140 عاماً على تأسيس «القديس يوسف»: شرّعت.. هندست.. وطبّبت «لبنان الكبير»

Tuesday, 11 November 2014 - 12:00am

قصة مدينة وجامعة بدأت منذ مئة وأربعين عاماً. ولدت أيام العثمانيين حين كانت بيروت ولاية واستمرت منذ إعلان لبنان كبيراً في العام 1920 حتى يومنا هذا. قصة جامعة تنمو وتزدهر، ومدينة تتفاعل مع صرح تخطّى محطات مشرقة في تاريخها. فكان أن ذاب تاريخ المدينة بتاريخ الجامعة، بينما حاولت هي تخطي حروب وأزمات عصفت بالعاصمة ونخرت جسمها.
حين نشأت «جامعة القديس يوسف» منذ مئة وأربعين عاماً كان هاجس القيّمين عليها تأسيس حاضر أكاديمي ثقافي لم يكن منتشراً، أو حتى موجوداً بالنسبة إلى تلامذة وطلاب استفادوا من إقامة مدارس الإرساليات الفرنكوفونية. ثم جهدت لتحويله إلى حالة عامة وليس ترفاً لطبقة برجوازية، فسارت بين الألغام وأفواه المدافع أيام الحرب الأهلية التي لم ترحم صروحها من دون أن تعيق مسيرتها.
أما بعد الحرب فلم تعد تنظر إلا إلى المستقبل، فطوّرت اختصاصاتها وأحاطت كلياتها بمراكز ومختبرات تدعم النظري بالتطبيقي. لكنّها في جميع المراحل بقيت الجامعة التي تجهد دائماً للمزاوجة بين العراقة والحداثة.
بعد نحو 44 عاماً على انطلاقة عمل الآباء اليسوعيين وانشائهم مدارس في بيروت وجبل لبنان، نال الآباء بركة روما لمنح شهادات جامعية في الفلسفة واللاهوت. تزامن ذلك مع تأسيس «المكتبة الشرقية» في العام 1975. كانت خطوتهم الأولى شراء أرض لإقامة الكلية في ظلّ الحكم العثماني القائم، فتمّ التفاوض على قطعة بسرية تامة قادها صديق الآباء درويش تيان. ولم يعرف الباعة هوية الشراة إلا ليلة تمّ الاتفاق على البيع. فانطلقت كلية اللاهوت في العام 1881 التي انبثقت منها بعد عامين ما سميّ آنذاك «المدرسة الفرنسية للطبّ»، وفق ما يؤرخ له كتاب «جامعة القديس يوسف بين العراقة والحداثة».
يشير رئيس الجامعة الأب الدكتور سليم دكاش اليسوعي إلى أنها ومع انطلاقتها، عملت الجامعة على أربعة محاور رئيسية كانت مهمة في تطوّر البلد واستقراره آنذاك. أولها الدور الذي أدّته في تأهيل أجيال من الإكليروس عملوا على إرساء وحدة وتلاقي الطوائف في لبنان، وعلى تدعيم الوجود المسيحي في الشرق.
يليه الدور المهم لمدرسة الطبّ التي «وضعت أسس النظام الصحي في لبنان والمنطقة»، وفق دكاش. ويروي كيف كان خّريجوها يحملون حقائبهم ويجولون في المناطق لتلقيح الأطفال. وكيف أن المدرسة شكّلت أساساً لانطلاق التشريعات الخاصة بإنشاء المستشفيات.
وفق الكتاب، وضعت أسس الاختصاص والشهادات طبقاً للنظام الفرنسي وتخرّجت أول دفعة أطبّاء من الجامعة في العام 1886، بعد تدقيق لجنة من الأكاديمية الفرنسية في مستوى هؤلاء الأطباء. في تلك الحقبة عانت الجامعة من العثمانيين كثيراً، لكنها في الأخير انتزعت الاعتراف بكلية الطبّ التي ألحق بها قسم الصيدلة في العام 1889. وبات خرّيجوها يحملون شهادة مزدوجة: من الدولة الفرنسية ومن الدولة العثمانية.
ويعتبر دكّاش أن المحور الثالث الذي أدته الجامعة وساهم في تطوّر البلد، هو إنشاؤها كلية الحقوق في العام 1913. وقد ولدت الكلية بعد مخاض طويل مع الفرنسيين، وفق الكتاب، لكنّها كانت أساس العمل التشريعي والحقوقي والديبلوماسي في لبنان.
ويلفت دكاش إلى أن الكلية خلقت الوظيفة العامة في لبنان وأن الجامعة اليوم «في صدد إنشاء مرصد للوظيفة العامة يعمل على مراقبة ودرس وتقييم عمل الموظفين العامين وتقديم الاقتراحات لتفعيل دورهم. وهو مشروع وضع على الورق في انتظار التنفيذ».
كذلك أدّت كلية الهندسة، التي أنشئت في العام نفسه، دوراً ريادياً آخراً، فكانت الوحيدة في لبنان حتى العام 1952. وبفضل خرّيجيها شُقت الطرق وبُنيت سكك الحديد ووضعت أسس البنى التحتية.
هكذا، شكّل تأسيس الجامعة أهمية كبيرة في تلك الحقبة، ولا سيما أنه تزامن مع نشوب حربين عالميتين وسقوط الدولة العثمانية ونشوء لبنان الكبير.
منذ مئة وأربعين عاماً تعمد «جامعة القديس يوسف» إلى مزاوجة العراقة والحداثة، ويعتبر دكاش أنها نجحت في ذلك، والبرهان، كما يقول بفرح، هو «حين أسأل الطلاب لماذا اختاروا التخصص في جامعتنا يجيب 9 من أصل 10 أنهم اختاروها بسبب مستوى الشهادة الذي تقدّمه».

