Thursday, 15 May 2014 - 11:25am
تحقق النيابة العامة المالية بمخالفات إدارية ومالية وطبية ومسلكية تتعلق بإدارة مستشفى تنورين الحكومي، في حين لم ينفذ بعد القرار «التخفيفي» الصادر عن هيئة التفتيش المركزي، والذي قضى بوقف مدير المستشفى وليد حرب عن العمل لمدة شهر
قبل أسبوع، بحث وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، مع المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم مخالفات عدد من المستشفيات والسبل القانونية لمعالجتها. اكتفى المكتب الإعلامي لوزير الصحة بهذا البيان المقتضب للإشارة إلى هذا الاجتماع من دون أن يقدم تفاصيل إضافية عن هذه المخالفات وعن المستشفيات التي ترتكبها.
أمثلة عديدة يمكن يذكرها، حيث تتقمص المستشفيات الحكومية شكل الجغرافيا السياسية والطائفية والزعاماتية المحيطة بها، فتصبح صورة عنها في الإدارة والتوظيف والإنفاق والفساد طبعاً.
واحد من الأمثلة الفاقعة على هذه المستشفيات هو مستشفى تنورين الحكومي، الذي ينظر القاضي ابراهيم في ملف يتعلق بمخالفات ارتكبت فيه بناءً على إحالة من النيابة العامة التميزية وبالاستناد إلى قرار صادر عن هيئة التفتيش المركزي في مطلع شهر شباط الماضي.
القرار الذي يقع في ثماني صفحات قضى بتوقيف مدير مستشفى تنورين الحكومي الدكتور وليد جرجس حرب عن العمل بدون راتب لمدة شهر واحد تأديبياً، وإحالته أمام الهيئة العليا للتأديب. وتأخير تدرج رئيس مصلحة الصحة في الشمال، الدكتور محمد غمراوي، لمدة ستة أشهر تأديبياً، وإحالته أمام الهيئة العليا للتأديب. وتوقيف الطبيب المراقب في مستشفى تنورين الحكومي الدكتور طانيوس بولس عن العمل بدون راتب لمدة شهر واحد تأديبياً، وإحالته أمام الهيئة العليا للتأديب. كما تقرر تأخير تدرج المستخدمين: فادي جوان، كوليت حرب وكاتيا سليمان لمدة شهرين تأديبياً.
وبالمقارنة مع التقرير الأولي الذي وضعه المفتشون، جاء قرار التفتيش مخففاً جدداً، إذا يوصي المفتشون بإيقاف مدير المستشفى عن العمل لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
لكن قرار التفتيش لم يبصر النور بعد ثماني سنوات على الشكوى التي تقدم بها «اتحاد الخدمات الصحية في البترون»، إلا بعدما تقدم الطبيبان عادل حبيب وأسد عيسى بشكوى أمام التفتيش المركزي حول مخالفات مالية وإدارية في مستشفى تنورين الحكومي في حزيران عام 2013. ويوثق الطبيبان اللذان عملا لفترة طويلة في المستشفى أكثر من 43 مخالفة قانونية بالمستندات.
التفتيش المركزي استعجل صدور قرار بشكوى 2006 للإيحاء أنه تم التحقيق بالتجاوزات
يؤكد الطبيب عيسى في حديث إلى «الأخبار» أنه بعد شهرين على تقديم الشكوى، تم إعلامه شفهياً في قلم التفتيش المركزي بوجود شكوى سابقة منذ عام 2006 بحق المستشفى. ويضيف عيسى «في أيلول الماضي، أبلغني رئيس التفتيش القاضي جورج عواد أن ملف الشكوى التي تعود لعام 2006 كان ضائعاً ووجد، وأنه أرفق بملف الشكوى الجديدة، وأرسل إلى ديوان المحاسبة. لاحقاً تبين لعيسى أن الملف الذي وصل الى مكتب المدعي العام لديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس لا يتضمن الشكوى الجديدة. بعدها لم تعد تنفع المراجعات مع هيئة التفتيش حيث حسم القاضي عواد أمره، مؤكداً في رسالة خطية الى الطبيبين عيسى وحبيب أن شكوى عام 2006 دمجت بشكوى عام 2013، وأن هيئة التفتيش المركزي قد أصدرت قراراً يحمل الرقم 18 تاريخ 4/2/2014، وتتضمن التجاوزات الإدارية والمالية والطبية الحاصلة في مستشفى تنورين الحكومي».
