بين النسبي والاكثري مآل قانون الانتخاب ينتظر جلاء المشهد الاقليمي

على الرغم من انكباب مجلس النواب، منذ نحو اربع سنوات، على مناقشة قانون الانتخابات النيابية، لا يزال التجاذب حوله يدور في حلقة مفرغة، وبشكل رئيسي، بين متمسك بالنظام الاكثري المعتمد حاليا وبين مطالب بالنظام النسبي. والاكيد ان كل فريق سياسي يعمل على تفصيل القانون وفقاً لمقاسه لكي يستأثر بالسلطة، علما ان اكثرية القوى المنضوية تحت مسمى "8 اذار" تطالب بقانون النسبية، بينما تعارضه اكثرية قوى "14 اذار". صحيح ان الكباش السياسي ينصب حاليا حول طبيعة النظام (الاكثري مقابل النسبي)، الا انه في جوانب منه يطال ايضا مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية، والى حد اقل، ما اذا يجب اعتماد القيد الطائفي في التصويت للنواب على نحو يقترع الناخب/ة فقط لنواب طائفته/ها (القانون الاورثوذوكسي). في هذه العجالة سنتطرق الى موضوع الانظمة الانتخابية على ان نتناول موضوع التقسيمات الادارية في عجالة اخرى.
يعتبر النظام الانتخابي الاكثري، فائزا، قائمة المرشحين/ات التي تنال أكثر عدد من الاصوات لتستحوذ على كل المقاعد، بينما تتوزع المقاعد النيابية في النظام النسبي حصصاً تبعا لمعدل الاصوات التي يتم الحصول عليها. من ابرز الانتقادات للنظام الاكثري عدم احقاقه العدالة في التمثيل، اذ انه يرفع من تمثيل الجهة السياسية الفائزة على حساب تمثيل الاطراف الاخرى، مما يضعف حيوية النقاش السياسي ويقصي جزءا من الاراء السياسية التي لديها حيثية تمثيلية. اما النظام المختلط، قيد البحث حاليا، فهو صيغة وسطية توفيقية، تعتمد على دمج النظامين بحيث يُنتخب قسم من النواب وفقاً للنظام الأكثري، والقسم الآخر على قاعدة النسبية.
اجمالاً، تتسم مواقف الاحزاب السياسية بالتذبذب والتقلب وفقاً للتغيرات في الاصطفافات والتحالفات، وبينما اوضح عدد من الاطراف خياراته بشكل ثابت، تستمر مواقف عدد اخر متقلبة وغير واضحة حتى اللحظة. فالحزب التقدمي الإشتراكي، مثلا، يصر فقط على رفض النسبية المطلقة، بينما تتراوح مواقفه بين الترويج للقانون الأكثري (اي قانون الستين المعتمد حالياً) وبين القانون المختلط. كذلك يرفض تيار "المستقبل" نظام النسبية المترافق مع تقسيم طائفي، بذريعة ان "حزب الله" سيتمكن عندئذ بطريقة شرعية ودستورية، من إحكام قبضته على البلاد. بدورها، لم تحسم "القوات اللبنانية" موقفها، فهي من جهة تقول انها لا تعارض النسبية ومن جهة اخرى تصرح انها غير متحمسة لها، بينما تؤيّد القانون الذي يخلط ما بين النسبية والأكثري. اما الكتائب، فقد اقترحت قانون الدائرة الصغرى، وقانون الـ60 المعتمد حاليا مع بعض التعديلات، وترفض النظام النسبي، في ظل الإنقسام السياسي الحالي.
في المقلب الاخر، يبدو ان التيار الوطني الحر قد قرر التخلي عن القانون الأرثوذكسي، الذي كان متمسكاً به، وبات اكثر ميلا الى القانون النسبي، وهو الخيار الذي نادى به منذ البداية كل من "حزب الله" و"حركة أمل"، تيار "المردة"، واحزاب السوري القومي، البعث العربي والشيوعي، فيما الاختلاف في المواقف بين كل تلك الاحزاب مرتبط باستعدادها او قدرتها على المناورة.
ختاماً، لا يخفى على احد ان رقصة التانغو للامساك في القرار السياسي في لبنان تجري على انغام الانقسامات الاقليمية والدولية وخصوصاً وجهة تطور النزاعات الدموية في سوريا، العراق واليمن. وعلى الرغم من الازمة السياسية الكأداء، التي ترخي بظلالها السلبية على الاوضاع الاقتصادية الانسانية والاجتماعية في البلاد، لا تزال الاطراف السياسية الرئيسية، تناور على مسرح اللجان النيابية، حيث النقاشات حول قانون الانتخاب تدور في حلقة مفرغة، بانتظار جلاء المشهد الاقليمي.