التعليم عن بعد في زمن الكورونا: تراجع المستوى التعليمي، تفاوت في الاستيعاب، الطلاب في حالة نفسية خطرة

بعد نحو سنة كاملة من بدء التعليم عن بعد، مدى نجاح تلك التجربة او فشلها يطرح نفسه بقوة، مع الاقرار بصعوبة القيام بتقييم سريع لها في مثل هكذا فترة وجيزة. التجربة استثارت اهتمام الاعلام المكتوب والخبراء/ات والاختصاصيين/ات الذين واللواتي سعوا لابراز الصعوبات التي واجهت التلامذة والاساتذة على حد سواء، لجهة الظروف والامكانات المحيطة بتلك التجربة، المادية منها والفنية او النفسية، والذين/اللواتي اجمعوا/ن على ان تجربة التعليم عن بعد لا تزال غير ناضجة وغير متكافئة في ظل غياب اي استراتيجية ودعم فعلي من وزارة التربية.
في معرض استعراض الصعوبات الرئيسية، شدد تقريباً الجميع على الضعف في البنى التحتية الضرورية كالانترنت السريع، عدم الاعداد الكافي للمعلمين/ات على مقاربة التعليم عن بعد، وغياب المناهج الملائمة. على صعيد توفر الانترنت، اضطر عدد كبير من التلامذة الى اختيار التعليم عبر الواتس اب وذلك لعدم اتصاله بشبكة الانترنت او عدم حيازته على اجهزة كمبيوتر، اذ اشارت صحيفة الاخبار الى ان 60% من تلامذة المدارس الرسمية اختاروا/ن التعليم عبر تلك الوسيلة، كما سجل تفاوت واسع في قدرة المدارس على التعليم عن بعد بين المدارس الرسمية والخاصة وبحسب المنطقة ايضا، الامر الذي دفع الرئيس التنفيذي لـ "مجموعة غلوبال ليرننج"، ميلاد السبعلي، الى الاستنتاج ان أكثر من 60% من المدارس الرسمية غير قادرة على تطبيق التعليم عن بعد. حول كفاءة المعلمين/ات، رأت الرئيسة السابقة للمركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف، ندى عويجان، ان ثمة غياب شبه كامل لتدريب المعلمين/ات والتلامذة والاهل حول مقاربة التعلم عن بعد بجميع ابعادها وادواتها، كذلك نقلت الاخبار عن رئيسة مكتب الاعداد والتدريب في المركز التربوي للبحوث والانماء، رانيا غصوب، ان 10% فقط من المعلمين/ات في القطاع الرسمي البالغ عددهم نحو 40 الفا تلقوا/ن تدريبا الكترونيا. اخيراً في موضوع المناهج، شددت عويجان على ان المناهج والكتب غير معدة للتعلم عن بعد، كما اشارت الباحثة في علم التربية، الدكتورة بياريت فريفر، في حديث لصحيفة الاخبار الى ان المناهج تعاني اصلا من الجمود بحيث تمرّ عقود قبل أن تخضع للتطوير، ما يقلّل من فعاليتها التربوية والعلمية، فضلاً عن العمومية التي تتصف بها وإغفالها لكثير من الجوانب التكنولوجية.
من الصعوبات التي واجهت التجربة الفتية ايضاً، تلك المتعلقة بالبعد النفسي، اذ رأى الخبراء ان غياب التجهيزات اللازمة للتعليم عن بعد، ترك تأثيرأً سلبياً في نفسية وشخصية التلميذ/ة، كذلك على قدرته/ها على استيعاب المنهاج، فقد اقرت رئيسة ثانوية مار يوسف لراهبات القلبين الاقدسين في عين نجم، نوال عقيقي، بان التفاعل من خلال وسائل التواصل الافتراضي الاجتماعي يؤدي الى صعوبة في ايلاء الاهتمام اللازم بالتلاميذ والاصغاء اليهم/ن ومعالجة مشاكلهم/ن اليومية، كما يعيق التطور الشخصي والعلائقي لديهم/ن ويخفف من فرص التحدي والسعي للافضل، وقد حذرت عويجان من الاثار النفسية الخطرة التي قد تلحق بالتلاميذ/ة نتيجة التعلم عن بعد، معددة جملة منها ابرزها، ضعف التفاعل المباشر، ارتفاع منسوب القلق لدى التلامذة، صعوبة في التعبير، الشعور بالملل، ظهور اضطرابات في النوم.
بالمقابل، سلطت صحيفة النهار الضوء على بعض ايجابيات التعليم عن بعد، وفي حوارها مع عقيقي، التي لفتت الى ان التعلم عن بعد حفز الاساتذة على الابداع وعلى اعتماد طرق حديثة ومتطورة في نقل المعرفة ترتكز على التكنولوجيا والتفاعل المتواصل، وان التلاميذ/ة نجحوا/ن في اكتساب مهارات تقنية عالية، موضحة ان قبل التعليم عن بعد كانت مهارات التلاميذ/ة الفنية تقتصر على ما يحتاجونه للتسلية.
