انشغلت الاوساط الطرابلسية خلال الاشهر القليلة الماضية، بمشروع تحويل ساحة جمال عبد الناصر التراثية في ساحة التل التراثية في وسط مدينة طرابلس، الى مرآب للسيارات، حيث كأي مشروع اقتصادي في لبنان، لم يسلم من التدخلات السياسية والخلافات على المصالح، بصرف النظر عن ابعاده الاقتصادية، معمقاً الفرزين السياسي والمدني في مدينة طرابلس، التي عانت ولا تزال من الفقر والحرمان والبطالة، والتي شهدت خلال السنوات الماضية عدة جولات عنف، انتهت بسحر ساحر.
طرح مشروع انشاء المرآب، فجأة، بجلسة لمجلس بلدية طرابلس، محتلا الاولوية ضمن المشاريع المقترحة لمدينة طرابلس، ووُجه باعتراضات خصوصاً حول جدواه. يتضمن المشروع الموصوف بالانمائي، استحداث أربع طبقات تحت الأرض، يقوم بتنفيذه مجلس الانماء والاعمار، بتكلفة تتراوح بين 20 و24 مليون دولار، فيما يؤكد بعض المتابعين ان تكلفته ينبغي ان لا تزيد عن 7 ملايين دولار.
اثار المشروع عند طرحه ردود افعال متباينة، فضمت الجبهة الرافضة له كل من الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير السابق فيصل كرامي، النائب السابق مصباح الأحدب، رئيس البلدية، الجماعة الاسلامية، شخصيات وهيئات إسلامية أخرى، فضلاً عن أكثرية من هيئات ولجان المجتمعين المدني والأهلي في المدينة. اما الجبهة المؤيدة، فتضم كل من تيار المستقبل، وزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، مجلس الانماء والاعمار، واعضاء المجلس البلدي الموالين لتيار المستقبل.
تطور الخلاف حول المشروع الى ما يشبه الحرب العلنية بين الرئيسين الميقاتي والحريري، حسمت اخيراً لصالح تيار المستقبل، الذي استطاع ان يقنع المجلس البلدي بالموافقة على المشروع، وانتهى الامر باستقالة رئيس البلدية، نادر الغزال، يوم السبت الماضي. وقد كشف اكثر من مصدر متابع ان استقالة الغزال، جاءت نتيجة الضغوط التي تعرّض لها من الرئيس الحريري، ترافقت مع مساومات مع بعض اعضاء بلدية طرابلس الذين اقنعهم الحريري بالموافقة على المشروع مقابل استقالة الغزال، خصوصاً وان اكثرية اعضاء المجلس البلدي هم من المعارضين لغزال.
وفيما يبدو المشروع الان في طريقه نحو التنفيذ، يبقى السؤال الاساسي يحوم حول طبيعة المشروع، جدواه والجهات المستفيدة منه. والغريب في الامر ان المشروع يصفه مريديه بالانمائي فيما هو فعلاً مشروع خدماتي صرف، لا يدخل ضمن اولويات انمائية واضحة للعاصمة الشمالية التي تحتاج الى نهضة اقتصادية شاملة وخلق فرص عمل جديدة للقضاء على البطالة.
يمثل المشروع "المكروي" نموذجاً لقصور المقاربة الانمائية للدولة اللبنانية بكافة مستوياتها، التي تكتفي بخلق مشاريع او جزر اقتصادية جديدة تخدم مصالح الاطراف الاقتصادية السائدة وذلك على حساب الاكثرية الشعبية والشبيبة خصوصاً. وما الدليل الفاقع الاخر على تلك المقاربة الفاشلة، سوى مشروع المنطقة الاقتصادية في طرابلس، التي اقرتها حكومة فؤاد السنيورة في العام 2008، والتي تشهد اليوم انبعاثاً ادارياً تمثل بتعيين مجلس ادارة له، رعي في اختيار اعضائه على المحاصصة السياسية.