سبب الوفاة مجهول في وثائق اللبنانيين

Wednesday, 21 May 2014 - 12:00am

تساهم معرفة أسباب الوفيات في تصويب السياسات الصحيّة، وفي تحديد الوفيات التي من الممكن تفاديها، واتقاؤها، وفي كشف مكامن الخلل في النظام الصحي ومدى توفير الخدمات الصحيّة. وتشكّل وثائق الوفيات المصدر الأساسي لمعرفة أسباب الوفيات في لبنان.
في المقابل، تبيّن دراسة أجريت، بين عامي 1997 و1999 وشملت ستين ألف وثيقة وفاة في لبنان، أن نسبة ضئيلة جداً من وثائق الوفيات تتضمّن سبب الوفاة. ويرد «توقف في القلب» سبباً أكثر شيوعاً، علماً بأن تلك العبارة يجب أن تستخدم لتأكيد الوفاة وليس كسبب.
تعتبر وزارة الداخلية، وفق رئيسة دائرة الإحصاءات الحيوية والصحيّة في وزارة الصحة العامة هيلدا حرب، الجهة المسؤولة عن اصدار وثائق الوفيات والولادات. يبلّغ المختار مأمور النفوس بالوفاة الذي يبلّغ بدوره وزارة الداخلية. يوجد 26 قضاء، و47 قلم نفوس في لبنان. تنصّ المادة التاسعة من المرسوم رقم 4082، الصادر في 14 تشرين الأول في العام 2000 - تنظيم وزارة الداخلية والبلديات، على أن تتولى أقلام النفوس في بيروت والمحافظات الأخرى وفي الأقضية تنظيم جداول شهرية بأسماء المواليد والمتوفين وبكل وقوعات الأحوال الشخصية وإعطاء نسخ عنها إلى المراجع المختصة. وتنصّ المادة 11 على أن تتولى دائرة الإحصاء في وزارة الداخلية كل ما يتعلّق بالإحصاءات البشرية لا سيما القيام بالتحقيقات الإحصائية وتركيز نتائجها وفرزها يدويّا وتحضيرها للفرز الآلي، التدقيق في وثائق وقوعات النفوس الواردة شهرياً من أقلام النفوس وتصويرها وحفظ أشرطتها المصوّرة وارسال نسخ عن أشرطة الولادات والوفيات إلى وزارة الصحة العامة ووزارة الشؤون الاجتماعية، تنظيم الجداول الشهرية والسنوية لمختلف الوقوعات وتحليلها وتقديم الدراسات بشأنها.
وتنصّ المادة 38، مرسوم رقم 8377، الصادر في 30 كانون الأول 1961 - تنظيم وزارة الصحة العامة وتحديد ملاكاتها، على أن تتولى دائرة الإحصاءات الحيوية والصحيّة، جمع المعلومات المتعلقة بالأحداث الحيوية ومنها الولادات والوفيات وأسبابها والأمراض وخصوصاً الانتقالية منها والاستحصال من المديرية العامة للاحصاء والأحوال الشخصية على المستندات المتعلّقة بالولادات والوفيات. وتنصّ المادة 84 على أن تتولى طبابة القضاء جمع المعلومات عن الأحداث الحيوية والصحية كالولادات والوفيات وأسبابها وعن الأمراض الانتقالية.
يتم تنظيم وثيقة الوفاة، وفق حرب، قبل دفن الميت. يوقّع الطبيب وثيقة الوفاة ويصادقها المختار حتى تصبح رسمية، وفي بعض الحالات النادرة جداً يأخذ المختار على عاتقه امضاء الوثيقة من دون وجود طبيب ويذكر المختار عبارة «لم يقف عليه طبيب». فيعتبر وجود الطبيب أمراً أساسيّا وفق القانون.
ترتكز آلية التعاون بين وزارتي الصحّة والداخلية على أن يجمع أطباء القضاء أو من يوكلونه لوائح الوفيات والولادات من أقلام النفوس في الأقضية وتبليغها إلى وزارة الصحة. تتلقّى وزارة الصحة العامة لوائح بالوفيات عبر طبابة القضاء. تتضمّن اللائحة الاسم والشهرة، الجنس، تاريخ الولادة، تاريخ الوفاة، مكان الإقامة، رقم السجّل، من دون ذكر سبب الوفاة. وهي لوائح مكتوبة بخطّ اليد، وتقوم وزارة الصحة بإدخال البيانات والمعطيات على جهاز الحاسوب.
