فساد في الجامعة الأميركية [2]: إخفاء تقرير BMH

Tuesday, 6 May 2014 - 12:00am

اعدّت شركة BMH تقريرا مفصلا عن انظمة الشراء والرقابة على المخازن، وتوصلت الى نتائج مذهلة عن الهدر وقدّرت امكانية خفضه بقيمة 12 مليون دولار سنويا، الا ان اللافت ان هذه الشركة، التي تقاضت 300 الف دولار بدل اتعابها، كشفت في رسالة الى مارك كليف، المشرف على عمل لجنة أد هوك، ان محمد صايغ طلب منها اخفاء نتائج التقرير عن أهل الجامعة، بعدما كان قد قال للشركة حرفيا: «أريد أن تحققوا في كل شيء، وإن اقتضى الأمر... سأعلّق المشانق»

اشارت التقارير التي نشرتها «الأخبار» امس، الى وجود هدر وفساد في المركز الطبي التابع للجامعة الاميركية في بيروت، لكن الملاحظ أن «المؤتمنين» على ادارة الجامعة وادارة المركز الطبي لم يخضعوا لاي مساءلة.

تواصل «الأخبار» اليوم، في حلقة ثانية، نشر التقارير المسرّبة عن التحقيقات التي جرت في السنوات الاخيرة، ومنها تقرير Blue Mark Holdings (BMH) (يمكن الاطلاع على هذا التقرير على موقع «الأخبار»)، الذي يوثّق حالات الفساد والتلاعب بعمليات الشراء والتخزين وغيرها من القضايا التي تكمل ما ورد في التقارير السابقة. وكذلك تنشر مراسلة بين شركة BMH ومارك كليف، الخبير في المحاسبة والاستثمارات، تشرح فيها هذه الشركة كيف طلب منها نائب رئيس الجامعة للشؤون الطبية، المشرف على المركز، محمد صايغ، اخفاء نتائج التقرير المفصلة التي توصل اليها فريق الشركة، ولا سيما المتعلّق منها بعمليات الاحتيال. وبالفعل نجح صايغ في اخفاء نتائج هذا التقرير لمدّة سنة، علما ان تقرير BMH أظهر انه بالامكان توفير 12 مليون دولار سنوياً من خلال مجموعة من الاجراءات، لكن اي خطوة بهذا الاتجاه لم تتخذ.
ما السبب الذي دفع الى طلب اخفاء نتائج التقرير؟ وما هي هذه النتائج؟

تاريخ غير حافل
«تاريخ الانجازات ضمن المركز الطبي غير حافل»، هي احدى الخلاصات التي ذكرها تقرير Blue Mark Holdings (BMH)، وتحدث التقرير عن عمليات الشراء والتخزين ضمن المركز الطبي في الجامعة الأميركية التي لم تتطور، وينقصها الأشخاص المختصون، والآلية والتقنية المناسبتان. عملية الشراء غير تنافسية، وغالبآ ما يُبالَغ في تسعيرها. العديد من عمليات الشراء في منشآت مماثلة، التي تجري روتينياً في أماكن أخرى غير موجودة أبداً في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية. ورأى التقرير أن الجامعة بحاجة إلى تغييرات جذرية لكي تعيد العمل إلى المقاييس المقبولة والفعالة، لتستطيع سنوياً توفير حوالى 12 مليون دولار من الهدر.

يمكن عن طريق
الخطأ اخراج أدوية منتهية الصلاحية وإعطاؤها الى المرضى
بحسب التقرير، من الممكن تحقيق التغييرات الاجمالية، لكن المقلق هو «أن المشكلة مرتبطة بالطاقم العامل ضمن المركز الطبي وقدرته على تحقيق تلك التغييرات بسرعة. فعلى نحو عام هنالك قابلية ضئيلة للتغيير في الوضع الحالي في المركز الطبي».
خلال المحادثات التي أجراها خبراء شركة BMH مع الموظفين، والمرضى، والموردين وغيرهم وردت شكاوى عن الفساد والرشى و«البرطيل»، التي تحدث في المركز الطبي، المدعومة من فلسفة الموظفين «لا أرى، لا أخبر».
لم يخضع موظفو المشتريات لأي تدريب على التفاوض. ولديهم معرفة وخبرة ضئيلتان أو معدومتان في هذا المجال. وغالبآ ما يتفاوضون مع الموردين الذين يتمتعون بمهارات تفاوض ممتازة، والذين لديهم اطلاع واسع على عمل المركز الطبي. ولا توجد غير حالات نادرة استطاع فيها موظفو المشتريات عقد صفقة ناجحة ومفيدة لمصلحة المركز الطبي، وفي الواقع تعد القرارات التي اتخذت مضرّة بالأهداف العامة وبمصالح الجامعة، كما أنه ما من ادارة فعالة للتعاطي مع الموردين. وفي الكثير من الحالات يخضع المركز لارادة الموردين. وقد أوصى التقرير بضرورة التطبيق السريع لبرنامج ادارة المشتريات.
مخاطر... وأدوية غير صالحة

