بعد ثلاث سنوات من النضال النقابي الذي سعت خلاله هيئة التنسيق النقابية الى تحقيق مطالب المعلمين/ات والموظفين/ات، مستخدمة كل الاساليب المشروعة للتحرك، لا يزال ملف سلسلة الرتب والرواتب بدون حل ولا يتوقع له النهاية السعيدة على الاقل في المدى المنظور. خلال الفترة الماضية ازداد الملف تعقيداً وامسى اسير التجاذب السياسي، وسط الانقسام الحاد الذي يشهده لبنان. وقد لوحظ ايضاً ان تحرك هيئة التنسيق شهد تطوراً بارزاً، بحيث باتت الهيئة تمثل اكثر من حالة نقابية مطلبية وتطمح لان تصبح جزءاً من حركة سياسية ديموقراطية مستقلة جديدة. وبانتظار جلاء الصورة، من المفيد التوقف امام المنعطف الحالي الذي يشهده التحرك، وابراز بعض التطورات والملاحظات الاولية حول الموضوع.
شهد النقاش حول مشروع السلسلة جملة من السجالات والتجاذبات، منها ما تركز حول ارقام نفقاتها واخرى حول الايرادات، وتنقلت السلسلة بين الوزراء والنواب واللجان، تغيرت خلالها ارقام تكلفة المشروع على نحو يصعب تفسيره في هذه العجالة. فمن 1669 مليار ليرة بحسب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ارتفعت الى 3150 مليار ليرة بحسب لجنة كنعان النيابية الفرعية، ومن ثم هبطت الى 1807 مليار ليرة بحسب اللجنة النيابية الفرعية التي رأسها النائب جورج عدوان. اما على صعيد التمويل، فيستمر الاخذ والرد حول الموضوع بدون جدوى، بينما تتمترس الاطراف السياسية وراء رؤى اقتصادية مختلفة وخدمة لمصالح متعارضة. لكن الملفت في الامر، هو اعادة توزع المواقف حولها على تجاوز الانقسام السياسي التقليدي بين 8 و14 اذار.
اما هيئة التنسيق النقابية، فقد تمسكت بمطالبها ومواقفها واستمرت في تحركات اخذت اشكال مختلفة، وشهدت مداً وجزراً من حيث الحشد وكسب التأييد السياسي، الا ان تلك التحركات افضت الى طريق مسدود، اذ لم تستطيع الهيئة من خلالها فرض موقفها على الاطراف السياسية الرئيسية، فوجدت نفسها محشورة بين الاستمرار في مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية واسيرة المراهنة على ذلك، الامر الذي ارتد عليها، كما شهدنا مؤخراً مع قرار وزير التربية، الياس بو صعب، باعطاء افادات لكل من تقدم بالامتحانات الرسمية، ساحبا بذلك البساط من تحت اقدام الهيئة.
لا شك ان سوء الطالع الحالي للهيئة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمأزق السياسي العام الذي يمثله عدم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وبروز معركة التمديد للمجلس النيابي، وهو مأزق ادى الى تعطيل جلسات التشريع النيابية، التي كانت منكبة على دراسة مشروع السلسلة. وبنتيجة ذلك، فمن الواضح ان تفاقم الازمة السياسية المرتبطة بانتخابات الرئاسة والمجلس النيابي، الى جانب تسارع التطورات الاقليمية (صعود داعش واحداث عرسال) واستمرار التراجع الاقتصادي وضغط النزوح من سوريا، كل ذلك دفع بمسألة سلسلة الرتب والرواتب الى اسفل سلم اولويات السياسيين في لبنان.