أهالٍ يعجزون عن دفع أقساط المدارس الخاصة: هروبٌ إلى «الرسمية».. أو الاستدانة

Tuesday, 17 June 2014 - 12:00am

احتفالية بانتهاء العام المدرسي في إحدى مدارس البقاع (سامر الحسيني)
احتفالية بانتهاء العام المدرسي في إحدى مدارس البقاع (سامر الحسيني) طباعة ع-ع+
تاريخ المقال: 17-06-2014 02:24 AM
جمع طلاب وتلامذة المدارس الخاصة حقائبهم مودّعين عاماً دراسياً، بينما تنهمك المدارس والمعاهد بتحضير بطاقات العلامات النهائية للتلامذة ومواكبة طلاب الشهادات، وإعداد الملفات المالية العالقة، في وقت ينتظر العديد من أهالي التلامذة منحهم المدرسية من المؤسسات التي يعملون فيها، أو الحصول على قروض صغيرة لسداد حساباتهم المتراكمة في كثير من المدارس جرّاء الضائقة المعيشية التي يعانون منها.
ويجمع غالبية أصحاب ومديري المدارس الخاصة والمعاهد في منطقة صور (حسين سعد) أنّ نسب التلامذة الذين لم يسددوا أقساطهم إلى اليوم ترواح بين عشرة وعشرين في المئة، إذ تتفاوت النسبة بين مدرسة وأخرى.
ويلفت مدير «الليسيه حناويه» محمد كفل إلى أنّ «أهالي التلامذة الذين لم يسددوا كامل القسط المدرسي لا يتعدى العشرة في المئة، وأنّ غالبية هؤلاء مرتبطون بمواعيد دفع منحهم السنوية من المؤسسات الخاصة والعامة التي يعملون لديها». ويؤكد أنّ بعض التراكمات المالية التي تسجل على العديد من الأهالي يتم تسويتها ولا يتم حرمان التلاميذ من الإفادات المدرسية في حال قرروا ترك المدرسة، علماً بأنّ «الليسه حناويه تضم أكثر من ألف وستمئة تلميذ».
ويشير مدير «المدرسة الإنجيلية في صور» زياد الحلو إلى أنّ «نسبة الذين لم يسددوا الأقساط المدرسية كاملة لا يتجاوزون العشرة في المئة من مجموع التلامذة»، مضيفاً أنّ «هؤلاء ملتزمون بالدفع على أساس تعهدات ومواعيد مقرونة بحصولهم على المنح المدرسية التي تتأخر عادة».
وتؤكد صاحبة مدرسة في إحدى بلدات المنطقة وجود معاناة في عملية تسديد الأهالي لأقساط أولادهم المدرسية، بالرغم من أرقامها المتواضعة، معيدة ذلك إلى الأوضاع المعيشية الصعبة. وتؤكد في الوقت عينه أنّ ما لا يقل عن خمسة عشر في المئة لم يسددوا الأقساط حتى الآن».
وتؤكد زهراء سليمان، وهي أم لثلاثة أولاد مسجلين في إحدى المدارس الخاصة، أنّها لم تتمكن إلى اليوم من تسديد كامل القسط المدرسي إضافة إلى بدل النقل. وقالت: «ننتظر المنحة المدرسية التي يحصل عليها زوجي من المؤسسة التي يعمل فيها، والتي تنتظر قرار مجلس الوزراء في هذا الشأن».
البقاع
لا يبالغ إبراهيم حين يؤكد أنّه يستدين، منذ أربع سنوات، لسداد الأقساط المدرسية عن أولاده الثلاثة المسجلين في إحدى المدارس الإرسالية في منطقة رياق (سامر الحسيني).
تبلغ قيمة أقساط أولاده الثلاثة، وهم تلاميذ في المرحلة الابتدائية، تسعة ملايين وثلاثمئة ألف ليرة، يدفع إبراهيم قسما منها عند بداية التسجيل والفصل الاول، ويبقى أكثر من 5 ملايين ليرة.