شرح التقرير سلسلة التوريد وعمليات الشراء التي تعتمد حاليا على برنامجين متطورين للمركز، ويجري تشغيلهما على اجهزة IBM AS400، كما تعتمد عمليات الشراء على قاعدة بيانات اوراكل Oracle ERP للنظام المالي.
ومن خلال المقابلات التي أجرتها BMH وجهودها للحصول على البيانات، فقد تبيّن لها بأنه لم يجرِ شراء وظائف اوراكل كاملة على الاطلاق، أو أنه لم يجرِ تفعيلها. فتوافر داتا البيانات ضروري من اجل الحصول على أفضل الأسعار، وتجنب التلاعب بها (كما يحصل حالياً). وقد أوصى تقرير BMH بوضع خطة فورية من أجل تحسين تبادل المعلومات والتواصل بين الأنظمة، ولضمان ترتيب البيانات المناسبة وتوافرها لتدعم عملية الشراء والميزانية المتوافرة. وقال «يجب أن ترتبط هذه الجهود بالمبادرة الحالية من أجل اعادة اطلاق وتحديث برنامج أوراكل إلى مستوى النسخة الثانية عشرة Oracle R12». وعدّ هذا التحديث «من أهم المشاريع التي طالب بها العديد من الاستشاريين والمدققين بسبب فشل تطبيق أنظمة أوراكل النسخة الحادية عشرة Oracle R11i منذ عام 2001 والمعمول بها لإدارة المشتريات والمحاسبة».
ولعل أخطر ما وجده خبراء BMH كان في قسم ادارة المواد (المستودعات الطبية)، حيث أعربوا عن مخاوف خطيرة ومتأصلة وتتطلب تصرفاً فورياً من قبل الادارة. فقد تبيّن وجود مواد منتهية الصلاحية في المستودعات، تصل قيمتها الى 2 مليون دولار، ربما جرى تبديل المخزون القديم بآخر جديد، وربما بيعت في وقت لاحق. وخصوصا أنه ما من سجلات لتوافق المخزون المفترض مع المواد الموجودة فعلياً Stock reconciliation to item level . وبحسب التقرير، «الترميز غير موجود على المواد في المستودعات الطبية، والسجلات المتعلقة بها مدونة ورقياً، ما يشير إلى خطر سرقتها وابدالها والتلاعب بها».
وأكد مدير المستودعات في المركز الطبي للشركة، أنه كان يطلب المخزون من تلقاء نفسه بناء على حدسه الشخصي لتلبية احتياجات المستشفى، لأنه لم يكن بإمكانه الاعتماد على دائرة المشتريات.
كانت الحراسة على المخازن ضعيفة. والمخازن نفسها عتيقة جدا، فالضوابط والممارسات المتعلّقة بطرق التخزين الحديثة معدومة، كما لم يكن هناك أي إشراف من قبل الادارة التنفيذية، أو تدخّل واضح من قبلها لتحسين الأوضاع. واحتمال اصابة المخازن بالأضرار البيئية والتلوث مرتفع جدا، بسبب الطريقة التي تدار بها.
وقد أُخبرت الشركة بأن عمليات الجرد التي كانت تجري قد أوقفت بأوامر من قسم التدقيق الداخلي (في الفترة التي تسلم فيها اندرو كارترايت ادارة مكتب التدقيق الداخلي)
سُحبت عينات عشوائية من المواد، ووجد أنه طلبها أطباء توقفوا عن العمل في المركز الطبي منذ عدة سنوات. ووُجد أيضا افراط واضح بالطلب على السلع، مع عدم وجود علاقة واضحة مع استخدامها الفعلي، وشمل الإفراط الطلب على الأدوية أيضاً.