بين نهاية العام 2013 وبداية العام الحالي، قامت «منظمة الصحة العالمية»، بالتعاون مع وزارات الصحة والداخلية والعدل وشركاء معنيين ومؤسسات بحثية وجمعيات أهلية، بتقويم نظام التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية في لبنان ضمن مشروع تعزيز النظام المدني للأحوال الشخصية في جميع دول منطقة شرق المتوسط. وكشف التقويم، وفق حرب، أن النظام ضعيف في لبنان، ويكمن الخلل الأساسي بعدم ذكر سبب الوفاة الطبي على الوثيقة. ويكشف التقويم الحاجة الى تجهيزات ومعدّات وإلى عناصر بشريّة مدرّبة في مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية ودوائر النفوس التابعة لها.
ترتكز نقاط الضعف، استناداً إلى التقرير المعمّق الصادر في كانون الثاني الماضي، على أن الأطباء لا يحدّدون سبب الوفاة وفق المعايير المعتمدة عالميا، ويمتنع البعض من ذكر السبب لطابعه الحسّاس مثل الانتحار، جرائم القتل، أمراض معينة، وعدم مكننة دوائر النفوس والأحوال الشخصية. وتعود أسباب عدم ذكر سبب الوفيات في الوثائق إلى عدم وجود مساحة كافية لكتابة السبب على ورقة الوثيقة، وإلى عدم تلقّي الأطباء تدريباً كافياً لتحديد السبب الرئيسي للوفاة أو لترميز الأسباب الطبية للوفيات. يرد توقّف في القلب، في معظم الحالات، كالسبب الأكثر شيوعاً من دون أن يعتبر ذلك سبباً طبياً أو السبب الكامن وراء الوفاة. فعلى سبيل المثال، يعتبر حادث السير السبب المباشر (immediate cause) لوفاة شخص ما، غير أن السبب الحقيقي للوفاة (underlying cause) يكمن في مرض ارتفاع ضغط الدم الذي أدى إلى تعرض المصاب لجلطة دماغية تسبّبت بفقدان السيطرة على القيادة ووقوع حادث سير. ويتوجّب على الطبيب أن يكون ملمّاً بتاريخ المريض الطبي وبسبل تشخيص الحالة وبتحديد السبب الرئيسي للوفاة.
تقوم وزارة الصحة العامة، حالياً، بالحصول على وثائق الوفيات من وزارة الداخلية ضمن آلية قانونية محدّدة، وتتعاون مع وزارة الداخلية على تحسين نوعية المعلومات في شأن أسباب الوفيات. تشير حرب إلى أن وزارة الصحة، بالتعاون مع الوزارات المعنية ونقابة الأطباء ومؤسسات اكاديمية وتدريبية، تعمل على مشروع لتدريب الأطباء، لا سيما الذين يوقّعون وثيقة الوفاة ومنهم الأطباء الشرعيون، على سبل تحديد أسباب الوفيات وتفصيلها وعلى تحديث وثيقة الوفاة من حيث الشكل والمضمون، مع الإشارة إلى أن التعديل في وثيقة الوفاة يحتاج إلى اصدار قانون في مجلس النواب.
تهدف تلك المشاريع إلى بلورة صورة عن الوفيات في لبنان وأسبابها. إذ لا يكمن الاعتماد على التقديرات البحثية في شأن أسباب الوفيات في لبنان فحسب.
تجمع وزارة الصحة العامة، اليوم، المعلومات في شأن وفيات المستشفيات والمعطيات في شأن وفيات الأمهات اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً وحديثي الولادة في المستشفيات،غير أن تلك المعطيات غير كافية وتبقى وثيقة الوفاة المصدر الرئيسي لأسباب الوفيات الوطنية.

لبنان
ACGEN
اجتماعيات
استشفاء
السغير