حتى مشكلة رفع القمامة تصبح في لبنان، مسألة مستعصية يتقاذفها السياسيون وتنخر فيها المحاصصات الطائفية، ويظللها قصر النظر. وفيما يقترب الموعد الاخير لاقفال مطمر الناعمة-عين درافيل (في 17 كانون الثاني المقبل)، ولانهاء العقد الموقع مع شركة مجموعة افيراد (سوكلين وسوكومي) لإدارة النفايات المنزلية الصلبة في بيروت وجبل لبنان، تبدو البلاد مقبلة على ازمة بيئية، وذلك مع استمرار الخلاف حول الخطة الوطنية للمعالجة، وفي ظل طفحان مطمر الناعمة الذي بات على وشك الانفجار، الامر الذي قد يدفع الحكومة كالعادة صوب ركل القضية باعتماد حلول ترقيعية قصيرة الاجل.
وتجدر الاشارة الى انه منذ العام 1998، ولبنان يعتمد على خطة طوارئ لحل مشكلة النفايات الصلبة، علماً انه ينتج سنوياً نحو 4 الاف طن من النفايات، اي بمقدار يزيد على المستوى العالمي. وبلغة الارقام، ترمى 40 % من النفايات الصلبة في مكبات عشوائية و50 % في مطامر، بينما لا يتم تدوير اكثر من 10 % منها. وفي حين تم اعطاء الاولوية لرفع النفايات في مدينة بيروت وضواحيها من جبل لبنان، لا تزال نفايات البلديات الاخرى تنقل الى المكبات المكشوفة.
وفي تفاصيل الازمة المستجدة، اتخذ مجلس الوزراء بتاريخ 30 تشرين الثاني الماضي، قرارا حمل الرقم 46، طلب فيه من مجلس الانماء والاعمار، تحضير دفتر شروط بهدف اطلاق المناقصات، وعليه تم تقسيم بيروت وجبل لبنان الى اربع مناطق، الاولى قضاء الشوف وقضاء عاليه وقسم من قضاء بعبدا اي المتن الاعلى، الثانية ضاحية بيروت الجنوبية، الثالثة بيروت وقسم من قضاء بعبدا، والرابعة قضائي المتن وكسروان ومحافظة لبنان الشمالي.
وبحسب مصادر متابعة، بدأت كل طائفة تطالب بحصتها في "النفايات"، وفق التقسيمات المناطقية، وبالرغم من ان دفتر الشروط المقترح، بحسب ما سرب، لا يسمح لشركة ان تستلم اكثر من منطقتين، كما كان واقع الحال مع "شركة سوكلين". وتقول تلك المصادر، ان الشركات المرتبطة طائفياً بالقوى السياسية المهيمنة محلياً، باتت جاهزة ومؤهلة للمباشرة باعمال الكنس والجمع ونقل النفايات، اي انه سيصبح لكل من طوائف الشيعة والسنة والدروز والمسيحية، شركاتها الخاصة لتدبير امر النفايات.
تأجل البحث في الموضوع عدة مرات بسبب الخلافات السياسية، وابرزها الاعتراضات التي سجلها البعض لناحية التمديد لمطمر الناعمة من جهة، او لجهة ترك الخيار للشركات المتعهدة التي ستشارك في المناقصات، في تحديد المواقع والتقنيات المقترحة للمعالجة والطمر.
من جهة ثانية، اعلن رؤساء البلديات رفضها لخطة النفايات المقترحة على مجلس الوزراء، معللين ذلك بان إدارة النفايات هي من صلاحيات البلديات. كذلك علت اصوات المنتقدين/ات من الجمعيات البيئية، التي نبهت من انه ككل مرة تترك المعالجات لآخر لحظة لفرض وجهة نظر "شركات تأسست بحجّة أنها تقدّم خدمات للشعب اللبناني". وفي هذا السياق، يسلط الناشطون/ات الضوء على النتائج السلبية التي تحملها الخطة المقترحة، والتي تكرّس، من جهة، مبدأ الإحتكار، ومن جهة ثانية، تعتمد على تقنيات معالجة غير بيئيّة كالحرق والطمر. في المقابل، يقترح النشطاء استراتيجية تزاوج بين تخفيف إنتاج النفايات، عبر ترشيد الاستهلاك، وتدويرها في اطار سياسة تتوخى تشجيع صناعات تدوير الورق والزجاج والبلاستيك.
على رغم الكثير من التسريبات، لا يزال الغموض يكتنف عموماً الموضوع، خصوصاً تلك البنود التي تتعلق بدفتر الشروط، فيما يتساءل الحريصون على البيئة حول مغذى التلهي بدفتر الشروط، في حين ان المعالجات المقترحة لا تستند الى استراتيجية ورؤية واضحتين. وفيما تشير الاجواء الى استحالة التوصل حول حل ايجابي في الوقت القريب، يبقى السؤال حول المخارج التي سيجدها السياسيون للخروج من المأزق الحالي.