الحرب أقفلت مدارس خاصة وأفرزت أخرى دينية- ثلث التلامذة لدى الطوائف

Saturday, 25 April 2015 - 12:00am
تكفي مراجعة أعداد المدارس الخاصة المجانية والخاصة غير المجانية التابعة للطوائف المسيحية والإسلامية، من حيث أعدادها وأعداد التلامذة في كلٍّ منها، كي نظهّر صورة الواقع الذي نعيشه في لبنان. يرى البعض أن في ذلك نعمة، لجهة نشر العلم والثقافة الفرنسية (اليسوعية) أو الإنكليزية (الكلية السورية الإنجيلية التي أصبحت لاحقاً الجامعة الأميركية في بيروت)، أو في الحفاظ على مكانة اللغة العربية (المقاصد الخيرية الإسلامية)، والبعض الآخر نقمة، لكون هذه المؤسسات زادت من الشرخ بين الطوائف.
يأخذ التربويون على حرب السنتين (1975) وما تلاها، الأسباب التي أدت إلى تأخر نمو المدرسة الرسمية، على الرغم من انتشارها الواسع في البلاد (1417 مدرسة وثانوية في العام 1975، قبل أن ينخفض هذا الرقم في العام 2015 إلى 1264)، جراء الدعم الطائفي والمذهبي للمدارس الخاصة، بحيث بات لكل طائفة مدارسها، وتحوّلت المدرسة الرسمية إلى مكان لاستقبال الفائض من التلامذة، الذين لا مكان لهم في المدارس الخاصة، أو ممن ليس لديهم القدرة على دفع الأقساط المرتفعة.
ومع مرور الذكرى الأربعين لاندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975، التي كان للنظام الاقتصادي والاجتماعي والتربوي دور بارز في اندلاعها وتفاقمها، لا بدّ من مراجعة الماضي وتأثير حرب السنتين وما تلاها على المدارس في شكل عام وعلى المدرسة الخاصة، وانعكاس ذلك عليها، وآراء عدد من القيّمين على هذه المؤسسات، علماً أنّ الدستور اللبناني أعطى، في المادة 10، الطوائف حقوقاً ثابتة، ومنع المسّ بها، إذ نصت هذه المادة (العاشرة) على ما يتناقض مع المادة التاسعة، وقد جاء فيها حرفياً أن «التعليم حرّ ما لم يخلّ بالنظام العام أو ينافي الآداب أو يتعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب ولا يمكن أن تمس حقوق الطوائف من جهة إنشاء مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية».
ما هي التردّدات التي تركتها الحرب اللبنانية، على التلامذة وذويهم؟ وما هي انعكاسات هذه الحرب على المدارس؟
عماد الزغبي
يتفق رئيس «جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية» أمين الداعوق والأمين العام للمدارس الإنجيلية د. نبيل قسطه، في أن الحرب ذهبت بهيبة المعلم، وبات التلميذ لا يحترم معلمه، ويحاول تجاوز أنظمة المدرسة. ويعتبر الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار أن الحرب أثّرت على نفسية التلامذة، التي لم تعد سليمة وصحيحة، وأن ذلك أنسحب على المعلمين والإداريين. ويرى المدير العام لـ «جمعية المبرات الخيرية» د. علي فضل الله أن الحرب أدّت إلى وجود شرخ بين التلامذة.
يقول الداعوق: «أثرت الحرب على نفسية التلامذة وأهلهم، وانعكس سلباً على الأداء التعليمي حتى أن المعلمين أنفسهم تأثروا بالحرب، وأصبحوا يماشون الأوضاع، تحسباً لأي رد فعل عكسي عليهم».
يرى قسطه أن لكل حرب ثقافتها الخاصة، والحرب اللبنانية ما زالت انعكاساتها وتردداتها قائمة، على الرغم من مرور أربعين عاماً عليها، إلا أنها خلقت جواً من عدم الاحترام لدى جيل التلامذة الذي عاش تلك المرحلة، ونقل هذا الجيل، هذه الروح إلى عائلته، بحيث لم يعُد لديهم كبير، وأصبحت الفوضى هي الطاغية، ولم يعد للمعلم أي هيبة وأصبح الضرب والتحدي جزءاً من حل المشاكل.
يقول عازار: «زادت العصبية بين التلامذة وحتى بين المعلمين، بحيث لم تعد القضية بين مسلم ومسيحي، بل بين المسلمين والمسيحيين أنفسهم. ورطتنا الحرب وبدلأ من أن يكون الإنسان أخي أصبح عدوّاً لي، حتى لو كان من ديني.. قاومنا حتى نبعد التلامذة عن هذه الأجواء..».
ويلفت فضل الله إلى أن الحرب أدّت إلى انقسامات كبيرة بين اللبنانيين، وظهر ذلك واضحاً من خلال البرنامج المشترك بين تلامذتنا وتلامذة ما كان يُسمّى «المنطقة الشرقية»، وعدم معرفة المناطق، حتى أن تلميذة وبعد زيارة «مدرسة الكوثر» قالت: «أنتم مثلنا»، وكم كان هذا مؤلماً أن لا يعرف التلامذة بعضهم بعضاً.
