يؤدي نهج الدولة اللبنانية في رسم السياسات، الذي يتسم بالانقسام الطائفي، غياب الرؤية الاستراتيجية، وهشاشة في تحديد مكامن الخلل، الى افساح المجال امام الجهات الخارجية المختلفة، منها الحكومات والمؤسسات الدولية، للتدخل في شؤون البلاد والعباد، وصياغة الاولويات. والملفت ان الاستنتاجات الخاصة بأزمة النظام اللبناني التي كانت تثيرها اوساط المعارضة سابقاً، باتت متبناة من المؤسسات المالية الدولية المتدخلة في الشأن اللبناني. لجلاء الصورة بشكل اوضح، نسلط الضوء في هذه المقدمة، على عينة من تلك الاستنتاجات، الصادرة عن البنك الدولي، ومجموعة الدعم الدولية، بدون ان يعني ذلك الموافقة او الرفض لها.
يطال تدخل المؤسسات الدولية، كافة الاوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها طبيعة الدولة، الاوضاع السياسية الداخلية، واقع النزوح، وغيرها من القضايا الحيوية. ففي ما يتعلق بطبيعة النظام اللبناني، حمّل البنك الدولي، في تشخيصه المنهجي للبنان للعام 2015، نظام الطائفية السياسية في لبنان، مسؤولية الشلل في عملية أخذ القرار وصناعة السياسات، معتبراً ان ذلك النظام شكل الوسيلة الأقوى لتعريض البلد للتدخلّات الخارجية. وقد قدم تقرير البنك عدد من اقتراحات الحلول منها، تطبيق البنود الأساسية من اتفاق الطائف، إنشاء مجلس مصغر ضمن البرلمان يجري انتخابه على أساسٍ غير طائفي، الخ.
وقد طالت التدخلات ايضاً القضايا السياسية الداخلية، اذ نبهت مجموعة الدعم الدولية، من تداعيات "الفراغ الرئاسي الذي يساهم في تقويض قدرة لبنان على التصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد"، مطالبة القيادات اللبنانية بالالتزام بالدستور، تنفيذ القرار1701، الاستمرار بسياسة النأي تجاه الأزمة السورية.
ودائماً بحجة دعم لبنان، اشار البنك الدولي في تقريره المنهجي الى ان الطائفية، هي احدى الاسباب، التي ادت الى انهيار قطاع الكهرباء، ليؤكد بعدها على ضرورة اشراك المؤسسات الخاصة في ادارة المرافق العامة في لبنان، من خلال الخصخصة التي لطالما اعتبرها البنك الحل الوحيد لانقاذ البلاد. كذلك، ابلغ البنك الدولي، الحكومة اللبنانية مؤخراً، انه، في ظل تعطيل التشريع، لن يلتزم بمشاريع تنموية جديدة للبنان.
ومن تجاوزات الهيئات الدولية، تدخلها في ملف النزوح في لبنان، التي كان اخرها تصريح المديرة التنفيذية لبرنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة، إرثارين كازين، خلال لقائها ووزير الشؤون الاجتماعية، رشيد درباس، حيث شددت على ضرورة العمل على توظيف السوريين/ات في لبنان، وذلك من دون مشاورة المرجعيات اللبنانية المعنية.
وحول الاقتصاد، لفت فريق من البنك الدولي يترأسه مدير شؤون التشغيل في البنك، نايجل توز، ان الاقتصاد اللبناني يعاني "خليطاً ساماً" من المشاكل الهيكلية وضعف النمو و"عدم الاهتمام بخلق الوظائف"، مضيفاً ان "الأثرياء (أصحاب السلطة) بخير، لكن البقية (الغالبية) ليست كذلك".
بالطبع ما سبق ليس الا غيث من فيض، اذ ان مصدر تلك التدخلات الخارجية لا يقتصر على الجهتين المشار اليهما، بل يشمل ايضا الاتحاد الاوروبي والكثير من الحكومات الغربية والعربية ذات النفوذ في لبنان، لكن الحديث عن ذلك يطول، مكتفيين الان بما اشرنا اليه في ما سبق.