نجحت التحركات المدنية والشعبية التي انطلقت احتجاجاً على ازمة النفايات، والتي تطورت فيما بعد لتتناول مشكلة الفساد عامة، وحتى للمطالبة باسقاط النظام الطائفي، في ان تحدث تخبطاً في اوساط القوى السياسية المأزومة، التي فشلت على مدى الاعوام، في تأمين الحقوق الاساسية للمواطنين/ات.
لم تأت ازمة النفايات من العدم، بل نتيجة التراكمات والسياسات الرسمية التي باءت جميعها بالفشل، لافتقارها الى رؤية استراتيجية شاملة تراعي الاعتبارات البيئية، الامر الذي نتج منه نشوء مكبات عشوائية في كافة المناطق اللبنانية. لكن الموضوع الذي فجر الازمة، هو مصير مطمر الناعمة، الذي لفترة طويلة ظل يستقبل نفايات بيروت وجبل لبنان، حتى وصل الى حافة الذروة في قدرته الاستيعابية. احتجاجاً على الضرر الناتج من المطمر، بدأ اهالي المناطق المحيطة به، منذ عدة سنوات، بتحركات متواصلة شارك فيها العديد من الهيئات والجمعيات البيئية، نجحت في دفع مجلس الوزراء في كانون الثاني 2015 الى تمديد العمل بالطمر لغاية 17 نيسان 2015، على أن يجدّد ثلاثة أشهر أخرى إذا دعت الحاجة، ولمرة واحدة وأخيرة، وقد حدد 17 تموز الماضي، كموعد للاقفال النهائي للمطمر.
تجدر الاشارة ايضا الى ان العقود الموقعة مع شركة سوكلين، المسؤولة عن جمع النفايات بمنطقة بيروت وبعض المناطق في جبل لبنان، انتهت ايضاً رسمياً في 17 تموز الماضي، وهي مستمرة فعلياً نظراً لالغاء الحكومة لعروض مناقصات النفايات في 25 آب الماضي.
وعليه انفجرت ازمة النفايات التي تكدست بشوارع بيروت والضواحي، خصوصاً بعد رفض المناطق في لبنان استقبالها، لينطلق معها الحراك المدني تحت اسم "طلعت ريحتكم"، بدءاً من رياض الصلح الى وسط بيروت عامة والمناطق ايضاً. وعلى وقع الاخفاق الرسمي، شهدت شعارات ومطالب الحراك المدني، الذي اخذ يستقطب المواطنين/ات من كافة الاطياف والانتماءات السياسية والطائفية، تطوراً بارزاً خلال فترة اقل من شهر واحد، بدأ من المطالبة بحل ازمة النفايات ومحاسبة المقصرين، الى رفع شعارات سياسية ابرزها استقالة وزير البيئة، ومن ثم استقالة الحكومة، وصولا الى اسقاط النظام الطائفي، واجراء الانتخابات النيابية، كل ذلك الى جانب المطالب الخدماتية الاخرى كايجاد حلول لازمتي المياه والكهرباء.
سريعاً ما اتسم الحراك، الذي ترافق في بعض مفاصله بصدمات عنيفة مع القوى الامنية واعتقالات لعدد من الناشطين/ات، بالتنوع من حيث مكوناته، الامر الذي انعكس على شعارته ومطالبه، كما شهد تشكلاً لمجموعات مختلفة منها: "بدنا نحاسب" مثلاً التي شددت على ان مطلبها يتجاوز المطالب المتعلقة بمعالجة النفايات، ومجموعات اخرى كـ "جايي التغيير"، "عالشارع"، "شباب ضد النظام"، "الشعب يريد"، "من اجل الجمهورية" وغيرها.
الملفت في الموضوع ان كافة الاطراف السياسية الرئيسية، حتى تلك التي طالها الحراك بسهامه، باركت الحراك وايدت مطالبه، ولو تنصلت من المشاركة بحجة ابعاده عن التجاذبات السياسية.
وبصرف النظر عن مواقف تلك الاطراف الفعلية وصدقيتها، تحيط بالحراك جملة تحديات تتمحور حول قدرته على الاستمرار، توحيد الرؤى، والانتقال الى مرحلة الفعل المستقل عن التوظيف السياسي، وذلك نظرا لتعدد مشاربه ومنطلقاته. لكن الاكيد ان الحراك نجح الى حد كبير في تنشيط الحياة السياسية التي اصيبت بالركود وكذلك في اعادة طرح ملف معالجة النفايات على ارضية جديدة.