لقاء «بيال» اليوم: من اجل مواصلة الانتحار

Thursday, 25 June 2015 - 1:34pm
بعد قرار هيئة التنسيق النقابية مقاطعة اللقاء المقرر عقده ظهر اليوم في «بيال» تحت مظلّة «الهيئات الاقتصادية»، جاء البيان الصادر باسم تكتل التغيير والاصلاح، امس، ليستكمل تعرية اهداف هذا اللقاء، وحرمانه «الصبغة» الجامعة التي حاول منظموه صبغه بها. فالمشاركون في اللقاء لن يكتسبوا صفة «المجتمع المنتج» في ظل طغيان تمثيل «المصالح الريعية المصرفية والعقارية والتجارية» ومصالح اصحاب الامتيازات في نقابات المهن الحرّة... وكذلك «النداء» الذي سيصدر عن هؤلاء المشاركين لن يتعدّى «زواريب» السياسة المحلية، باعتبارهم ان «الفراغ» هو الذي يهدد بالانهيار الاقتصادي الوشيك، لا دفاعهم المستميت عن المصالح التي يمثلونها بجدارة

في قاعة «بيال» غير الشرعية، القائمة على مساحة من البحر المردوم بانقاض وسط بيروت التاريخي، الذي سطت عليه شركة «سوليدير» الخاصة، يلتقي ظهر اليوم عدد من ممثلي تكتلات المصالح في المصارف والعقارات والاحتكارات التجارية والمنتجعات السياحية وشركات الهندسة والصحّة والمحاماة والمحاسبة والاعلام والاعلان... بالاضافة الى الاتحاد العمالي العام وبعض المنظمات غير الحكومية. الهدف من هذا اللقاء هو اصدار «نداء 25 حزيران» ليكون بمثابة «صرخة في وجه الطبقة السياسية، كل الطبقة السياسية، لوقف الانتحار الجماعي».

وبحسب بيان صادر عن المنظّمين، الذين عقدوا اجتماعا تمهيديا في بيت الطبيب مساء اول من امس، فان اللقاء تداعت إليه «كل مكونات المجتمع المنتج من نقابات مهن حرة وعمال مرورا بالهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني، هو لقاء وطني جامع وفريد في تاريخ لبنان الحديث، عابر لكل الانتماءات السياسية والقطاعية وحتى الطائفية»، الا ان مكوّنات هيئة التنسيق النقابية قررت مقاطعة هذا اللقاء، بحجّة انه يمثل مصالح معادية لمصالح فئات واسعة من اللبنانيين حرمتها «الهيئات الاقتصادية» في معاركها السابقة حقّها بتعديل النظام الضريبي ليصبح اكثر توازنا ورأفة، كذلك حرمت اكثر من 200 الف موظف ومعلم وجندي حقهم في سلسلة الرتب والرواتب، وحرمت ايضا العمال في القطاع الخاص حقّهم في تصحيح اجورهم وتحصينها، وحرمت اكثر من نصف اللبنانيين حقهم في التغطية الصحية الشاملة، واكثر من ثلاثة ارباع اللبنانيين حقهم بنظام التقاعد والحماية الاجتماعية... لم يشر بيان المنظمين الى كل هذه الحقوق المهدورة، ولا الى ان «الفراغ والشلل» هما نمط مزمن في ادارة الدولة، فالدستور معطّل منذ زمن، وكذلك الانتخابات، والدولة بلا قانون موازنة عامة منذ 10 سنوات، ولا حسابات مالية صحيحة منذ عام 1979، ولا قطع حساب ولا حسابات مهمّة، ويجري منذ امد بعيد تمديد عقود سوكلين واخواتها والسوق الحرّة في المطار وادارة شبكتي الخلوي... ويجري تعطيل لمشاريع الكهرباء والمياه والنقل العام... والاملاك العامّة محتلة، وما انفكت السلطات الثلاث تحمي الاحتلال وتحاول «قوننته» كما «تقونن» مخالفات البناء والمضاربات العقارية والتهرّب الضريبي والوكالات التجارية الحصرية وسوى ذلك من مصادر للاثراء غير المشروع. فأي صرخة واي نداء يمكن ان يكتسب الصدقية والمشروعية صادر عن ممثلين لكل هذه المصالح؟