اعتاد إبراهيم، وهو عامل فني في أحد معامل البقاع، تأمين جزء من هذا المبلغ عبر الاستدانة من إحدى مؤسسات التسليف، التي تنشط، وفق عدد من مدراء المدارس وأولياء الطلاب، في بداية العام الدراسي ونهايته.
أزمة الاقساط المدرسية المزمنة في البقاع التي زادت وطأتها هذا العام، تطال كل فئات البقاعيين سواء أكانوا موظفين رسميين أو موظفين في القطاع الخاص، أو أصحاب أعمال حرة ومزارعين، والفئة الاخيرة تعد الأكثر تاخراً في سداد الأقساط.
وهذا يعود وفق أحد مزارعي الأشجار المثمرة إلى كارثة المواسم الزراعية في البقاع التي تنوعت بين الجفاف وإحجام عدد من المزارعين عن زراعة هذا الموسم بسبب التكاليف العالية للإنتاج التي استنزفت الكثير من مدخرات المزارعين الذين اعتادوا دفع أقساطهم على مدار أشهر العام الدراسي، أو الذين اعتادوا دفع الأقساط دفعة واحدة عند بيع المحاصيل، وتحديداً الفاكهة، وهذا ما لم يحصل هذا العام بسبب موجة الصقيع التي قضت على آلاف الأطنان من الفاكهة البقاعية. ويجمع مدراء المدارس الخاصة في منطقة قضاء زحلة على تأخير غير معهود في دفع الأقساط المدرسية من جانب الأهالي، ما دفع بالعشرات من إدارات المدارس إلى حجز بطاقات العلامات المدرسية للطلاب بانتظار تسديد أهلهم كامل القسط المدرسي.
بيار من زحلة وهو من المنتسبين إلى السلك العسكري لم يستطع حتى اليوم تسديد كامل أقساط أولاده لإحدى مدارس الراهبات في المدينة، ويعود السبب إلى التأخر في صرف المنح المدرسية التي تنتقل مباشرة من مركز القبض إلى خزينة المدرسة.
وكثيرون من موظفي الإدارات العامة تأخروا في تسديد كامل الأقساط المدرسية، بانتظار إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وتطبيق المفعول الرجعي في شأنها، وفق حسن، من بلدة علي النهري، الذي يقول إنه أخطأ في حساباته حين اعتقد أن السلسلة ستقر.
في المقابل وخلال زيارته مركز التعاونية في زحلة، أشار المدير العام لتعاونيات موظفي الدولة في لبنان يحيى خميس إلى أنّ موضوع المنح المدرسية من التعاونية قد أنجز، لكن ينتظر انسياب الأموال من وزارة المالية.
ولم تكن إشارة خميس إلى موضوع المنح المدرسية سوى جواب عن مئات المراجعات التي يقوم بها بعض الموظفين عن توقيت قبض قيمة هذه المنح ليدفعوها لمدارس أولادهم التي تطالبهم بدفع أقساطهم.
عاليه
مع تردي الظروف الاقتصادية والمعيشية وتحول نسبة كبيرة من المواطنين إلى تعليم أولادهم في المدارس الرسمية خلال السنوات الخمس الأخيرة، آثر كثيرون ترك أولادهم في المدارس الخاصة، إلا ان تردي الظروف الاقتصادية في السنوات الثلاث الماضية، أربك الأهالي ممن لم يتمكنوا من سداد الأقساط، وهم يمثلون الشريحة الأكبر في عاليه والمتن الأعلى (أنور عقل ضو).
وتبين جولة على بعض المدارس الخاصة في المنطقة أنّ بين 50 و60 في المئة من المواطنين لم يتمكنوا حتى الآن، من تسديد الأقساط المترتبة عليهم للعام الدراسي الحالي.