يركز الداعوق على دور المقاصد في المحافظة على العيش المشترك والابتعاد عن الغلو في الدين، وقبول الآخر، والتنوّع الديني والتركيز على التعلّم والتعليم، بأفضل الوسائل العلمية المتوافرة، للمحافظة على الحد الأدنى، لافتاً إلى أن ذلك أدى إلى قبول جميع اللبنانيين برسالة المقاصد التربوية.
ويقول قسطه: «نعلّم تلامذتنا على قبول الآخر والتفوق العلمي، بينما الحرب علّمتهم على وجود طرق مختصرة للوصول إلى ما يصبون إليه سريعاً. يرى أن التلامذة يعيشون حالاً من الانفصام في الشخصية، جراء تواجد الأحزاب حولهم، والتعليم المدرسي، فهم يتعلّمون شيئاً في المدارس، وفي البيت العكس تماماً».
خطوط تماس
يعترف عازار أن الحرب أفرزت مدارس دينية، «صحيح مدارسنا كاثوليكية، لكنها تضمّ عدداً كبيراً من المسلمين. والمدارس الجديدة هدفت لاستقبال تلامذة من دين أو طائفة معينة، ولم تعد بعض المدارس تجمع الكل».
ويشير فضل الله إلى أنه برغم وجود «المبرات» في مناطق ديموغرافية، وطغيان وجود طائفة معينة، «استطعنا استقطاب بعض الطوائف، وهذا ما يعيشه تلامذة المبرات وكذلك الموظفون».
يرى الداعوق أن الحروب التي عصفت بالبلاد، أدّت إلى نشوء مدارس دينية طائفية، وانتقل إليها تلامذة ومعلمون، وبقيت المقاصد تكافح للبقاء، في نشر العلم والتربية بعيداً عن الطائفية، برغم الصعوبات المالية وغلاء المعيشة.
يعتبر قسطه أن تداعيات الحرب الأهلية ما زالت مستمرة، بعدما كادت أن تنتهي في فترة من الفترات، حتى عادت للظهور من نشوء الثامن والرابع عشر من آذار، ومن ثم «داعش» وأخواتها، وبذلك لم يستطع الوالد الذي سعى للخروج من نفسية الحرب، ومنع هذه الكأس عن أولاده، إلا العودة إليها مُكرَهاً جراء الصراع الدائر، فباتت الكراهية موجودة عبر وسائل الإعلام المرئية، أو مواقع التواصل الاجتماعي.
يؤكد عازار أن حرب السنتين وما تلاها من حروب أثرت سلباً على المدارس الخاصة، لجهة أماكن وجودها، في مناطق قريبة من خطوط التماس، أو لجهة إقفال عدد كبير من المدارس المجانية، «كان لها فضل كبير في تثبيت إبن الريف في أرضه، ورفض الدولة إعطاء تراخيص جديدة، سبّب بهجرة الأهالي إلى المدينة بحثاً عن العلم لأولادهم». ويقول: «تهدّمت مدارس كثيرة بفعل الحرب، ولم تساهم الدولة في إعادة الإعمار، واضطرت المؤسسات التربوية لدفع كلفة كبيرة لتبقى حاضنة للتلامذة».
ينفي فضل الله أن تكون الحروب التي عصفت بالبلاد قد أثرت على مسيرة المبرات التربوية، «تأثّرنا بتدمير مؤسسات تربوية لنا في العدوان الإسرائيلي في حرب تموز من العام 2006، خصوصاً في الجنوب، وهذا كان له تأثير سلبي على تلامذتنا، الذين كنّا نرعاهم، ما دفعنا لعقد سلسلة ورش عمل لتنفيس الضغط الذي كان يعاني منه التلامذة جراء الحرب، بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية. وقدّمت برامج لا صفية لأكثر من عشرة آلاف تلميذ، لإعادة دمجهم مع زملائهم.
يشدّد الداعوق على أهمية دور وزارة التربية لجهة القيام بواجبها الوطني، عبر تقوية التعليم الرسمي، ودعم المدارس الخاصة المجانية، التي تعتبر الحل الوسط بين الرسمي والخاص لأبناء الفقراء، للمحافظة عليهم ومنعهم من التسرّب، وغياب النظرة المستقبلية لوزارة التربية، من خلال تطوير المناهج التربوية، أدى إلى مراوحة التعليم مكانه.
ويركز قسطه على أهمية وزارة التربية في أن تكون أهم وزارة، وأكبر استثمار يجب أن يكون في المدارس الرسمية، فـ «لا يفيد الاستثمار في الحجر وترك البشر، خصوصاً أنه لدينا بين التعليم الرسمي والخاص نحو مليون تلميذ، ونخرّج سنوياً بين سبعين وثمانين ألف طالب، يتوجّهون إلى الجامعات أو التعليم المهني والتقني، لذا علينا العمل عليهم، لتخريج عقلية تؤمن بالتعايش، وإلا ستكون كارثة على لبنان».
