حول الازمة في سوريا، بدل من توسيع الانقسام وتأجيج الصراع، وان يجهد السياسيون للدفع بإتجاه وضع حد لتلك الحرب المأسوية، الامر الذي لا شك سيؤدي الى تسريع عملية عودة النازحين/ات السوريين/ات الى مناطقهم/ن، والى وضع حد لمعاناة الشعب السوري، وتخفيف الأعباء الإضافية التي ترزح تحتها المجتمعات اللبنانية المضيفة.