من المبكر بعد، نظراً لظروف التجربة الحالية الصعبة، تحديد مكتسبات التلاميذ/ة بدقة بحسب ما اكدته عقيقي لكنها اشارت الى بدء ظهور تفاوت في مستويات الاستيعاب عند التلاميذ مقرة في الظرف الحالي بصعوبة تقديم الاسناد التربوي الفردي لكل تلميذ/ة والعمل على ترميم الهوة بين المرتجى وواقعه/ها التعلمي والاجتماعي. في الاطار نفسه، اشار كل من السبعلي والباحث في التربية والفنون، نعمه نعمه، ونقيب المعلمين في المدارس الخاصة، رودولف عبود، الى غياب المعايير الواضحة لقياس عملية الاكتساب، مشددين على اهمية ذلك من اجل نجاح تقييم التلميذ/ة، ومتسائلين اذا كان وجود التلميذ فقط امام جهازه وحضوره للاجابة عن سؤال معين، عاملا كافيا لنجاح التلميذ عامه الدراسي. كذلك اثار السبعلي افتقار بعض المدارس الى "الداتا" التي تحتوي على علامات الامتحانات والفروض، لافتا الى ان من الشروط الاساسية للتقييم هي المساواة بفرص التعليم للتلاميذ كافة، خاتما بالقول اذا كان عامل المساواة مفقود فان عملية التقييم الفعالة تصبح معجزة، فيما جزم نعمة في تقييم التجربة بقوله أن ما يحصل في المدارس حالياً ليس تعليماً عن بعد، إنما تمريراً لوقت التلامذة وتبريراً لدفع رواتب الأساتذة مشددا على ان ضعف الوسائط التعليمية التي يعتمدها المعلمين/ات في التعليم عن بعد يساهم في خفض مستوى الاكتساب الى النصف في احسن الاحوال. ختاما، اكدت الخبيرة عويجان، ان على المديين القريب والمتوسط، سيشهد الحقل التربوي تدنيا في المستوى التعليمي لن يكون بالامكان معالجته بسهولة، كما افاد السبعلي ان الخسارة التعليمية في السنة السابقة تقدر بـ 70% حيث انه لم يتم تغطية سوى نسبة ضئيلة من المنهج.
النقاش حول العملية التقييمية يطرح بقوة السؤال حول امكانية تنظيم الامتحانات الرسمية خلال العام الحالي، الامر الذي يصر عليه وزير التربية، وكذلك عبود الذي كشف عن تقليص المنهاج الاساسي بما بين 30 الى 40%، والذي اعتبر ايضاً ان توزيع الافادات ينعكس سلبا على دخول التلاميذ الى الجامعات خصوصاً الجامعات الخارجية، التي تطلب شهادة رسمية ومعدل معين للدخول اليها، بدوره شدد رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، نزيه الجباوي، في حديث لـ"المركزية" على ان تمرير السنة الحالية بلا امتحانات رسمية يوجه ضربة قوية للمستوى التعليمي والشهادة الرسمية.
حول مستقبل تجربة التعليم عن بعد، قدّم عدد من الخبراء جملة من الاقترحات لتطويرها وللنهوض بالقطاع التربوي تناولت معظم النقاط التي اثيرت اعلاه. اعتبرت عويجان ان المدرسة الافتراضية لم تعد خيارا بل اصبحت حاجة ملحة، مشددة على ضرورة العمل على عصرنة النظام التربوي وتطوير المنظومة التربوية باتجاه الجودة والاتاحة والعدالة في التعليم، مقترحة لتحقيق ذلك على المدى الطويل: وضع التشريعات اللازمة لخدمة التطوير المنشود، حشد الاستثمارات والتمويل اللازم لذلك، وضع رؤية واضحة واستراتيجية تربوية مستدامة ومرنة تحاكي العصر وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، تحديث المناهج دوريا ومقاربتها بالمناهج العالمية، اعداد وتدريب وتطوير قدرات المعلمين/ات والتلامذة العلمية والديداكتيكية واللغوية، واخيراً مدهم/ن بالدعم النفسي- الاجتماعي المناسب. من جهته، تقدم نعمة باقتراحات عملية قابلة للتنفيذ سريعاً وتتلخص بأن يرسل المعلمون/ات توجيهات إلى الأهل حول كيفية تعليم أبنائهم/ن، وان يتم التخفيف عن التلامذة بحيث لا تتخطى الحصة الدراسية 20 دقيقة. في الختام توقع السبعلي ان تتطلب العودة الى مستوى ما قبل الجائحة نحو ثماني الى عشر سنوات، ما لم تعتمد الوزارات المعنية اجراءات استثنائية لمعالجة الوضع، لافتا الى ان منظمة اليونيسكو توقعت ان يتطلب الامر خمس سنوات لتعويض الخسائر التعليمية في بلدان العالم عامة، وذلك في حال اعتماد خطط طوارىء واذا انتهت الجائحة خلال السنة الدراسية الحالية. (الاخبار، النهار، الديار 24 كانون 1 و2، 8، 12، 13 شباط 2021)