المشكلة بدأت تطال الشريحة المفترض أنها قادرة على تحمل متوجبات التعليم في المدارس الخاصة. وتشير سميرة عقل من مدينة عاليه، إلى أن «زوجي طبيب ولسنا قادرين على تأمين دخول ابننا إلى الجامعة في السنة الدراسية المقبلة».
وتلفت إلى «أننا هذه السنة اضطررنا لنقل ابنتنا من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية». وتقول: «نحن استطعنا أن نوائم بين المدخول والمصروف، لكن هناك كثيرين يواجهون ظروفاً معيشية مأساوية، ممن توقفت أو تراجعت أعمالهم».
«بعض المدارس يراعي ظروف الأهالي وبعضها الآخر يمارس ضغوطاً من خلال إذلال أولادنا»، يقول سامي غرز الدين. يضيف: «قبل أسبوعين وجهوا لابني ولآخرين ممن لم يسددوا القسط الأخير، تحذيراً بأنهم لن يخضعوا لامتحانات نهاية السنة إن لم يسدد أهلهم ما بقي من الأقساط، علماً بأنني كنت قد اتفقت مع إدارة المدرسة على تسديد المتبقي من القسط، خلال الصيف». يتابع: «ما إن علمت بالأمر حتى توجهت إلى المدرسة بعد أن استدنت خمسمئة دولار، وقلت للمديرة أريد تسديد القسط، فرحبت وبدأت تجهز الإيصال، لكنني أوقفتها، وقلت لها ان ابني هو من سيدفع لأنكم أحرجتموه أمام زملائه، وأرجو إحضاره من الصف ليسلمكم هو النقود، وهكذا حصل».
حتى أن بعض المدارس تطرد الأولاد قبل نهاية العام الدراسي فيضطر الأهل إلى الاستدانة خشية خسارة أولادهم سنتهم الدراسية.
ويشير مدير مدرسة خاصة، إلى أنّ «ما شهدناه من تفاقم الوضع الإقتصادي منع الكثيرين من تسديد الأقساط». ويلفت إلى أن «نحو 55 في المئة من الطلاب لم يسددوا إلى الآن أقساطهم». ويقول: «من واجبنا مراعاة واقع الحال لكن في حدود معينة، لأن هناك مستلزمات مالية للمدرسة من رواتب معلمين وغيرها».
يضيف: «في السنوات الماضية غادر عشرات الطلاب المدرسة من دون تسديد الأقساط المتراكمة، لكن لا نعرف كيف تدبروا أمرهم لأنّهم لم يحصلوا من المدرسة على إفادات تتيح لهم التسجل في مدارس أخرى».
وبالرغم من الواقع المأساوي القائم، لا يمكن تعميم سوء المعاملة على المدارس كلها. وتقول المدرسة في «مدرسة النهضة العلمية» في بلدة قبيع في المتن الأعلى ليلى ضو: «نحن نعلم أن هناك عشرات الأولاد يدرسون بمنح تقدمها المدرسة نظراً إلى ظروف أهلهم الصعبة، فضلاً عن أن التلامذة المتفوقين يحصلون على منح أيضا». تضيف انّ «إدارة المدرسة تقدم كل سنة عشرات المنح للبلديات في القرى المجاورة شرط تخصيصها للطلاب المعوزين والمتفوقين».
إلا ان المشكلة الأبرز تطاول أصحاب المهن الحرة. ويقول شريف الصايغ: «أعمل في مجال البناء ولا عمل في هذه الفترة، الموظف رغم الوضع الاقتصادي الصعب يمكنه أن يسدد دفعات قليلة، بينما نحن نضطر إلى التنسيق مع إدارات المدارس، ونكتب تعهداً بدفع المبالغ المتراكمة، وبعض المدارس يتجاوب وبعضها الآخر يرفض، ولذلك هناك كثيرون اضطروا للهروب إلى المدارس الرسمية».

لبنان
ACGEN
اجتماعيات
السغير
تربية وتعليم