اليس أقل من 2% من عائلات
لبنان يتمتعون بأكثر من ثلثي هذه الودائع المصرفية؟

امس، صدر بيان ممهور بتوقيع تكتل التغيير والاصلاح النيابي، هدفه وضع لقاء «بيال» في خانته السياسية، باعتباره مطلبا من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس كتلته النيابية فؤاد السنيورة، وذلك للضغط لتسهيل انعقاد مجلسي الوزراء والنواب ومزاولة اعمالهما المعتادة في خدمة المصالح الكامنة في «النموذج الاقتصادي الريعي»، وهي اعمال لم تؤدّ إليها سوى تشريعات مثل قانون الايجارات وتسوية التعديات على الاملاك البحرية واقامة المناطق الاقتصادية الحرة وانتهاك حقوق العمال والموظفين وزيادة الاستدانة من المصارف ودعم التجار والمضاربين.
جاء في بيان التكتّل ردا على الدعوة الى لقاء «بيال»: تُطالِعُنا بعض الأوساط والمراجع والمرجعيّات عن احتمال حصول انهيار اقتصادي قريب في لبنان. وكنّا قد سمِعنا خلال عامي 2012 و2013 مثل هذه النغمة التي يعاودون تردادها اليوم، محاولين ترهيبنا والضغط علينا علّنا نتراجع عن مواقفنا، ما يعني توقفنا عن المطالبة بتطبيق القوانين واحقاق الحق وإعطاء كل ذي حق حقَّه. وللتوضيح في هذا الإطار، ولوضع النقاط على الحروف، وقطعاً للتهويل، نوُرد المؤشّــرات الاقتصادية التالية:
- لقد تجاوز حجم الناتج المحلّي اللبناني (GDP) عام 2014 عتبة الـ50 مليار دولار، فيما كانت قيمته نحو21 مليار خلال عام 2004 وكذلك خلال عام 2005 أي بزيادة اسميّة قدرُها 138% في 10 سنوات. وبالرغم من تأثيرات الأحداث الدائرة في سوريا، وزنار النار الذي يلف لبنان نتيجة ذلك، ما انعكس سلباً على حركة نقل البضائع اللبنانية برّاً، وبالرغم من الأزمات الماليّة المتتالية في العالم منذ عام 2008، وبالرغم من المقاطعة السياحية للبنان على يد عدة دول خليجية، فقد تمكن اقتصاد لبنان من تسجيل نموٍ حقيقي بلغ معدَّله السنوي نحو 2.5% خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك وفقاً للاحصاءات الرسميّة الصادرة عن صندوق النقد الدولي IMF ومصرف لبنان وإدارة الاحصاء المركزي. فأي دولة في حوض البحر المتوسط سجلت مثل هذه النسبة خلال السنوات الثلاث الماضية؟
- تؤكد أرقام مصرف لبنان أن حجم تسليفات المصارف للقطاع الخاص اللبناني المقيم واصل ارتفاعه خلال السنوات الماضية ليقارب الـ50 مليار دولار، أي ما يوازي حجم الاقتصاد، وهذه نسبة تعد عالية وفقاً للمعايير الدولية. فهل يمكن أن تزيد المصارف إقراضها بهذا الشكل وبالظروف التي يتحدثون عنها، أم انَّها تقرض مؤسسات غير مليئة (أي لا تستوفي شروط التسليف)؟ فليقل لنا من يهوّل علينا: هل بانت مؤشرات انهيار الاقتصاد من خلال ازدياد حجم الديون المتعثرة، أم من خلال حجم الشيكات المرتجعة؟
- ان الودائع في القطاع المصرفي تقارب الـ150 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف حجم الناتج المحلي (GDP)، منها 80%، أي 120 مليار للمقيمين في لبنان. فهل لنا أن نعرف كيف تتوزع هذه الثروة بين اللبنانيين؟ اليس أقل من 2% من عائلات لبنان يتمتعون بأكثر من ثلثي هذه الودائع؟