إهمال المخاوف
وبالرغم من المحاولات المتكررة من فريق عمل شركة BMH للاطلاع على نظاميّ المشتريات والمدفوعات الالكتروني، لم يستطع الحصول على أي معلومات نافعة. تقنيا، الأمر لم يكن ممكناً، اذ انه جرى إدخال وحفظ المعلومات في النظامين. واستخلصت الشركة أن المبرّر الوحيد لعدم إمكانية الحصول على المعلومات هو بسبب التعليمات والتدخل المتعمد، ومن الممكن حدوث هذه الأمور فقط بمعرفة وموافقة كلّ من صايغ ونائبه زياد غزّال.
وتتعلّق خطورة بعض ما ورد من مضمون التقرير بإمكانية حدوث خلل أو أخطاء طبية معيّنة في ظل الفوضى العارمة التي يعانيها المركز الطبي، حيث يمكن عن طريق الخطأ أن يجري اخراج أدوية أو أطعمة منتهية الصلاحية، وإعطاؤها الى المرضى، مما قد يعرّض حياتهم للخطر.
المخاوف التي استشعرها خبراء BMH خلال عملهم، نقلوها في رسالتهم إلى مارك كليف، حيث جاء في الرسالة، أن «مخاوفنا قوبلت بدرجة من الإهمال واللامبالاة من قبل صايغ وغزّال». «وكان هذا مصدر قلق كبير لنا، بينما تحدث الموظفون علناً عن تلقي مدير المواد (المخازن الطبية) اكراميات ورشى».
ووفقا لمصادر «الأخبار»، فانّه قد جرى نقل مدير المخازن الطبية إلى ادارة أخرى في الجامعة، و«ترقيته» عوضاً عن محاسبته، وهو «مدعوم سياسياً».
هذه النتائج التي توصل اليها التقرير تساوي ملايين الدولارات المهدورة سنويا، وهو الأمر الذي يمكن ايقافه بسهولة، بحسب تقرير الشركة. فعوض ان ترفع إدارة الجامعة الرسوم الدراسية على الطلاب بنسبة 6٪ سنوياً، تستطيع أن تأخذ الخطوات اللازمة لإصلاح ما ذكرته التقارير، ولتنفيذ التوصيات الكثيرة الصادرة.
القيام بذلك يسمح للجامعة بخفض الاقساط، لا تجميدها فقط، وتستطيع أيضا رفع أجور الأساتذة، وذلك من دون أي خفض في الموازنة التشغيلية لميزانية الجامعة.

الممارسة لم تتغير
التقارير الثلاثة (التي نشرتها «الأخبار») ليست الوحيدة التي تحدثت عن الفساد والهدر داخل الجامعة، فخلال 13 عاماً، وظّفت الجامعة الأميركية في بيروت الكثير من الاستشاريين والشركات المختصة في التدقيق الداخلي والمحاسبة والتحقيق في الفساد والسرقة والهدر لقاء ملايين الدولارات من النفقات، إلا أنه من الواضح أن توصيات هذه الشركات لم تنفّذ بمعظمها، ومعظم التقارير التي تصدر تتحدث عن ضرورة تنفيذ توصيات التقارير التي سبقتها للحد من الفساد داخل الجامعة ومركزها الطبي، لكن «دق المي مي»، لم يتغيّر الكثير اليوم، والملايين ما زالت تهدر سنوياً من الجامعة الأميركية في بيروت ومن خلال مركزها الطبي.
بعض هذه التقارير: تقريرFM2 ، المكتب الاستشاري الذي جرى الاستغناء عن خدماته بسبب «سعره المرتفع»، وتقرير شركة Ernst & Young الصادر عام 2006، الذي لم تنفّذ كلّ توصياته بسبب «النقص في الموارد البشرية»، إلا أنه في الوقت عينه أوصى تقرير لجنة أد هوك AHRC بالتخلّي عن تنفيذ التوصيات السابقة والتركيز على توصيات تقرير KPMG (الذي لم يكن قد صدر بعد!) برغم أن القضايا التي غطّاها الأخير ليست نفسها التي تطرّق لها تقرير Ernst & Young. وتعدّ Ernst & Young شركة عالمية مختصة بالمحاسبة والتدقيق، وهي التي أجرت التحقيق في كافة العمليات الخاصة بالمشتريات والمدفوعات Procure-to-Pay، وقد أمضى اختصاصيو الشركة شهوراً عديدة في بيروت لدراسة كافة مراحل المشتريات وتحديد الموردين والمناقصات وطلبات الشراء وعمليات تسلّم وتخزين البضائع والمعدات والأدوية، وطريقة تسديد المستحقات للموردين. وبحسب تقرير BMH مثلا، وظفّت الجامعة عددا من الاستشاريين لإنجاز أعمال معينة، لكنهم صُرفوا قبل أن يصدر تقريرهم النهائي.