وبين شكوى عام 2006 وشكوى عام 2013 يمكن إحصاء مجموعة من المخالفات التي ارتكبها المدير وليد حرب؛ أبرزها مخالفة مبدأ التفرغ المنصوص عليه مرسوم تحديد ملاك المؤسسة العامة التي تتولى إدارة مستشفى عام. كما تبين بنتيجة التحقيق أن الدكتور حرب أجرى عمليات جراحية تحت اسم الدكتور عبدو خوري، وأن إدارة المستشفى عمدت الى تضمين معظم فواتير العمليات الجراحية معاينات طب عيون غير واجبة وغير مبررة من الناحية الطبية، فضلاً عن تنظيم فواتير استشفاء وهمية باسم بعض المرضى عن عمليات لم تجر أصلاً. كما تبين أن الطبيب المراقب طانيوس بولس كان يحضر الى المستشفى مرة واحدة في الأسبوع، وأن العديد من بطاقات تغطية المرضى قد خلت من توقيعه وموافقته. وأن مدير العناية الطبية بالإنابة في وزارة الصحة ورئيس لجنة تدقيق الفواتير فايز خليل لم يقم بواجباته لناحية التدقيق في بطاقات التغطية ذات السعر المقطوع من الناحية الطبية، الأمر الذي يرتب أيضاً مسؤولية مسلكية ومالية. المستغرب أنه لدى التدقيق بين قرار التفتيش المركزي وبين التقرير الأولي للمفتشين، تم إغفال قرار التفتيش لمقطع هام جداً يدين مدير المستشفى وليد حرب ويرتب عليه مسؤوليات مالية ومسلكية أعلى. إذ يورد تقرير المفتشين ما حرفيته «تبين أن الإيصال الذي يرفق بالفاتورة الاستشفائية إلى وزارة الصحة يختلف رقمه وقيمته عن الإيصال الذي يعطى للمرضى. وقد أثبت المفتشون ذلك من خلال إفادات المرضى والوصل المالي، وهذه قرينة على تقاضي المستشفى مبالغ إضافية لا نعلم إلى أي حساب تحول، ولا سيما أن المستشفى لم يخضع ولو مرة واحدة لرقابة ديوان المحاسبة حسب ما أقر به الدكتور وليد حرب.
كل هذا تم تبيانه بالاستناد إلى شكوى عام 2006. أما الشكوى الجديدة التي تم تقديمها عام 2013 فتبين أنها لم تخضع لتحقيقات كافية من قبل المفتشين، وأن هيئة التفتيش المركزي استعجلت صدور قرار بشكوى 2006 للإيحاء أنه تم التحقيق بكامل التجاوزات وطوي الملف، وهو الأمر الذي يسعى الطبيبان عيسى وحبيب إلى عدم إمراره.
يتساءل الدكتور عيسى عن السبب الذي يدفع الوزير وائل أبو فاعور إلى عدم وضع يده على هذا الملف، رغم أنه يبدو متحمساً لمتابعة المخالفات الإدارية والمالية في المستشفيات العامة والخاصة. ويسأل عيسى: هل هناك غطاء سياسي لم يرفع عن مستشفى تنورين، وقرار بتمييع الملف مهما بلغت درجة الفساد ومهما بلغت التجاوزات. ويؤكد عيسى أنه يمتلك وثائق تدين إدارة المستشفى وتكشف شبكة إدارية وطبية تغطي العديد من المخالفات، أبرزها الأعمال الطبية الوهمية وإضافة الأدوية الوهمية للفاتورة وإجبار المرضى على دفع ثمن أدوية خارج الفاتورة الاستشفائية تحت حجة أن الوزارة لا تعترف بهذه الأدوية. ويلفت عيسى الى أن جميع المرضى الذين يدخلون لإجراء فحوصات تحت عنوان الاستشفاء اليومي، يسجل في بطاقات التغطية لديهم استشفاء لمدة يومين أو أكثر.
مرضى وموظفون وممرضون وأطباء تحدثوا الى «الأخبار» وقدموا شهادات عن تجاوزات إدارية ومشاكل مالية وطرد تعسفي ومخالفات ارتكبت من قبل مدير المستشفى. الموظف في قسم المختبر رولان حرب فضل أن يترك وظيفته في المستشفى بعدما تقاضى نصف الأجر الذي أقر له بناءً على قرار رسمي عن إدارة المستشفى. أما الممرضة جورجيت زيدان فقد أبلغت أنها غير مرغوب فيها في المستشفى بعدما طالبت بالحصول على درجة مستحقة، وهي التي دخلت الى الوظيفة بناءً على امتحان في مجلس الخدمة المدنية. في حين يؤكد الدكتور عادل حبيب الذي يرأس المجلس البلدي لكفرحلدا أن إدارة المستشفى عمدت الى إخفاء بعض الأجهزة المتطورة عنه وعرقلة استخدامه لهذه الأجهزة في مرات عدة، وذلك بسبب معارضته لسلوك الإدارة، الأمر الذي رتب عليه عدم التعامل مع مستشفى تنورين الحكومي. بدوره، يطالب طبيب الأشعة سيزار العلم بمبالغ متراكمة من مستحقاته لم يتم احتسابها تصل الى 150 مليون ليرة ومبينة بناءً على تقرير من قبل مكتب تدقيق المحاسبة.
وتؤكد مصادر متابعة للملف أن القاضي ابراهيم يدرس حالياً الملف بالتفصيل، وقد استمع إلى عدد من المشتكين. فهل سنسمع قريباً عن قرار جريء للوزير أبو فاعور يتعلق بمستشفى تنورين؟ وخصوصاً أن الطعن الذي تقدم به حرب أمام شورى الدولة ضد قرار التفتيش قد تم رفضه.
لبنان
ACGEN
اجتماعيات
استشفاء
الأخبار