- بلغت نفقات الدولة اللبنانية 14 مليار دولار عام 2014 منها نحو 4.4 مليارات دولار فوائد على الدين العام، ونحو 2 مليار دولار لتغطية عجز الكهرباء، فيما بقيت ايرادات الدولة في حدود 10.9 مليارات دولار، منها نحو 2.2 مليار رسوم TVA بالرغم من بعض الهدر، ونحو 2 مليار دولار عائدات الخلوي، ونحو 1.35 مليار دولار عائدات ورسوم الجمارك، بالرغم من بعض الهدر والفلتان هناك. أما الضريبة على دخل الشركات، بما فيها المصارف، وعلى دخل المؤسسات الفردية وأصحاب المهن الحرة، فقد بقيت بحدود 783 مليون دولار. وتقدر نسبة التهرب الضريبي في هذا المضمار بضعفي ما يجري تحصيله. فمن يهوّل علينا اليوم وينذرنا بالويل والثبور وعظائم الأمور، لا يدفع الا جزءاً من هذه الضريبة على الدخل، التي تمثّل في لبنان 1.5% فقط من حجم الناتج المحلي. أيجوز ذلك؟ إنّ مجمل إيرادات الدولة اللبنانية تمثل أقل من 22% من حجم الناتج المحلي، فيما تراوح هذه النسبة ما بين 30% و44% في الدول المتقدمة. فكيف يمكن أن تستقيم الأمور في لبنان مع هذه النسبة المتدنية التي يدفع الجزء الأكبر منها أصحاب الدخل المحدود، لا من يعلو صوتهم بين الحين والآخر للتهويل علينا بغية إبقاء الأمور على حالها من دون أي تغيير وإصلاح؟
وتساءل بيان التكتل في هذه المناسبة: ألم يحن الوقت لأنسنة اقتصادنا الوطني وجعله أكثر انتاجية؟ وهل تدفع غالبية أصحاب هذه الأصوات ما يترتب عليها من واجبات تجاه الدولة، أم تتهرب من دفع الضرائب المباشرة المتوجبة، فيما اصحاب الدخل المحدود والمؤسسات الصغيرة الحجم يدفعون ما عليهم عبر الاقتطاع المباشر أو الضرائب غير المباشرة. وهؤلاء، أي أصحاب هذه الأصوات التي تعلو مجدداً، كانوا قد انتقدوا المشاريع الانمائية التي جهدنا لاتمامها في مختلف القطاعات. إنّ النمو الاقتصادي المستدام لا يمكن أن يرتكز على نشاطات ريعيّة بل على الانتاج في الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والخدمات. فكيف كانت مواقفهم من مشاريع النهوض بقطاع الكهرباء، التي تساهم بتحسين القدرات التنافسية للصناعة اللبنانية؟ وكيف كانت مواقفهم من مشاريع النهوض بقطاع المياه من شبكات وسدود، التي تزيد من حجم الانتاج الزراعي، ذلك بالاضافة الى تأمين مياه الشفة لجميع المواطنين في كل المناطق على مدار السنة؟ اليس هنالك من شارك منهم، بصورة مباشرة من خلال حوارات على التلفزيونات، أو بصورة غير مباشرة من خلال التحريض السياسي عند دول الخليج، لمنع رعايا هذه الدول من السفر الى لبنان؟ ألم يحرّض بعضهم موظفاً في الدولة اللبنانية على عرقلة مشاريع الاتصالات، ما ارتدّ ويرتّد خسارة على الاقتصاد الوطني بمئات ملايين الدولارات (راجعوا مؤشرات البنك الدولي)؟ ألا يتحمّل بعضهم مسؤولية تدهور الوضع الأمني من خلال السكوت عمن حاول أن يجعل من لبنان ممّراً لوجستياً للحرب السورية؟ ما هو موقفهم من إضعاف المؤسسات العسكرية والامنية من خلال عدم تعيين قادتها وضرب هرميتها؟ لقد انعكس كل ذلك على الماليّة العامة، اذ إنّهم تسلّموا وطناً كانت ديونه في أوائل التسعينات بحدود الـ2 مليار دولار وتراكمت مع السنين نتيجة سوء إدارتهم لشؤون الدولة ليتجاوز الدين العام حاليّاً عتبة الـ70 مليار دولار. ويتباكون اليوم!
المشاركون في لقاء «بيال» اليوم مطالبون بالاجابة عمّا حمله بيان تكتل التغيير والاصلاح، بعيدا عن اهداف تسجيل المواقف السياسية. طبعا اذا ارادوا ان يكون اللقاء ممثلا للمجتمع المنتج، ومقدمة لحراك يفضي الى «القرار ضد الانتحار» لا الامعان فيه.

لبنان اقتصاد الأخبار مجتمع مدني