رسالة BMH إلى مارك كليف
وفقاً لرسالة شركة BMH (يمكن الاطلاع على هذه الرسالة على موقع «الأخبار») إلى المشرف على لجنة أد هوك، مارك كليف: «لم يُرد محمد صايغ اشراك قسم التدقيق في الأمر، ولم يرد إجراء المناقصات، ولم يرد أن يعرف الناس داخل الجامعة ما نقوم به». وقد كرر صايغ هذا في مناسبات عدة. فطلب، بتأييد ومعرفة مساعده زياد غزّال، اخفاء العمل المتعلق بالتحقيق في الاحتيال، ولم يكن «يريد جذب الانتباه إلى عمل الشركة»، وانتاج تقريرين، الأول «سري» يظهر العمل الذي تقوم به الشركة، والثاني عام جداً وسطحي، يستطيع تعميمه على أمناء ومسؤولي الجامعة دون أي ردّ فعل أو مساءلة حقيقية، اضافة الى ان صايغ طلب من الشركة أن تقدم ما اكتشفته من سرقة وغش شفهياً لا خطياً!».
وطلب صايغ من BMH أيضاً أن تقسّم فواتيرها إلى دفعات صغيرة، لا تتجاوز 40 ألف دولار للواحدة، وذلك ليتجنب صايغ الاستحصال على موافقات مدرائه لصرف المبلغ، وخاصة انه سدّد فواتير تقرير BMH التي تخطت الـ 300000 دولار (ويفوق هذا المبلغ صلاحيات صايغ وغزّال) من ميزانية كلية الطب في الجامعة، وهو النمط المتبع منذ وصول صايغ الى المركز الطبي لتحميل الجامعة اكبر قدر ممكن من مصاريف المركز الطبي، لإظهار حسن ادائه فيه. وقد اقترحتBMH الكثير من الحلول على صايغ وغزّال، لكنهما لم يعيرا أي أهمية للموضوع بحسب نص الرسالة.

قضية الأقساط
خرج الأساتذة والطلاب من اجتماع البارحة مع ادارة الجامعة الأميركية في بيروت، كما دخلوه، أي من دون الحصول على أجوبة حيال ما يتعلق بمطالبهم. لم تجمّد الزيادة بالنسبة إلى الطلاب، بل خفضت، وجرى الاستخفاف بمطالب الطلاب، وخصوصاً أن الجامعة لم تقدم أي عرض على طريقة توزيع الأرقام داخل الميزانية، كما لم تناقش أي من مطالب الأساتذة أيضا.
ولعل الأمر الوحيد الذي التزمته هو حضور نائب الرئيس للشؤون الطبية محمد صايغ، وحسان دياب، إضافة إلى رئيس الجامعة بيتر دورمان وعميدها أحمد دلال، لكن دون أي نتيجة، إذ اكتفى الطلاب الحاضرون ببعض «المشاكسات» داخل الاجتماع.
قدمت اللجنة المالية، التي أُلفت لاعادة وضع ميزانية جديدة للجامعة، نتائجها شفهيا، فخفضت الزيادة على الأقساط الى 3% بالنسبة إلى الطلاب الحاليين، أما الطلاب الجدد، فستكون الزيادة 5% بالنسبة إليهم. في الوقت نفسه، جمدت الجامعة الزيادة على تكاليف السكن وتكاليف التكنولوجيا. وأعلن دورمان أن الأعمال الأكاديمية والبحثية لم تتأثر، ولم يُقتطع منها أي مبلغ من أجل خفض الزيادة، وأرسل مسودة الميزانية الجديدة الى مجلس الأمناء، الذي سيجتمع في 25 من الشهر الجاري، على أن يأخذ قراره النهائي ويوافق على الميزانية في 30 من الشهر الجاري.
الأساتذة اجتمعوا مساء أمس ليتناقشوا في عدة مسائل تتعلق بالجامعة، أبرزها مسألة عقود العمل، ومسألة نظام المعلوماتية. أما الطلاب، فقال عدد من منظمي الحراك لـ»الأخبار» إنهم بصدد الدعوة إلى «تحرك كبير يكون بمثابة المواجهة الأخيرة مع إدارة الجامعة».

لبنان
ACGEN
الأخبار
تربية وتعليم