12 لغة ونفط وإنترنت
بعد مئة وأربعين عاماً تتألف «جامعة القديس يوسف» من 13 كليّة و14 معهداً عالياً، يستفيد منها نحو 12 ألف طالب. وقد خصصت لأجلهم 19 مركزاً للبحث العلمي، فيها 31 مختبراً وبنك للأنسجة. وتضم متحفين («ما قبل التاريخ» و«ميم» للمعدنيات)، ومركزين ثقافيين: واحدا يابانيا وآخر صينيا. وتدرّس 8 لغات حديثة و4 لغات قديمة. لكن، وفق رئيسها الأب الدكتور سليم دكاش اليسوعي، تصرّ الجامعة على أن تكون اللغة الفرنسية، لغتها الأساس. وفي رأيه «هي لغة الدقّة والثقافة». لكنّه يشير إلى تقديم دروس بالإنكليزية إذا ما كانت ضرورية للاختصاص كما يُجبر الطلاب على نيل شهادة باالانكليزية لمجاراة سوق العمل، وذلك بالتعاون مع «جامعة سان لويس».
ويكشف دكاش أن «اليسوعية» تشهد اختصاصات جديدة بين حقبة وأخرى، ومنها ماجستير في النفط والغاز يتيح للمتخرج العمل في مجال التنقيب والاستخراج والتكرير والتسويق، ويقدّم باللغة الانكليزية. بالإضافة إلى اختصاص آخر يبصر النور يعرف بمهن الإنترنت أو مهن الشبكة ويعطى باللغتين الفرنسية والانكليزية.

مرصد وأبحاث
في الحقبة الجديدة، يصمم رئيس الجامعة الأب الدكتور سليم دكاش اليسوعي على تحقيق هدفين رئيسيين أولهما إنشاء مرصد الوظيفة العامة، والثاني الارتقاء بالبحث العلمي كي تتحول الجامعة إلى مرجع في الأبحاث على صعيد البلد. ولأجل ذلك بات يفرض على الأستاذ تكريس بين 30 و40 في المئة من وقته للأبحاث، فيعطى صفة الأستاذ ـ الباحث. ويصرّ على تحفيز الطلاب على خدمة الشأن العام، وهو ما تتيحه الجامعة من خلال المشاريع التطبيقية.

لبنان
FBO
السغير