يتسم موقف الحكومة اللبنانية تجاه ملف النزوح السوري بكثير من المواربة والتناقض وانعدام الشفافية. فمن ناحية تركز الحكومة على الآثار السلبية للنزوح خصوصاً الضغوط الاقتصادية التي نجمت عن استقبال اكثر من مليون نازح/ة سوري/ة في لبنان، رافضة اي سعي لادماجهم/ن على المدى المتوسط، ومن ناحية اخرى تحاول استغلال كل الفرص لتسول اكبر قدر ممكن من المساعدات الدولية، بحجة دعم النازحين/ن السوريين/ات، ولو حتى تحت شعار "اقامة مشاريع لاشراكهم/ن في سوق العمل"، الامر الذي يعكس تناقضاً واضحاً في مواقفها.
على مدار اكثر من اربع سنوات، اسهب المسؤولون اللبنانيون بتصريحاتهم المتشددة، حول الاعباء غير المحتملة لتواجد النازحين/ات السوريين/ات على اراضيه، والضغوط المتزايدة على البنى التحتية وعلى المؤسسات التربوية والصحية وسواها، وعن ضرورة عودتهم/ن المبكرة الى بلدهم/ن. وتسلحت الحكومة بتلك المواقف لرفع خطة طموحة جداً لتوفير الدعم المالي للبنان، تقدمت بها الى مؤتمر لندن الذي عقد في 4 شباط الماضي تحت "عنوان "مساعدة سوريا والمنطقة"، وضمنتها اعادة تأهيل البنى التحتية، من مرافق عامة وخدمات اجتماعية، واخرى لاقامة مشاريع جديدة تشغيلية يستفيد منها اللبنانيون/ات والسوريون/ات على حد سواء. وفي التفاصيل، تضمنت الخطة الجديدة المقترحة، مشاريع بقيمة 11 مليار دولار تنفذ على فترة أربع سنوات، وتشمل ايضاً جملة من الاقتراحات لتحفيز الاقتصاد، ومن المشاريع المقدمة والتي بعضها يثير الاستغراب:
● الاستثمار في البلديات بمعدل مليار دولار على مدى خمس سنوات
● دعم احتياجات البنى التحتية، وتنفيذ مشاريع تحويل النفايات بتكلفة 200 مليون دولار في بيروت وجبل لبنان
● اعادة إعمار مخيم نهر البارد بتكلفة 156 مليون دولار (!!؟)
● توسيع السجون وتحسينها بتكلفة تقديرية 63 مليون دولار (!)
● استثمارات في البنى التحتية والخدمات العامة بمقدار أربعة مليارات و300 مليون دولار على خمس سنوات
● مشروع دعم الموازنة بقيمة 400 مليون دولار
● مشاريع "زراعات حديثة في عكار والبقاع وتفعيل القطاع الصناعي"
● الاستثمار في مجالات تؤمن النمو الاقتصادي المستدام ومعه خلق نحو 350 ألف وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة لكل من اللبنانيين/ات والسوريين/ات، على ان ينتج ذلك من خلال تشجيع قيام مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم، وبدعم مالي مقداره ٦٠ مليون دولار. وتجدر الاشارة الى انه بموجب الخطة ستسمح الحكومة اللبنانية بتوظيف عدد من النازحين/ات السوريين/ات في مجالات معينة كالزراعة والبناء والتنظيفات.
وفيما يكرر المسؤولون اللبنانيون الاشارة الى الآثار السلبية للنزوح على الوضع الاقتصادي في لبنان وخصوصا البطالة، على رغم من ان مشكلة البطالة في لبنان مزمنة وسابقة للازمة الحالية، ينبري وزير العمل، سجعان قزي، الى الاعلان عن رفضه المطلق لتوظيف النازحين/ات السوريين/ات في لبنان ووصفه الجهات التي تقف وراء تلك المطالب بالوقحة، لكنه في الآن نفسه لا يعترض على اقتراح اقامة مشاريع للبنانيين/ات، يستفيد منها السوريون/ات في مجالات معينة ومحصورة جداً.
واللافت ان توجه الحكومة اللبنانية الموارب لاستدراج المساعدات المالية، يحظى الى حد ما باذن صاغية من الجهات الاجنبية الداعمة، وذلك على الرغم من ان جزءاً كبيراً من المساعدات لن يصب مباشرة في جيوب النازحين/ات السوريين/ات بل الحكومة وزبائنها. ومن الدلالات على "تفهم" الجهات المانحة الاجنبية للمقاربة اللبنانية، مشروع انشاء منطقة تربل الصناعية الذي يسلك طريقه الى التنفيذ، والتيً تكفلت منظمة "اليونيدو" مؤخراً، بتمويل دراسات البنى التحتية الخاصة به، تحت عنوان اغاثة النازحين/ات السوريين/ات، علماً ان المشروع المذكور يستدعي تنفيذه سنوات عديدة وانه لن يشغّل النازحين/ات السوريين/ات في المدى المنظور.