يحمّل عازار الدولة مسؤولية التقصير، لكون المدارس الخاصة تقوم مقام الدولة، والتعليم الديني ضرورة في مجتمعنا الشرقي، لكن التعليم الديني يجب أن يكون منفتحاً على الإنسان وبعيداً عن التعصّب وإلا يصبح مشروع حرب.
ينفي فضل الله مسؤولية المدرسة في التفرقة الدينية، ويوضح أن ذلك يعتمد على نوع التربية التي يتلقاها التلميذ في المدرسة، وهل المدرسة تريد المحافظة على التلميذ، أم أنّها بحاجة للقسط المدرسي، و «مدارسنا تشدّد على احترام التلميذ مدوّنة السلوك، والالتزام بالنظام الداخلي».
حاجة
يؤكد الداعوق أهمية تعديل المناهج والبرامج التي مضى عليها أكثر من 18 عاماً من دون أن تتطور، لكون المدرسة الخاصة ترتبط في الامتحانات الرسمية، و «لو ترك الأمر للمدرسة الخاصة لكان التطور سريعاً، لكن العوائق تمنع هذا التطور».
يشدّد قسطه على أهمية إعادة تقويم البرامج والمناهج التربوية، المواكبة للتطور العلمي، «لا يمكن الحديث عن معاهدة سايكس بيكو، وهناك أكثر من معاهدة، وحدود دول تغيّرت..». لذا علينا احترام عقل التلميذ، وتقديم مناهج تساعد على تطويره الذهني، وليس جعله صندوقاً ترمى فيه المعلومات.
ويأمل عازار بشرعة تربوية مشتركة بين المدارس الرسمية والخاصة، وأن يرى تلامذة مسيحيين في مدارس إسلامية والعكس، مذكراً بالشرعة التربوية في المدارس الكاثوليكية التي تركز على «التنشئة الروحية وترسيخ القيم والارتقاء بالمؤسسات التربوية لتصبح مرجعاً ثقافياً لأفراد المجتمع».
يشير إلى أن «مدارس المبرات» أنشئت بفعل الحاجة إلى مدارس خاصة ولديها مستوى علمي وأكاديمي مميّز، وليس بفعل ضعف المدارس الرسمية في سبعينيات القرن الماضي، وأن فتح هذه المدارس جاء لسد نقص في «مناطقنا» وليس من منطلق ديني بحت، بل من منطلق رسالي، والدين المنفتح على الآخر، والذي يقبل الآخر، من موقع الندية والمساواة وليس بنظرة دونية، وهذا الفكر الذي أتى به مفكرنا العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله.
الجميع متفقون على أن الحرب في لبنان ضعضعت سلم القيم عند التلامذة، وهناك مدارس ما زالت تحافظ على القيم انطلاقاً من العيش المشترك. ويشددون على ضرورة احترام حرية التعليم، وهوية كل مدرسة من دون التشهير بدين الآخر. ويعتبرون أن المشكلة ليست في هوية المدارس، بل بالقناعات عند إدارات المدارس. ويؤكدون ضرورة وجود تعليم ديني بعيد عن التعصب ومنفتح، كي لا ينجرف التلامذة في تيارات تفهم الدين بطريقة متعصبة، مع التشديد على دور المعلم، في التعليم بطريقة منفتحة وتحترم الرأي الآخر، مع احترام حرية كل إنسان برأيه ودينه.

ثلث التلامذة لدى الطوائف
تشكل المدارس التابعة للطوائف (572 مدرسة) نسبة 41 في المئة من المدارس الخاصة (1435) وتضم نحو ثلث تلامذة لبنان من أصل 912 ألف تلميذ تقريباً (خاص ورسمي).
تمتلك الطوائف اللبنانية، وفق النشرة الإحصائية الصادرة عن «المركز التربوي للبحـــــوث والإنماء»، 572 مدرسة خاصـــة مجـــانية أو غير مجــــانية، كــــالآتي:
الطائفة المارونية: 84 مدرسة مجانية و172 غير مجانية.
الروم الأرثوذكس: ثلاث مدارس مجانية و12 غير مجانية.
الروم الكاثوليك 16 مجانية و33 غير مجانية.
الأرمنية: ست مدارس مجــــانية و16 غـير مجانية.
الإنجيلية: واحدة مجانية و22 غير مجانية.
السنية: 42 مجانية و60 غير مجانية.
الشيعية: 33 مجانية و53 غير مجانية.
الـــدرزية تســــع مدارس مجانية وعشر غير مجانية.
وانخفض عدد المدارس في لبنان من 2788 مدرسة رسمية وخاصة في العام 2005 إلى 2697 مدرسة في العام 2015، علماً أن التراجع في عدد المدارس كان في المدارس الرسمية التي تم دمج بعـــضها، أو إقفالها نهائياً إما لوجود في بناء مستأجر، أو لقلة عدد التلامذة.

لبنان FBO السغير تربية وتعليم